الأربعاء 29 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

كيف يمكننا أن نقضى على الإرهاب (٣ - ٤)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بناء الثقة وتوفير الأمن
عرضنا فى مقالين سابقين رؤيتنا لكيفية القضاء على الإرهاب، حيث انتقدنا فى المقال الأول الاستراتيجية الحالية فى مواجهة الإرهاب، ونعنى بذلك استراتيجية المواجهة الأمنية، ثم شرحنا فى المقال الثانى الاستراتيجية التى نقترحها، وهى بالتحديد استراتيجية المواجهة الشاملة، وشرحنا فى نفس المقال كيف أن هذه المواجهة الشاملة تتضمن بالضرورة المواجهة الأمنية، وتعتبر أمرا لا غنى عنه فى مواجهة الإرهاب، وتأكيداً لذلك فإننا سنتعرض فى هذا المقال لهذه المواجهة الأمنية نفسها، ونقدم ما نعتبره أمرا مهما فى تطوير أدائها ورفع كفاءتها، وذلك انطلاقاً من الاتفاق على أن أجهزة الأمن المصرية أصابها ما أصاب كل أجهزة الدولة المصرية بصفة عامة من ترهل وانخفاض فى الكفاءة أثناء فترة حكم مبارك، ويمكننا القول، إن أجهزة الأمن بالتحديد أصابها ترهل وانخفاض كفاءة أكثر بكثير مما أصاب أجهزة الدولة، بل وربما يمكننا القول أيضا إن هذه الأجهزة لم يصبها ترهل أكثر مما أصاب غيرها فحسب ولكنها، وهذا هو الأهم، تكاد تكون قد تخلت عن جزء كبير من دروها في حفظ الأمن وتوفيره للمواطنين بسبب ما يكاد يكون تركيزا كاملا من جانبها على حماية نظام مبارك، وبسبب سعيها المكشوف أيضا إلى توريث جمال مبارك حكم مصر.
كان تورط حبيب العادلى وقيادات أجهزة الأمن فى صراعات السلطة، وانصرافهم شبه الكامل إلى حماية النظام الحاكم معناه أن هذه الأجهزة كانت قد تخلت تقريباً عن محاولة توفير الأمن للمواطن، ولم يكن هناك أى جهد يُذكر فى هذا الاتجاه، وكان من المنطقى إذن، وقد تخلت أجهزة الأمن إلى حد كبير عن دورها، أن تتحول من أجهزة يُفترض أنها توفر الأمن، إلى أجهزة أصبحت تمثل مصدر خوف وترويع للمواطنين بصفتها القوة الرئيسية المسؤولة عن حماية نظام مبارك الذي كان يحصد كل يوم مزيدا من السخط الشعبى، وهو السخط الذي انفجر فى 25 يناير فى مواجهة أجهزة الأمن التى حاولت للمرة الأخيرة الدفاع عن نظام مبارك، وتعرضت هذه الأجهزة نتيجة ذلك إلى غضب الناس العارم الذى لم يحطم أقسام الشرطة فحسب، ولكنه، وهذا هو الأهم حطم هيبة اجهزة الأمن، ونال من معنويات ضباط الشرطة، بعد أن تعاملوا مع الناس لسنوات طويلة، باعتبارهم "أسياد البلد وأصحابها".
الشرخ الذي أصاب العلاقة بين الشرطة والناس تكون عبر سنوات طويلة كانت الشرطة فيها تتمتع بكثير من المميزات في مقابل توفير الأمن لحاكم ظالم، وفي ظل غياب الحياة السياسية، وأيضا في ظل غياب دور وحضور الدولة الاقتصادي والخدمي، كانت الأجهزة الأمنية تكلف بملء الفراغ الناشئ عن هذا الغياب، ولأنها لم تكن تملك من الإمكانات ولا الروئ ما يمكنها من أن تملأ هذا الفراغ فإنها كانت تكتفي باستخدام القسوة المفرطة، التي لا تملك ولا تعرف غيرها، في مواجهة من يطالب بحقوقه.
كان من المنطقي إذن أن تصل العلاقة بين الشرطة والشعب إلى ما وصلت إليه من صدام في ٢٥ يناير، ولم يكن أشد المراقبين تفاؤلا يتوقع أن يتم تجاوز هذا الشرخ الغائر قبل مضي سنوات طويلة لكن عملية إسقاط الإخوان، التي وصلت إلى ذروتها في 30/6، دفعت الناس والشرطة إلى تقارب سريع، وغير متوقع، بينهما، وأكد جميع المراقبين حتى أكثرهم تشاؤما بمستقبل العلاقة بين الشرطة والشعب أن هذا التقارب أساس متين يمكن البناء عليه، ولكن لم يكن هؤلاء المراقبون في الحقيقة على قلب رجل واحد، فبعض هؤلاء المراقبين كان يتحدث عن عملية البناء هذه باعتبارها عملية بناء ثقة من نوع جديد بين الأمن والمواطن لكي تقوم أجهزة الأمن بتوفير الأمن لهذا المواطن، بينما كان بعضهم الآخر يتحدث عن عملية البناء هذه باعتبارها عملية إعادة بناء للثقة التي كانت موجودة بينهما لكي يعود الأمن إلى الشارع المصري. الفرق بين الفريقين كبير؛ الأول يتحدث عن عملية بناء جديدة لتوفير أمن لم يكن موجود، والثاني يتحدث عن استعادة "الثقة" و"الأمن".
الذين يتحدثون عن "استعادة" ما يتصورون أننا فقدناه يتجاهلون أنه لم يكن هناك ثقة بين الأمن والمواطن أصلا، وذاكرة السواد الأعظم من أبناء شعبنا مع الأمن لا تتذكر إلا "البهدلة" في اقسام الشرطة والتنكيل بالسواقين الغلابة واستحلابهم عمال على بطال، ويتجاهلون ان الأمن الذي كان متوفرا هو أمن الحاكم بدءا من التشريفات ومظاهر الأبهة وانتهاء بقمع كافة القوى التي تعارضه.
لا يوجد في تاريخ الشرطة الماثل في الأذهان ما يغري الناس بمحاولة استعادته، ومحاولات رجال الشرطة "استعادة" الثقة والأمن من خلال العودة إلى ممارستهم القديمة، التي لا يعرفون غيرها، يعيد الآن بالفعل تعميق الشرخ بينهم وبين الناس مجددا ويضع الشرطة مجددا في مواجهة غضب الناس وسخطهم بالذات في ظل استمرار غياب الدولة وكذا في ظل الفراغ السياسي الناشئ عن الحرب المستمرة ضد الأحزاب.
إن تدهور العلاقة بين الناس والشرطة سيفضي حتما إلى زيادة تعاطف الناس مع قوى الإرهاب والتطرف التي ستظهر مرة باعتبارها القوى التي تقاوم ظلم وجبروت الأمن، ومرات باعتبارها القوى التي تستدر العطف والتعاطف بسبب ظلم الأمن الذي تتعرض له.
في مواجهة هذه الاستراتيجية التي تحاول "استعادة" الأمن والثقة ، ولا تستعيد عمليا إلا تعاطف الناس مع قوى التطرف والإرهاب، نطرح هنا استراتيجية بناء ثقة من نوع جديد، ثقة تتأسس على احترام الدستور والقانون، وتهدف إلى توفير أمن من نوع جديد، أمن للمواطن وليس للحاكم واتباعه، وتغيير هذه الاستراتيجية معناه ببساطة تغيير عقيدة رجال الشرطة، وإعادة بناء وزارة الداخلية وأجهزة الأمن وفقا لعقيدة جديدة تنطلق من احترام الدستور والقانون، وبالطبع فإن تغيير هذه الاستراتجية من "استعادة" إلى "بناء وتوفير"، وما يرتبط بذلك من تغيير للعقيدة ، هو أمر يقتضي تغيير استراتيجية المواجهة، مواجهة الإرهاب والتطرف من استراتيجية المواجهة الأمنية إلى استراتيجية المواجهة الشاملة، لأن إلقاء العبء، عبء مواجهة الإرهاب والتطرف على الأمن وحده سيحمل الأمن ما لا طاقة له به ويحوله إلى قوى غاشمة، تعيد عبر العنف الانتقامي المتبادل بينه وبين قوى الإرهاب والتطرف إنتاج المزيد من العنف، حيث يبرر كل منهما وجود الآخر وتوحشه ويحافظ أيضا على استمراره.