رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الخطأ الطبي وقانون المسؤولية الطبية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لايمر يوم إلا ويعاد فتح موضوع الأخطاء الطبية، خاصة عندما يقع الخطأ، أو وفاة أحد المشهورين. بعد كل خطأ طبي سواء كان ناتجًا عن مضاعفات متوقعة أو عن خطأ بسيط أو جسيم، يلجأ المريض أو الأهل إلي وسائل التواصل الاجتماعي وبرامج الTalk Show ويعاد فتح مسلسل الأخطاء الطبية ومسؤولية الأطقم الطبية، وكأن مصر هي الدولة الوحيدة التي تقع فيها الأخطاء الطبية. 

الواقع أن الأخطاء الطبية في مصر ليست أكثر من مثيلاتها في معظم دول العالم، وعلي رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والتي تمثل الأخطاء الطبية السبب الثالث للوفاة (أكثر من ربع مليون سنويًا) بعد أمراض القلب والسرطان مباشرةً. 

الفارق بين مصر وباقي دول العالم، أنهم عندهم قانون للمسؤولية الطبية، يتعامل مع الأخطاء الطبية حسب القانون المدني وليس الجنائي، حيث لايجوز حبس الاطباء. ومجالس طبية متخصصة ومستقلة، وبها خبراء يقومون بدراسة كل حالة وتحديد أسباب الخطأ، ومدي الضرر الذي وقع، وأحقية المريض أو أهل المتوفي في التعويض اللازم، دون أي تشهير أو اعتداء علي الأطقم الطبية. 

ويعتبر التشهير بالأطباء او مقاضاتهم خارج المنظومة التي تحددها الدولة، تعديًا سافرا يستوجب العقاب والتعويض.
الأخطاء الطبية جزء من ممارسة مهنة الطب، وحسب إحصائية منظمة الصحة العالمية، هناك خمسة أشخاص يموتون في العالم كل دقيقة بسبب أخطاء الأطقم الطبية. 

ولو تم التشهير بكل طبيب تحدث معه حالة وفاة (كما يحدث عندنا)، فلن تجد أطباء لعلاج المرضي، خاصة في تخصصات بعينها مثل الرعاية المركزة والحوادث والطوارئ وعلاج الأورام. 
الاخطاء التي تنتج عن إهمال طبي جسيم ويتم وصفها علي أنها Substandard Care
وهي التي كان يمكن تفاديها لو تم إتباع الإجراءات العلمية المتفق عليها من الهيئات العلمية الدولية مثل منظمة الصحة العالمية، أو المحلية (مثل وزارة الصحة) يتم تقديرها بواسطة الخبراء التابعين للمجالس العلمية المتخصصة (مثل المجلس الطبي العام)، ويتم تعويض أصحابها دون الإفصاح عن شخصية الطبيب أو الأطقم الطبية. أمًا إذا كان الضرر متوقعًا وحدث نتيجة مضاعفات المرض أو التدخل الجراحي اللازم لعلاجه، فلا يعتبر ذلك خطأً طبيًا، بل يعتبر مضاعفات للمرض أدت الي الوفاة.
مايحدث في مصر ليس له مثيل في دول العالم شرقًا وغربا. شخصيًا، كان لي فرصة العمل في نظام التأمين الصحي البريطاني بين أعوام ١٩٩٧-٢٠٠٣، وتنقلت بين مانشستر وادنبرة وبرمنجهام وليستر وويلز، وفي كل مستشفي كنت أعمل بها كنت أقوم بالتوقيع علي عقد عمل للمستشفي ينص علي أن هيئة التأمين الصحي (NHS) سوف تقوم بتغطية كل نفقات التعويضات التي قد تحدث نتيجة أخطاء طبية قد تحدث أثناء العمل.
كل الشكاوي التي كانت ترد إلي المستشفي، وأكون أنا أحد أفراد الفريق الطبي المعالج، كان يتم استدعائي من قبل محامي المستشفي لشرح الملابسات وتقديم تقرير عن الحالة، ويقوم فريق من الاستشاريين من المستشفي بمراجعة الاجراءات التي تم اتخاذها وكتابة تقرير بذلك، ثم يتولي فريق الدفاع الرد علي الشاكي وتقديم الاعتذار أو دفع التعويض المناسب. في حالة واحدة تم رفع قضية أمام المحاكم الملكية في لندن وذهبنا الي المحكمة كشهود وتم تبرأة الفريق الطبي من أي تقصير ولم يتلق الشاكي أي تعويض.
في معظم البلدان العربية، خاصة الاردن والتي كان لي شرف زيارة مدينة الحسين الطبية في عمان، سألت مدير المدينة عن التصرف حين حدوث خطأ طبي، أجاب، نطبق قانون المسؤولية الطبية. وذكر لنا حادثة مشهورة عندما قام شخص بالاتصال بالتلفزيون الاردني للشكوي من خطأ طبي، عندها قام جلالة الملك عبد الله بن الحسين بالإتصال طالبًا إنهاء الحديث في هذا المجال وعدم التشهير بالأطباء وترك الموضوع لجهات التحقيق. لذا لاعجب أن تصبح الأردن أكبر دولة في المنطقة في استقبال السياحة العلاجية.
نحن لاندافع عن الأطباء، ولكن فقط نطالب بضبط العلاقة بين المريض والفريق الطبي، للحفاظ علي حقوق المريض قبل الطبيب. لذا أصبح لزامًا سرعة الانتهاء من قانون المسؤولية الطبية، وإنشاء المجلس المصري للتخصصات الصحية، وإسناد مسئولية التحقيق إلي لجانه المتخصصة، ومنع حبس الأطباء نتيجة أخطاء مهنية (مالم تكن جنائية)، وتجريم التشهير بهم في وسائل التواصل الاجتماعي. وفي النهاية أرجو أن تتدخل الدولة المصرية، لمنع نزيف هجرة الاطباء، وللحفاظ علي سمعة الطب والطبيب المصري، الذي يتمتع بسمعه طيبة ومهارة فريدة في كل دول العالم.