«103 ملايين نسمة»، عدد السكان فى مصر حتى الآن 2022؛ وفقًا للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، هذا العدد الكبير الذى يحتاج إلى توفير الدولة لهم الرعاية الصحية والخدمات التعليمية والإسكانية والاقتصادية وغيرها، وفى ظل الجهود التى تبذلها الدولة لتحقيق التنمية وتحسين جودة معيشة المواطنين والارتقاء بها، إلا أن هذه الزيادة السكانية عنصر ضاغط على موارد الدولة التى لا تتناسب مع هذا العدد.
وهو ما أوضحه الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال كلمته بفعالية إطلاق المشروع القومى لتنمية الأسرة المصري، قائلًا إن عدد سكان مصر زاد 14 مليون نسمة منذ 2014، فى الوقت الذى لم تحصل فيه الدولة على دخل يكفى هذا النمو السكاني، مؤكدًا أن قدرة الدولة لا تتماشى مع قدرة النمو السكانى للدولة، فإن الدولة تحتاج دخل ناتج محلى بقيمة ٥ تريليونات دولار، كى يحصل المواطن على الخدمات والتعليم والوعى الذى يقدم فى دول أوروبا.
وأكد الرئيس السيسي، أهمية التحرك فى المشروع القومى لتنمية الأسرة بشكل جماعي، ومع الجمعيات الأهلية والجامعات والإعلام، مشيرا إلى أن الهدف هو تنمية الدولة المصرية ومحاربة الجهل والتخلف والفقر، وهو ما لم يحدث إلا بوضع المشروع كركيزة للتحرك من أجل تغيير الواقع للأفضل فى كل شيء.
قضية أمن قومي
فيما أكد الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، أن الزيادة السكانية قضية أمن قومي، حيث أن معدل الزيادة فى عام ٢٠٢١ بلغت نحو ١.٥ مليون نسمة، وأنفقت الدولة استثمارات تتجاوز ٦.٢ تريليون جنيه على مدار السنوات السبع الماضية، فى تنفيذ حجم مشروعات ضخم فى كافة محافظات الجمهورية، موضحًا أن ما تحققه الدولة فى محاولة معالجة التراكمات السابقة، يواجه تحديًا مهمًا يتمثل فى ضخامة التراكم السابق، والأهم هو حجم الاحتياجات الحالية والمستقبلية التى تنجم عن الزيادة السكانية، بما يجعل قدرتنا كدولة على مواكبة حجم هذه التحديات أمرًا شديد الصعوبة والتعقيد.
خطة عمل المشروع
ووجه الرئيس عبد الفتاح السيسي، بإطلاق المشروع القومى لتنمية الأسرة المصرية على مدار ٣ سنوات بدايةً من العام الماضى وحتى عام ٢٠٢٣، بهدف تحقيق نقلة نوعية فى مجالات بناء الإنسان المصري، والارتقاء بجودة حياة المواطن والأسرة بشكل عام من خلال ضبط معدلات النمو المتسارعة، والارتقاء بخصائص السكان، وزيادة وعى المواطنين بخطورة القضية على مستوى الجمهورية، حيث إن معدلات الإنجاب تتخطى ٥ أطفال لكل سيدة فى بعض المحافظات، ولكن تستهدف الحكومة معدل ١.٦ طفل لكل سيدة.
استهدف المشروع، باشتراك كافة الأجهزة المعنية، فى عامه الأول محافظات المرحلة الأولى من المبادرة الرئاسية «حياة كريمة»، مما يشمل نحو ١٥٢٠ قرية على مستوى ٥٢ مركزا فى ٢٠ محافظة، بالوجهين القبلى والبحري، حيث وضعت الحكومة ٥ محاور رئيسية لتحقيق الأهداف الطموحة للمشروع.
يتضمن المحور الأول، التمكين الاقتصادى للمرأة فى الفئة العمرية من ١٨ عامًا وحتى ٤٥ عامًا، من خلال توفير فرص العمل وكسب الرزق، وتحقيق الاستقلالية المالية، من خلال تجهيز وتشغيل ٢٠٠ مشغل خياطة ملحقة بوحدات صحة وتنمية الأسرة فى ١٦ محافظة، والتدريب على إنتاج المنسوجات الطبية لسد حاجة المستشفيات وتدريب مليون سيدة على ريادة الأعمال، وتنفيذ البرامج والدورات التدريبية لصالح المرأة، فضلًا عن تنفيذ مليون مشروع متناهى الصغر، وتدريب ٢ مليون سيدة على إدارة المشروعات ومحو الأمية الرقمية والشمول المالى وتأهيلهن لسوق العمل طبقًا للفرص الاستثمارية بكل محافظة.
التدخل الخدمى
أما المحور الثاني، هو التدخل الخدمي، والذى يتضمن توفير وسائل تنظيم الأسرة بالمجان مع المتابعة المستمرة، وتأهيل عدد كبير من الطاقم الطبي، إلى جانب زيادة مشاركة الجمعيات الأهلية التى تقدم خدمات تنظيم الأسرة لتصل إلى ٤٠٠ جمعية، وإمدادها بوسائل تنظيم الأسرة بمستوى تخزين آمن، ويتضمن المحور الثالث التدخل التشريعي، فيأتى فيه تجريم زواج القاصرات، وتغليظ العقوبة على عمالة الأطفال.
يشمل المشروع مختلف الأبعاد الأسرية اجتماعيًا وسكانيًا وصحيًا وثقافيًا، من خلال الاهتمام بصحة المرأة برفع كفاءة مراكز صحة وتنمية الأسرة لتقدم التطعيمات وخدمات الرعاية الأولية، فضلًا عن متابعة الفحوصات الطبية قبل الزواج وبعده، كما تتضمن الخطة التنفيذية للمشروع القومى لتنظيم الأسرة، مشروع رفع كفاءة مستشفيات التكامل على مستوى الجمهورية، وإنشاء مجموعة كبيرة من وحدات صحة وتنمية الأسرة، حيث تم تخصيص ٤٥٠ مليون جنيه لتجهيز وحدات من هذا النوع فى الخطة الاستثمارية للعام المالى ٢٠٢١-٢٠٢٢، وتم إدراج ٢ مليار جنيه لصالح مشروع تنمية الأسرة المصرية فى خطة التنمية المستدامة.
صندوق حكومى
كما يتضمن المشروع تأسيس صندوق حكومى لتأمين وتنمية الأسرة المصرية، يمنح حوافز للأسر الملتزمة بمحددات ضبط النمو السكاني، وسيتم تنفيذ ١٢ مليون زيارة منزلية، بالإضافة إلى عقد ٣٠ ألف ندوة و٥٠٠ فعالية تستهدف ٦ ملايين سيدة فى سن الإنجاب، وسيتضمن أيضًا إنشاء منظومة إلكترونية باسم «منظومة الأسرة المصرية» لميكنة خدمات صندوق تأمين الأسرة وربطها بوحدات صحة وتنمية الأسرة، حيث يحظى المشروع بدعم سياسى غير مسبوق، وتصل المزايا التأمينية للبرنامج إلى مبلغ ٦٠ ألف جنيه.
منظومة إلكترونية
كما سيتم إنشاء منظومة إلكترونية للمتابعة وتقييم أداء الخطة التنفيذية للمشروع، وإدخال مؤشرات لقياس الأداء والأثر المترتب على التدخلات، وكذلك إنشاء المرصد الديموجرافى لرصد الخصائص والمؤشرات السكانية على مستوى الجمهورية وتحليلها ورفع تقارير شهرية بالمحافظات والقرى الأكثر احتياجًا للتدخل وتوجيه الخدمات الثقافية والتوعوية والصحية.
النتائج السلبية للزيادة السكانية
يقول الدكتور عمرو حسن، مقرر المجلس القومى للسكان السابق، أستاذ مساعد النساء والتوليد والعقم بقصر العينى، إن السكان فى مصر أحد عناصر القوة الشاملة للدولة، إلا أن هذا المبدأ ليس مطلقًا، ولكنه مشروط بألا تتعدى معدلات الزيادة السكانية قدرة الدولة على توفير الخدمات الأساسية بالجودة المناسبة، وألا تؤثر معدلات الزيادة السكانية على متوسط نصيب الفرد من الموارد الطبيعية، لا سيما المياه والطاقة والأرض الزراعية، وأن تتناسب معدلات الزيادة السكانية مع قدرة الاقتصاد الوطنى فى تحقيق مستوى مرتفع من التنمية البشرية، وتحقيق خفض فى معدلات البطالة.
ويواصل «حسن» أن الارتقاء بنوعية حياة المواطن يتطلب خفض معدلات الزيادة السكانية لإحداث التوازن المفقود بين معدلات النمو الاقتصادى ومعدلات النمو السكاني، فإن الزيادة السكانية اليومية خلال الفترة من يوليو ٢٠٢١ حتى فبراير ٢٠٢٢ تأتى بمعدل ٤٣١٠ أفراد، مما يعنى كل دقيقة يزداد السكان بمعدل ٣ مواليد، موضحًا أن استمرار النمو السكانى على مستوياتها الحالية سيؤدى إلى تراجع العائد من جهود التنمية، فإن نصيب الفرد من الإنفاق على الصحة والتعليم والإسكان والنقل والمواصلات ونصيبه من الأرض الزراعية والمياه والطاقة بأنواعها سيتراجع، كما أن هذه الزيادة السكانية الكبيرة ستصعب عملية الحد من البطالة والأمية والاكتفاء الغذائي، فإن استمرار معدلات الإنجاب المرتفعة لن يؤثر مستقبلًا على نوعية الحياة فحسب، وإنما سيشكل تهديدًا للأمن القومى المصري.
ويتابع، أنه ما زال هذا العدد الضخم من السكان يتركز فى ٧.٨٪ فقط من مساحة مصر التى تزيد على مليون كيلومتر مربع، وترتب على ضآلة المساحة المأهولة بالسكان بمقارنتها بجملة المساحة، إذ أصبحت مصر تعانى من الكثافة السكانية العالية، مقارنة بالكثافة السكانية فى الدول الأوروبية، مشيرًا إلى أن ما تقوم على تنفيذه الدولة حاليًا من مشروعات قومية فى المدن الجديدة سيعيد رسم الخريطة السكانية فى مصر من خلال إعادة توزيع السكان على نحو يحقق الأمن القومى، ويأخذ فى الاعتبار تحقيق أهداف سكانية لتلك المشروعات.
الحلول
ويوضح، أن مصر تستهدف خفض معدل الزيادة السنوية إلى ٤٠٠ ألف سنويًا، حيث تتوافر إرادة سياسية لحل هذه المشكلة فى عهد الرئيس السيسي، حيث إن عدد سكان مصر زاد فى آخر ٨ سنوات لأكثر من ١٦ مليون نسمة، وهذه الزيادة تلتهم جهود الدولة فى تحقيق التنمية، مضيفًا أن مشروع تنظيم الأسرة هو أكبر مشروع استثمارى لمصر، سيحقق فوائد عدة، فإن كل جنيه تنفقه الدولة على تنظيم الأسرة يوفر لها ١٥١.٧ جنيه، بحسب بيانات أصدرها المركز المصرى للدراسات الاقتصادية عام ٢٠٢٠، مقسمة إلى ٣٢.٩ جنيه فى الإنفاق على الصحة، و٧٤.١ جنيه فى التعليم، و١٦.٧ جنيه فى دعم الغذاء، و٢٨ جنيه فى الإسكان والمرافق الاجتماعية.
فرصة تاريخية
ويؤكد« حسن» أن المشروع القومى لتنمية الأسرة يستهدف الأسرة كلها وليس السيدات فقط، فهو مشروع لتنمية الدولة المصرية، وتستخدم الحوافز الإيجابية كسلاح تشجيعى لتنظيم الأسرة من خلال الاكتفاء بطفلين فقط، حيث يقوم المشروع على ٥ محاور ومن بينها محور التحول الرقمى والشمول المالي، بما يجعل هناك متابعة وتقييم للاستراتيجية، فإن هذا المشروع فرصة تاريخية لغلق ملف الزيادة السكانية وتحقيق النجاح المطلوب، فهو مشروع تنموى شامل للأسرة وتمكين اقتصادى للمرأة بعمل المشروعات الصغيرة لها وتأهليها لسوق العمل.
موارد الدولة لا تستوعب الزيادة السكانية
يوضح الدكتور عادل عامر، الخبير الاقتصادي، أن موارد الدولة الاقتصادية محدودة، فكلما زاد عدد السكان تآكلت هذه الموارد، لعدم وجود موارد طبيعية اقتصادية تُلبى الزيادة السكانية التى تحدث سنويًا، وبالتالى تضطر الدولة إلى الاستيراد على حساب الاحتياطى النقدى الأجنبي، الذى يؤدى إلى ارتفاع فى الأسعار، لعدم وجود المنتج الذى يكفى هذه الزيادة، مضيفًا أن الزيادة السكانية فى مصر تأكل كل مراحل التنمية، ولا يشعر بها المواطنون لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
ويستكمل «عامر» أن الدولة تعمل جاهدة لمواجهة الزيادة السكانية، وهو ما ظهر واضحًا من خلال إطلاق المشروع القومى لتنمية الأسرة، وقيامه بتقديم حوافز إيجابية للأسر الملتزمة بالتنظيم، وهى إحدى الطرق والحلول الإيجابية التى تستخدمها الدولة بما يشجع باقى الأسر على الالتزام بالتنظيم، فضلًا عن توعية المواطنين بخطورة القضية وتأثيراتها الاقتصادية السلبية، بجانب تمكين المرأة اقتصاديًا من خلال إنشاء المشروعات الصغيرة وتأهيلهن لسوق العمل، والاستفادة من التكنولوجيا والتحول الرقمى بما يحقق التنمية وضبط خصائص السكان أيضًا.
تأثير سلبى على الاقتصاد
كما يضيف الدكتور مصطفى أبوزيد، مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية، أن الدولة المصرية منذ ٦ سنوات مضت تعمل وفق رؤية استراتيجية طموحة، وبرنامج عمل والإطار العام لرؤية مصر ٢٠٣٠ فى تحقيق اقتصاد قوى تنافسى متنوع ومستدام يعود بالإيجاب على عدة أهداف مهمة للغاية فى سبيل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال تطبيق مفهوم النمو الاحتوائي، الذى يعنى توزيع كافة عوائد التنمية بالشكل الذى يضمن عدالة التوزيع، إلى جانب استهداف كافة محافظات الجمهورية لتقليل كافة الفوارق الاقتصادية والاجتماعية.
ويؤكد «أبوزيد» أن الدولة تعمل بالتوازى على كافة القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية من خلال المشروعات القومية التى تساهم فى زيادة الناتج المحلى الإجمالي، وبالتالى زيادة معدلات النمو الاقتصادي، ومعه يتولد فرص العمل المباشرة وغير المباشرة التى تؤدى إلى انخفاض معدل البطالة، مشيرًا إلى أن ما تم تحقيقه حتى الآن من تحقيق معدلات نمو مرتفعة بلغت ٣.٣٪ خلال العام المالى الماضي، وانخفاض معدل البطالة إلى ٧.٣٪، وتحقيق فائض أولى بالموازنة العامة للدولة بلغ ١.٤٦٪، وضخ الكثير من الاستثمارات الحكومية فى البنية الأساسية وتطوير الخدمات المقدمة للمواطنين.
ويستكمل، أن كل ما تحقق فى سنوات قليلة، والذى يعد طفرة ونقلة نوعية فى تقدم جودة حياة المواطن المصري، مع تزايد عدد السكان بوتيرة متسارعة أكبر من معدلات النمو والتنمية لتتلاشى كل تأثيرات تلك المؤشرات وانعكاسها على حياة المواطنين، وعدم قدرة الدولة على التماشى مع متطلبات المواطنين المتنامية نظرًا لارتباطها بالزيادة السكانية المتسارعة، مطالبًا بأن يكون هناك دور فعال وقوى للمجلس القومى للمرأة فى تقديم حزمة من البرامج التوعوية، التى توضح المخاطر الاقتصادية والصحية والتعليمية من قضية الانفجار السكانى غير المخطط.
وطالب، بعمل حملات طرق الأبواب فى المحافظات الريفية، التى تقل فيها ثقافة الصحة الإنجابية، لتكون وسيلة مباشرة لتوضيح كافة التفاصيل، بجانب دور الإعلام فى توضيح تلك القضية بكل أبعادها ومخاطرها وسلبياتها على واقع الحياة، موضحًا أن الدولة تعلم أن رأس المال البشرى من أهم الركائز الأساسية لتحقيق مستهدفات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولكن التزايد المطرد الذى يفوق قدرة الدولة على توفير كافة الخدمات الأساسية بالشكل اللائق سيكون أكثر صعوبة إذا ظل الوضع كما هو عليه الآن.
خلل عناصر الإنتاج
وفى سياق متصل، يؤكد الدكتور وليد جاب الله، الخبير الاقتصادي، أن عناصر الإنتاج ٤ عناصر، وهم الموارد الطبيعية والسكان والتنظيم ورأس المال، ولابد أن يكون هناك توازن بين هذه العناصر الأربعة حتى نكون أمام عملية تنمية متكاملة، ولكن فى مصر يوجد خلل فى توازن هذه العناصر، حيث تمتلك مصر الموارد الطبيعية ووفرة شديدة فى عنصر السكان، بينما لديها نقص فى عنصر التنظيم المتمثل فى خلق رواد أعمال ومستثمرين، ثم عدم كفاية الاستثمارات اللازمة لتشغيل القوة البشرية فى مشروعات، موضحًا أنه كى تكون مصر فى صدد عملية تنمية لابد من زيادة الاستثمارات والمشروعات، وفى الوقت ذاته الحد من الزيادة السكانية.
ويوضح « جاب الله»، أن الدولة المصرية قامت بضخ استثمارات حكومية ضخمة خلال الفترة السابقة والتصدى بمئات المشروعات القومية التى ساعدت فى خلق فرص العمل وتحريك السوق وزيادة حجم الاقتصاد، وفى المقابل لابد من السيطرة على الزيادة السكانية فى الجانب الآخر حتى يكون هناك اتزان فى عناصر الإنتاج، مشددًا على ضرورة الحد من الزيادة السكانية، فكانت هناك محاولات سابقة منذ عام ٢٠١٠ عن طريق التوعية والتحفيز وتقديم وسائل تنظيم الأسرة بصورة مجانية، ولكن خلال فترة الاضطراب السياسى ارتفعت معدلات السكان مرة أخرى.
ويشير إلى أن الدولة تقوم الآن بالمشروع القومى لتنظيم الأسرة للتصدى لهذه الزيادة بما يتجاوز التوعية، فهى أمر ضرورى تركز عليها استراتيجية الدولة خلال هذه الفترة، ولكن من المهم أن تكون هناك إجراءات حقيقية موضوعية تساعد على الحد من الزيادة السكانية، فكان هناك إجراءات مثل اقتصار الدعم النقدى «تكافل وكرامة» على طفلين فقط، وأيضًا اقتصار دعم التموين على ٣ أطفال لكل أسرة، ولكن من المهم أن الاستراتيجية القادمة للدولة تهتم بأن يكون هناك إجراءات تحفيزية، مثل التأمين الصحى أو حوافز معينة لمن يصل إلى سن التقاعد لمن ينجب سوى طفلين وما إلى ذلك من الإجراءات الإيجابية، التى من المهم اتخاذها حتى يكون هناك تأثير حقيقى وسريع.
الحرمان من الدعم
ويواصل، أن هناك دولا مثل الصين قامت بإجراءات شديدة مثل قانون الطفل الواحد الذى استمر لفترة طويلة، من خلال إلزام الأسرة بإنجاب طفل واحد، وكذلك الوضع فى الهند قامت بعمليات التعقيم القسري، ولكن هذه الإجراءات لا تتناسب مع الواقع المصري، التى لابد أن تكون الإجراءات تحفيزية وتدفع نحو السيطرة على السكان بما يتناسب مع الواقع، مقترحًا أن يضاف إلى هذه الإجراءات إجراءات أخرى مثل اعتبار زيادة الإنجاب عن عدد معين بمثابة إجراء يمنع من يقوم به من تولى المناصب أو الترشح فى الانتخابات بأنواعها، أو الحصول على الدعم من الدولة وغير ذلك من الإجراءات التى تجعل الأفراد يفكرون كثيرًا قبل إنجاب أعداد كثيرة من الأطفال.
عائد التنمية
كما يؤكد الدكتور عبدالرحمن عليان، الخبير الاقتصادي، أن مشكلة الزيادة السكانية تلتهم جهود التنمية وعائدها على المواطنين، حيث إنه لابد أن يتعادل هذا العائد مع الكثافة السكانية، فإن الزيادة السكانية غير المنضبطة تؤثر على موارد الدولة وجهودها لتحقيق التنمية فى المجالات المختلفة، موضحًا أن محاولات التنمية فى ظل الزيادة السكانية أشبه بمحاولة «ملء الإناء بدون قاع»، فإن تنظيم الأسرة مطلوب فى ظل الأوضاع الراهنة، للحد من تأثيرها على معدلات النمو الاقتصادي.
ويضيف «عليان»، أن عدد سكان مصر كان مماثلا لعدد سكان الدول الأوروبية، ولكن خلال الفترة الأخيرة فاق عدد السكان المصرى مقارنةً بعدد سكان هذه الدول، وصولًا للتعداد فى بداية العام الجارى ٢٠٢٢ وهو ١٠٣ ملايين نسمة، مطالبًا بأن يتم تنظيم الأسرة الذى يتحقق من خلال تغيير التفكير التقليدى لبعض المواطنين تجاه النسل، من خلال تضافر جهود الدولة فى هذا الصدد من خلال إطلاق المشروع القومى لتنمية الأسرة، وتعاون الجهات والأجهزة المعنية مع الدولة لتحقيق الهدف المطلوب، فإن المساجد والكنائس يلعبان دور أساسى فى زيادة وعى المواطنين بتداعيات الزيادة السكانية السلبية على الاقتصاد والمجتمع.
مقترح قانون
ويقول، إن الدول مثل الصين والهند طبقت إجراءات صارمة جدًا بخصوص تنظيم الأسرة، مثل تعقيم الرجال أو فى حالة إنجاب أكثر من طفلين تأخذ الدولة الطفل لرعايته فى تجمعات سكنية، فإن تحقيق التنمية فى أى دولة لابد أن يكون متناسبا مع النمو السكاني، ولكن فى مصر لا يمكن تطبيق مثل هذه الإجراءات، وبالتالى قامت الدولة بتطبيق المشروع القومى لتنمية الأسرة وشموله لحوافز إيجابية للأسر الملتزمة بالتنظيم، مشيرًا إلى أن الدولة تنفذ خطط التنمية المستقبلية إلا أنه فى حال الانتهاء منها فى ظل الزيادة السكانية لن تستوعب هذه الخطط للزيادة الجديدة، فليس هناك ثبات فى معدلات النمو السكاني.
واقترح أن يتم إصدار قانون يفرض العقوبات على الأسر غير الملتزمة بالتنظيم، وتتضمن هذه العقوبات الحرمان من الدعم المقدم من الدولة، حيث إن الدولة تضع خططا مستقبلية لتطوير التعليم على سبيل المثال من خلال إنشاء الفصول والمدارس وفق التعداد السكانى الحالي، وفى حالة استمرار زيادته بهذا المعدل سنويًا فإن هذه الخطط لن تحقق الهدف المنشود، وهو استيعاب عدد الطلاب الجدد، وتظل الفصول والمدارس كما هى مزدحمة لا تستوعب هذه الزيادة.
انخفاض نصيب الفرد
ويوضح أحمد معطي، الخبير الاقتصادى، أن الزيادة السكانية من أكثر المشكلات التى تواجه الدولة خلال الفترة الأخيرة، حيث يزداد السكان بسرعة غير طبيعية، حيث تصل معدلات النمو لـ٢.٥ مليون مولد سنويًا، وهو يتسبب فى تآكل التنمية من خلال المشروعات القومية التى تنفذها الدولة، مما يتطلب عمل مشروعات أخرى جديدة مقابلها لاستيعاب هذه الزيادة السكانية، موضحًا أن هذا الأمر لن يحل فكرة استيعاب الزيادة، خاصةً أنه هناك ما يسمى بـ«نصيب الفرد» من الناتج المحلى الإجمالى فى مصر وهو منخفض بسبب النمو السكاني، فى ظل أن هذا الناتج فى الوقت الحالى هو الأعلى فى تاريخ مصر، ويتقدم ترتيب البلاد فى أكبر المؤسسات العالمية، فإن مصر تحتل المرتبة الـ٣٢ ضمن الدول الأكبر اقتصاديًا على مستوى العالم.
ويواصل «معطي»، أن هذا الترتيب الذى تحتله مصر حاليًا هو بسبب الناتج المحلى الإجمالي، وهو ما تنتجه الدولة من سلع وخدمات، والذى يصل لـ٣٦٤ مليار دولار، ومن ضمن مستهدفات الدولة زيادة هذا الرقم لـ٤٠٠ مليار دولار، استكمالًا لأعلى معدلات نمو فى التاريخ، موضحًا أن الإنتاج خلال الفترة الأخيرة مرتفع من السلع والخدمات وتحقيق الأمن الاقتصادى والسياسى والصحي، ولكن فى الوقت ذاته تستمر الزيادة السكانية، وبالتالى المواطن لا يشعر بالإنتاج والاقتصاد الأقوى، فكلما زاد عدد السكان قل نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى مهما ارتفع، وهذه مشكلة كبيرة تسبب فى زيادة معدلات البطالة، رغم جهود الدولة لتقليل نسبة البطالة خلال السنوات الماضية ووصولها لـ ٧.٥٪، وهى نسبة آمنة جدًا.
ويشير إلى أن البطالة أكبر مشكلة تواجه العالم أجمع وليس مصر فقط، لأنها تزيد من نسبة الجريمة والفقر والتعليم وغيرها، مضيفًا أن هناك تحدىا كبيرا يواجه الدولة هو ضبط معدلات النمو السكاني، ولا تقوم الدولة بفرض إجراءات صعبة أو صارمة كما حدث فى الدول الأخرى مثل الصين وإجبارها على عدم الإنجاب، ولكنها تعمل على الإرشاد والوعى من خلال القطاع التعليمى بخطورة النمو السكانى المتسارع.