تتسم دائمًا محافظات الصعيد خاصة قراها بالعصبيات العائلية والقبلية التى تحول دون دخول غريب إلى القرية دون علم أهلها بوجهته، فالأمان وترك الأطفال للهو أمام المنزل والشوارع المجاورة شيئًا طبيعيًا لعلم الجميع بالقرية بأبنائها وأطفال الجيران، ولكن فى تلك الواقعة كانت الضربة من الداخل.
ففى قرية القيس التابعة لمركز بنى مزار شمال محافظة المنيا، خرجت الطفلة «دينا» صاحبة الـ٤ سنوات للهو أمام منزل والدها، ولكن كان فى انتظارها يد الغدر التى تقيم فى المنزل المقابل المواجه لمنزل والدها، تلك السيدة الأربعينية التى لمع بعينها قرط الطفلة الذهبي، وتنظر يمينًا ويسارًا بالشارع الذى خلى من المارة فى تلك اللحظات لتقوم باستدراج الطفلة التى تذهب لها فور ندائها عليها وأدخلتها إلى منزلها.
لم تنتظر تلك السيدة التى خلعت ثوب الإنسانية وألقت به بعيدًا وارتدت بدلًا منه ثوب الشيطان وانقضت على الطفلة كاتمة أنفاسها بقصد إزهاق روحها وسط لحظات من الرعب عاشتها الطفلة المسكينة وهى تحاول بنظرات عينها التسول إلى جارتها للرحمة بها، ولكن هيهات لهذا القلب المتحجر أن يرحم توسلاتها، وما هى إلا ثوان حتى فاضت روحها البريئة إلى خالقها تاركة الدنيا برمتها لمثل القاتلة التى ملأ قلبها بالجشع والحقد وراحت تنهى حياة طفلة لا ذنب لها لسرقة حلق ذهبى لا تتخطى قيمته الألفين جنيه، فكما لما ترحم تلك السيدة خوف وفزع الطفلة خلال لحظات قتلها لم يهتز قلبها كذلك لرؤية جثتها بل نزع الحلق من أذنيها ووضعت الجثة داخل جوال بلاستيك وترك الجثة داخل الجوال وتحركت من منزلها إلى مدينة بنى مزار وهناك دخلت إلى إحدى محالات الصاغة وقامت ببيع الحلق إلى الصائغ الذى كان يعلم بأنها تحصلت عليه بطريقة غير شرعية ولا تملك فاتورة وأوراق ملكية ومع ذلك اشترى منها الحلق.
عادت القاتلة إلى منزلها وجلست تفكر فى وضع خطتها الشيطانية للهروب من طبلية عشماوى التى باتت أمام أعينها، أسرة الطفلة ووالدها يبحثون عنها فى كل مكان بالقرية فى الخارج ونجلتهم جثة بجوال داخل منزل جارتهم، انتهى بها تفكيرها إلى وضع الجوال وبداخله جثة الصغيرة بحقيبة بلاستيكية كبيرة الحجم وتحركت إلى محطة قطار بنى مزار واستقلت القطار رقم ١٥٩ «الأقصر- القاهرة» وتركت الحقيبة ونزلت بمحطة قطار الجيزة وعادت إلى منزلها مرة أخرى وظنت بأنها هربت بفعلتها، ولكن نجحت أجهزة الأمن بالقاهرة والمنيا والجيزة بالاستعانة بالتقنيات الحديثة والتوصل إلى هوية الطفلة وفحص كاميرات محطة بنى مزار خلال تحرك القطار منها ومطابقة الحقيبة المعثور عليها، بالتى كانت تحملها سيدة ترتدى جلباب أسود وغادرت تلك السيدة دون الحقيبة بمحطة الجيزة.
تفاصيل تلك الواقعة المأساوية كانت بتلقى أجهزة الأمن بلاغا من فرد أمن إدارى بإحدى الشركات التابعة لهيئة السكة الحديد والمعين بقطار «الأقصر- القاهرة» بالعثور على حقيبة بلاستيكية كبيرة الحجم بإحدى عربات القطار، وبداخلها جثة لطفلة فى العقد الأول من العمر، وبالفحص تبين وجود حالة غياب لطفلة بدائرة مركز شرطة بنى مزار بالمنيا تشابهت مواصفاتها بمواصفات الطفلة المعثور عليها داخل الحقيبة، وباستدعاء والد الطفلة، مزارع، مقيم بقرية القيس بذات دائرة المركز، قرر أن كريمته «دينا» تغيبت حال لهوها أمام مسكنهما، وأضاف بأنه لم يقم بالإبلاغ لانشغاله فـى البحث عنها، وبعرض صورة الطفلة المعثور عليها بالقطار تعرف عليها وقرر أنها لكريمته وأضاف بأنها كانت ترتدى قرط ذهبى.
وتوصلت جهود فريق البحث بمشاركة قطاع الأمن العام ومديرية أمن المنيا، والإدارة العامة لشرطة النقل والمواصلات إلى أن وراء ارتكاب الواقعة ربة منزل «لها معلومات جنائية» مقيمة بدائرة مركز شرطة بنى مزار، وعقب تقنين الإجراءات تم استهدافها وضبطها، وبمواجهتها اعترفت بارتكاب الواقعة بقصد السرقة، حيث قامت باستدراج المجنى عليها إلى مسكنها المواجه لمنزل أسرة المجنى عليها بقصد الاستيلاء على قرطها الذهبي، وقامت على الفور بكتم أنفاسها حتى فارقت الحياة، وعقب ذلك قامت بنزع القرط الذهبى ثم قامت بوضع الجثة داخل جوال بلاستيك وتركت المجنى عليها بمسكنها، وتوجهت لمدينة بنى مزار وتصرفت فى القرط الذهبى بالبيع لأحد محال المصوغات، وعقب عودتها لمسكنهما قامت بوضع الجوال وبداخله الجثة داخل حقيبة بلاستيكية كبيرة الحجم ووضعت الجثة بداخلها، وتوجهت لمحطة قطار بنى مزار واستقلت القطار المشار إليه ولدى وصول القطار لمحطة الجيزة تركتها بداخل القطار وغادرته وتوجهت إلى محل إقامتها، أمكن ضبط "مالك محل مصوغات، مقيم بدائرة المركز وأرشد عن القرط الذهبي.
وبالعرض على النيابة العامة أمرت بانتداب طبيب شرعى لتوقيع الكشف الطبى على الطفلة وإعداد تقرير عن كيفية وأسباب الوفاة وصرحت بالدفن عقب ذلك، وكذا اصطحب فريق من النيابة العامة المتهمة إلى المنزل محل سكنها لتمثيل جريمتها وإجراء معاينة تصويرية للواقعة، وأمرت النيابة بحبس المتهمة ٤ أيام على ذمة التحقيقات كما طلبت النيابة تحريات المباحث التكميلية حول الواقعة ولا تزال التحقيقات مستمرة.
