الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة البرلمان

دفتر أحوال الوطن (5).. محمد شريف باشا مؤسس النظام الدستوري في مصر

محمد شريف باشا
محمد شريف باشا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يعد محمد شريف باشا هو مؤسس النظام الدستوري في مصر، ووصفه المؤرخ عبدالرحمن الرافعي في الجزء الثاني من كتابه عصر إسماعيل، بأنه يعد بحق مؤسس النظام الدستوري في مصر.

ولد شريف باشا بالقاهرة في نوفمبر 1826، في عهد محمد علي باشا، وكان أبوه محمد شريف أفندي قاضي قضاة مصر في ذلك الحين، وبعد انتهاء مدة خدمة والده انتقل إلى الاستانة معه ولم يتجاوز عدة أشهر، وبعدها عين والده قاضيًا بالحجاز، وعند اتجاهه لتولي منصبه مر بمصر وقابل محمد علي باشا الذي رأى ابنه معه، فتفرس فيه النجابة والذكاء، فعرض على والده أن يرعاه ويعلمه فقبل أبوه وتركه في رعاية محمد علي باشا.

التحق شريف باشا بمدرسة الخانكة التي أنشئت في 1826، وفي عام 1844 انتظم في بعثة أرسلها محمد علي إلى أوروبا وكان من ضمن أفراد البعثة الخديو إسماعيل وعلي مبارك، فتخصص شريف باشا في الفنون الحربية وانتقل إلى مدرسة تطبيق العلوم الحربية، والتحق بالجيش الفرنسي ونال رتبة يوزباشي أركان حرب، ولما تولى عباس الأول الحكم أمر باسترجاع أعضاء البعثة فعاد المترجم شريف باشا إلى مصر سنة 1849 والتحق بالجيش المصري بنفس الرتبة التي كان عليها بالجيش الفرنسي.

لم يلق شريف باشا تقدمًا ورعاية في عهد الخديو عباس الأول، وبعد وفاة عباس الأول وتولي الخديو سعيد الحكم فكر أن يعهد إليه بالمناصب السياسية والمدنية، بعيدًا عن السلك العسكري، فجعله وزيرًا للخارجية عام 1857 وبدأت حينها شخصية شريف باشا تظهر في الأفق - حسب الرافعي -، وظل 30 عامًا يتولى كبرى المناصب وتتم على يده أهم التطورات السياسية في البلاد.

وبعد تولي الخديو إسماعيل الحكم، عهد إلى زميل بعثته بأوروبا بوزارتي الداخلية والخارجية معًا، وعند سفر إسماعيل إلى الاستانة جعل شريف باشا "قائمقام" عنه طوال مدة غيابه، وهو المنصب الذي لم ينله أحد قبله من غير العائلة المالكة، وعندما أسس الخديو مجلس شورى النواب عام 1866 وكان شريف باشا وزيرًا للداخلية، صحبه معه إلى حفل افتتاح المجلس، وفي سنة 1868 عهد إليه الخديو برئاسة المجلس الخصوصي الذي كان بمنزلة مجلس الوزراء آنذاك.

المؤرخ الكبير الرافعي ذكر أن شريف باشا لم يشترك أبدًا في مساوئ القروض التي استدانها إسماعيل ولم يستفد من سياسة البذخ والإسراف التي اتبعها الخديو حينها، بل بقي نزيهًا لم تمتد يده إلى أموال الدولة ولم يعبث بمصالحها، غير أنه لم يقف موقف المعارضة من تصرفات الخديو المالية، وهي نقطة الضعف التي ذكرها المؤرخ في تاريخ شريف باشا.

كما أكد الرافعي على أن موقف شريف باشا من التدخل الأجنبي في مصر كان موقفًا مشرفًا، حيث كان يكره التدخل الأوروبي وكان يؤمن بالشورى والدستور، وهذا ما ظهر مع نزول الخديو على رغبة المواطنين وتأليف لجنة تحقيق أوروبية سنة 1878 للتنقيب عن أحوال الحكومة المالية، وكان حينها شريف باشا وزيرًا للحقانية والخارجية، واستدعته اللجنة لسماع أقواله ولكنه رفض أن يقف في هذا الموقف المهين، ما أدى إلى وقوع أزمة تسببت في استقالته.

استقالة شريف باشا جعلته في موقف الزعيم المحافظ على حرية بلاده من التدخلات الأجنبية، وطالبت القوى الوطنية في 1879 بعدة مطالب على رأسها تولي شريف باشا رئاسة الوزراء، وشكل الحكومة في أبريل من نفس العام، وأقصى الوزراء الأجانب منها وأقر مبدأ المسئولية الوزارية أمام مجلس شورى النواب.

وفي عهد الخديو توفيق لم يكن يرضى الخديو بميول شريف باشا الدستورية، وبعد مرور أيام على تثبيت حكمه، وطلب شريف باشا تشكيل مجلس النواب، وقوبل طلبه بالرفض تقدم المترجم باستقالته في أغسطس 1879 وتعاهد الوزراء آنذاك بألا يقبل أحدهم الاشتراك في حكومة أخرى في حال رفض مطالبهم فاستقالت الحكومة عدا محمود سامي البارودي ومصطفى فهمي باشا، وفي سبتمبر 1879 عهد توفيق إلى رياض باشا بتشكيل الحكومة بعدما ترأسها بنفسه لفترة وجيزة، وحتى عام 1881 بقيت البلاد محرومة من الحياة النيابية، إلى أن قامت الثورة العرابية وتحركت إلى ميدان عابدين في 9 سبتمبر 1881، وكان أول مطلب هو عزل وزارة رياض باشا وتشكيل مجلس النواب، واتجهت حينها الأنظار مرة أخرى إلى شريف باشا، وألف الوزارة في 14 سبتمبر من نفس العام.

وبعد توليه رئاسة الوزراء، تقدم بمطالب الثورة إلى الخديو وهي تأليف مجلس النواب طبقًا للائحة مجلس شورى النواب، على أن يتم إدخال تعديلات عليها بعد إنشاء المجلس، وبعد افتتاح المجلس في 26 ديسمبر 1881 تقدم في يناير من العام التالي، مشروع القانون الأساسي للمجلس النيابي وهو أول مشروع لقانون الانتخاب في مصر، ولم يكد شريف باشا ينتهي من عرض مشروعه، حتى تدخلتا بريطانيا وفرنسا في الشئون الداخلية لمصر، وذلك بعد تدشين مجلس النواب واتجاه مصر لتقرير مصيرها خاصة فيما يخص الميزانية التي كانت تعترض الدولتان على مناقشتها تحت قبة البرلمان، وعمل شريف باشا على محاولة تأجيل مناقشة الميزانية لمنع التدخل الأجنبي، ولكن تدخل محمود سامي البارودي وزير الحربية آنذاك على أن يتشبث النواب برأيهم وحقهم في مناقشة الميزانية، وهو ما استدعى استقالة شريف باشا.

يقول الرافعي، إن شريف باشا كان رجل الدولة الوحيد الذي ارتضى معاصروه رئاسته، وعلى الرغم مما كان بينه وبين نوبار باشا ورياض باشا من التنافس والكراهية، وأنهما رضيا أن يعملا تحت لوائه، وخلال رئاسته الحكومة كان من بين وزرائه نوبار باشا، ومحمود سامي البارودي ومصطفى فهمي ورياض باشا وعلي مبارك، وهو ما يتضح معه أن كبار رجال الدولة كانوا يعترفون له بالزعامة على اختلاف نزعاتهم.