الإثنين 03 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

ثلاث سنوات مدهشة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أجل، هي ثلاث سنوات مدهشة وعظيمة رغم أي انتكاسات حدثت، وأي مذابح جرت، وأي آلام أصابت الوطن والناس. الذين يقرأون تاريخ الثورات يعرفون أن تكلفة مخاض الثورات قبل حدوثها لا تكون أبدا مثل تكلفته بعد أن تحدث. الثورات يمكن أن تشتعل لحدث واحد، ويكتشف من يدرسونها أن هذا الحدث الواحد لم يكن وحده سبب الثورة، لكن سبقته أحداث كثيرة، لكن على مسافات زمنية متباعدة، ومن ثم تبدو لم تؤثر في روح الشعوب لكنها حين تشتعل الثورة نكتشف أنها كانت تترك آثارها في الروح وبعمق كبير. بعد أن تشتعل الثورات يكون الثمن غاليا والدم كثير. ويزداد الثمن لأن الثورات دائما تنهي رءوس النظام لكن أعمدته في الأرض تكون قوية ببشر آخرين، كما أن الثوار أنفسهم يمكن أن ينقسموا ويدخلون في نزاع وحروب بينهم ومن ثم يستمر الثمن ويطول الوقت. ونحن في العالم العربي لم نتعود على الثورات منذ بدأ عصر الانقلابات في العالم الثالث في أواخر أربعينيات القرن الماضي، الانقلابات العسكرية التي بدأت في العالم العربي بانقلاب حسني الزعيم في سوريا أواخر الأربعينيات ثم انقلاب يوليو الذي صار ثورة حين تبني مطالب الشعب الاجتماعية والاقتصادية، وغير ذلك من انقلابات في العراق بدأها عبد الكريم قاسم الذي لم يجد وقتا لانقلابات تالية وصلت إلى صدام وانقلاب ليبيا الذي قاده القذافي وانقلاب بن علي على بورقيبة الذي في الحقيقة قاد ثورة من قبل على فرنسا وقبلهم جميعا انقلاب بومدين في الجزائر على بن بيلا الذي أيضا قاد ثورة على فرنسا. ثورة يناير هي الثورة الثانية في العصر الحديث في مصر منذ ثورة 1919 ولحق بها ما لحق بثورة 1919 بل أكثر، لأن ما تركه نظام مبارك كان فظيعا سواء الإخوان المسلمين وجماعات الإسلام السياسي أو النظام نفسه ورجاله الفاسدين. والثوار بينهم أيضا أصابهم الانقسام الذي يظهر في أشياء كثيرة بين شبابهم من ناحية وبين شبابهم والكبار الذين التحقوا بهم من ناحية أخرى. استطاعت الثورة تعديل مسارها بالتخلص من الإخوان المسلمين وحكمهم، لكن لا يزال الطريق طويلا، فرءوس من نظام مبارك تطل على المشهد كل يوم وتسعى للاستئثار بالثورة من جديد. وذلك لن يحدث بسهولة، لكنه عقبة ستقف في طريق الثورة تحتاج من الرئيس القادم أن يدرك ذلك وينتهي من كل مظاهر سياسة النظام القديم. هكذا مرت الأيام بسرعة مدهشة وبأحداث أكثر إدهاشا، رغم أن الكثير منها محبط. لقد عشت طفولتي وصباي في عصر عبد الناصر وشبابي بينه وبين السادات ورجولتي وكهولتي في عهد مبارك ورأيت أحداثا كبيرة، لكنها لم تكن بسرعة وإيقاع هذه الأعوام الثلاثة. فالهزائم فيها كانت تصيبنا بالاكتئاب وقتا طويلا، وتبدو الأيام طويلة لا تنتهي والانتفاضات كانت تنتهي بسرعة وأكبرها كانت انتفاضة يناير 1977. ورغم كل ما مضى ومؤكد بسببه كان إيقاع الأيام سريعا. ورغم أني كنت حاضرا الثمانية عشر يوما من يناير 2011 في ميدان التحرير وحوله وأسهمت بالنزول في كل أيام الجمع تقريبا، وكل الأحداث الدامية في محمد محمود ومجلس الوزراء وغيرها، وكتبت في ذلك عشرات المقالات، وكتبت كتابي "أيام التحرير"، رغم ذلك استطعت أن أنسحب بالليل خصوصا بعد نهاية عام 2011، وأكتب روايتي "الإسكندرية في غيمة" في عامين اثنين تقريبا أكمل مشروع ثلاثية الإسكندرية الذي كان أولها "لا أحد ينام في الإسكندرية"، وثانيتها "طيور العنبر" ثم هذه "الإسكندرية في غيمة" التي صدرت في يناير 2013، وفي إحدى الندوات أطلعتني سيدة فاضلة على حوار بين أبطالها في أواخر السبعينيات في الإسكندرية مكان الرواية وهم يتحدثون عن انتشار المد السلفي والإخواني وكيف قال أحد الأبطال سيصل الإخوان المسلمون إلى الحكم يوما، لكنهم لن يستمروا وسيخرجون بعد سنة. سألتني لي كيف فعلت ذلك؟ قلت لها هذه أول مرة أنتبه إلى هذا النص، هذه واحدة. الثانية أني أعرف تاريخ الطوائف الإسلامية وكيف كانت تنجح في العصور الوسطي، لكن طائفة دينية بعد مئتي سنة من الدولة المدنية في العصر الحديث لن تنجح. وأنا أعرف تاريخ الإخوان وحلمهم الكاذب الذي لن يزيد على حلم الشيوعية. هذه أممية ثبت فشلها وهم يعيشون وهم الخلافة الذي لن يعود. والمدهش لي أني لم أتوقف عند هذه الرواية. وجدت نفسي أكتب حلمي القديم عن القاهرة في السبعينيات. عن آلام وأحلام جيل المثقفين منا في شبابنا ونحن نشق حياتنا في القاهرة. عن القاهرة الجميلة ذلك الوقت التي كانت تمتلئ بالمتع والمسرات. وهكذا أنفقت عاما واحدا في كتابة رواية "هنا القاهرة" على غير ما تعودت في رواياتي الكبيرة التي لم أنته من أي منها في أقل من ثلاثة أعوام أو عامين، وإحداها استغرقت كتابتها ستة أعوام وهي "لا أحد ينام في الإسكندرية". كيف فعلت ذلك وسط كل هذا الغليان والتغير كل يوم. لم أنسحب لا من العمل العام ولا كتابة مقالاتي عنه. في الحقيقة أعطتني الثورة القوة رغم ما أعانيه من مرض. وأعطتني الأمل. ولو انتبه كل شخص إلى أن الثورة تنجح في النهاية حتى لو بدا أنها فشلت فهي تحقق شيئا وأشياء. وأعظم ما حققته الثورة حتى الآن أنها علمت الشعب أن يخلع الرؤساء حين يشاء وليس هذا بالقليل. لو أدرك كل شخص ذلك أتقن عمله ولم يتوقف عند اليأس أبدا.