رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الأزهر والكنيسة ورجال الدين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

مصر بلد الأزهر والكنيسة، وطوال تاريخ مصر منذ عهد إخناتون (توفي حوالي ١٣٣٥ سنة قبل مولد السيد المسيح)، كان المصريون يحترمون ويبجلون رجال الدين، ويلتفون حولهم. الكنيسة المصرية القبطية الارثوذكسية (المرقصية)، من اقدم الكنائس الشرقية، والتي نشأت في الإسكندرية في منتصف القرن الاول الميلادي، وكانت تتبعها معظم الكنائس الشرقية حتي وقت قريب. الازهر، الجامع والجامعة هو اعرق مؤسسة دينية في العالم الإسلامي، بناه جوهر الصقلى في عهد المعز لدين الله الفاطمى سنة ٩٧٠ ميلادية، وأقيمت فيه اول صلاة جمعه يوم ٢١ يونيو سنة ٩٧٢ ميلادية وهو رمز الوسطية والاعتدال في العالم الإسلامي.

 

 ولقد كان للتأثير الروحي لكل من الكنيسة المصرية والازهر الشريف ورجال الدين، أكبر الأثر في قوة مصر الناعمة وتأثيرها في محيطها الإقليمي وثقلها الدولي.
الجامع الأزهر، بناه الفاطميون لكي يكون جامعًا لعاصمتهم الجديدة، ورمزا لانتصارهم علي الدولة العباسية. الجامع الازهر لم يكن أول مسجد في مصر، حيث كان هناك وقت انشائه، ثلاثة جوامع اخري، الاول هو جامع عمرو بن العاص، الذي فتح مصر فى عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، سنة ٢٠ هجرية الموافق ٦٤١ ميلادية. الثاني هو جامع العسكر في مدينة العسكر، والذي زال ولم يعد له وجود، والثالث هو جامع احمد بن طولون فى القطايع، مؤسس الدولة الطولونية سنة ٨٧٧ ميلادية. الجامع الازهر (نسبة للسيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها) كان مؤسسة دينية خالصة مثله مثل جامعات أوروبا في إيطاليا (بولونيا) وفرنسا (باريس) وانجلترا (اكسفورد)، والتي بدأت أيضا كمؤسسات دينية، الا انه اتخذ بعد ذلك صفة الجامعة التعليمية في سنة ١٨٧٢ ميلادية في زمن الإمام محمد عبده (مفتي الديار المصرية).
ظل الازهر منذ بنائه مؤسسة دينية تعني بعلوم الدين، واكتسب مكانه مرموقة في العالم الإسلامي، مثله مثل الكنيسة المصرية التي تُمَثِل العالم المسيحي الأرثوذكسي. وبرغم ان بداية الازهر في عصر الفاطميين كانت شيعيه، الا انه مع مجيء صلاح الدين الايوبي، وانهاء حكم الفاطميين، توقفت الصلاة في الجامع الازهر سنة ١١٧١، إلى أن أعادها الظاهر بيبرس سنة ١٢٦٠ وحولها الي مؤسسة سنية، بعد انتهاء كل اتباع الشيعة في مصر. كانت الدراسة فى الجامع الأزهر بنظام الحلقات الدراسية حول الشيخ (الاستاذ)، الذي كان يجلس  علي كرسي (ومن هنا جاء لقب أستاذ الكرسي، (Chair) الذي نستخدمه الي اليوم). وفى سنة ١٩٣٠، وقت الشيخ المراغى، شيخ الازهر، صدر قانون تحويل الأزهر الي جامعة إسلامية.
قام كل من الازهر الشريف والكنيسة المصرية، بدور فعال في الحفاظ علي الهوية المصرية، خاصة في العصور الوسطي، أثناء تعرض دول الشرق لغزو الحملات الصليبية من الغرب، والتتار من الشرق، وأستمر هذا الدور في العصر الحديث حتي يومنا هذا. كان ومازال للكنيسة المصرية،  وللازهر الشريف تأثيرًا عظيمًا في نفوس المؤمنين، داخل وخارج العالم العربي. لعب الازهر دورا محوريًا خاصة في بلاد مثل إندونيسيًا وماليزيا والشيشان ودول الاتحاد السوفيتي السابق والدول الافريقية. شيخ الازهر كممثل لهذه المؤسسة العريقة له كامل الاحترام والتبجيل، وخير دليل علي ذلك، الحفاوة والترحاب التي يُستقبل بها عند زيارته لتلك الدول. وقد قام الازهر منذ تاريخه الطويل بتقديم كافة أنواع الدعم العلمي والتثقيف الديني للمسلمين داخل وخارج الوطن العربي، عن طريق المنح التي يمنحها للطلاب الوافدين، ومن خلال توفير المطبوعات الدينية اللازمة، وارسال البعثات وترجمة معاني القرآن الكريم، وكانت قناة القرآن الكريم بالإذاعة المصرية، احد أهم منصات التواصل مع المسلمين. وبعد ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، أولت الإدارة المصرية والزعيم الراحل جمال عبد الناصر، اهتماما خاصًا بأفريقيا، ضمنت لمصر تواجدا وقوة ناعمة ومكانة كبيرة مع مختلف الدول عن طريق مؤسسة الكنيسة المصرية والأزهر الشريف وبعثاتهما الدينية. وبعد احداث ثورة يناير ٢٠١١، اتضح جليًا ان الازهر والكنيسة هما مؤسستين وطنيتين يعملان علي تحقيق مصلحة الدولة المصرية. وجدير بالذكر انه لم ينتمي اي ازهري الي اي جماعة متطرفة، بل كافح الأزهر الشريف كل اشكال الإرهاب والتطرف، وحافظ الازهر مع الكنيسة المصرية علي تماسك الدولة والمجتمع المصري في اصعب الظروف والاوقات.
تحية وتقدير وتبجيل لرجالات الدين المسلمين والمسيحيين،  الذين يقفون صفا واحدا في دعم الهوية المصرية والتصدي لكل اشكال التطرف والإرهاب. وشخصيًا، أرفض اي تطاول على رجال الدين مهما كانت آراءهم، فهم في النهاية رمز قوة وتماسك هذا المجتمع منذ آلاف السنين.