السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الجهاد ضد اليسار

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يومًا ما كتب المفكر دكتور طارق حجي ولم يكذبه أحد: منذ قرابة ٢٥ سنة دعاني الدكتور خيري سمرة عميد كلية طب قصر العيني لعشاء ضيق ببيته، وكان دكتور خيري وكاتب هذه السطور هما الوحيدين الذي يذهب البابا شنودة للعشاء ببيتهما. 
يومها كان الحاضرون هم البابا شنودة والأمير طلال شقيق الملك الحالي (الملك سلمان) والسيد كمال أدهم، والذى هو من جهة شقيق عفت زوجة الملك فيصل (ملك السعودية) ومن جهة أخرى فهو كان رئيس المخابرات السعودية عندما أصبح أنور السادات رئيسًا لمصر في أكتوبر ١٩٧٠. 
يومها سألت كمال أدهم: هل كان للسعودية أي دور في حالة الأخونة والهوس الديني التى ضربت المجتمع المصري مع تولي السادات رئاسة مصر؟ 
فقال لي: بتنسيق ما بين ثلاثة أطراف هى المخابرات الأمريكية والمخابرات السعودية التى كنت وقتئذ رئيسها والرئيس السادات وضعنا ونفذنا خطة دفع المجتمع المصري للحالة الدينية (الإسلامية) التى شاعت في مصر وقتها وكان من أشد مؤيديها شيخ الجامع الكبير وعثمان أحمد عثمان وعدد من الإعلاميين كان على رأسهم أحمد فراج الذى استقدم من السعودية الشيخ الشهير ليكون رأس حربة هذا المشروع. 
وأضاف: وقد استبسل بعض المحافظين في خدمة هذا المشروع وكان أهمهم محافظ أسيوط محمد عثمان الذى وضع خطة معادية لليساريين وللأقباط، وهى الخطة التى نالت إعجاب أنور السادات وكانت تقوم على تأسيس أكبر عدد من المعاهد الأزهرية وفتح المجال أمام الإخوان والجماعات في الكليات والمعاهد العليا واستخدامهم للتصادم مع الطلبة اليساريين والناصريين والأقباط. 
وختم كمال أدهم حديثه بقوله: وقد فعلنا نفس الشيء في الجزائر وكان رجلنا الأهم مصريًا وهو الشيخ الذى أفتى بعد ذلك بقتل المفكر المصري فرج فودة !!!
الكلام تأكد في السنوات الاخيرة ومن مدونة الأستاذ محمود حسنى رضوان الباحث المتميز في شئون الجماعة الإرهابية نقرأ المزيد:
في ٢٢ مارس ٢٠١٨ أدلى الأمير محمد بن سلمان بحديث خطير لجريدة الواشنطن بوست الأمريكية، كشف فيه المستور وفضح أكذوبة ما سماه السلفيون "الصحوة الإسلامية"، واعترف بأن نشر السعودية للوهابية لم يكن خالصا لوجه الله، وإنما كان استجابة لمطلب أمريكى وتوظيفا للإسلام لخدمة المصالح الأمريكية !! (نص الحديث باللغة الإنجليزية موجود على جوجل) وقال بن سلمان إن هذا كان نتيجة لصفقة سياسية أبرمتها أمريكا مع كل من السعودية ومصر وباكستان، وأن تسويق هذا الفكر الدينى المتشدد كان فقط لخدمة المعركة ضد الاتحاد السوفيتي !!
كان هذا التصريح فضيحة بجلاجل.. وقد علقت الواشنطن بوست على هذه الفضيحة بالقول: "لقد تأكد الآن أن نشر الوهابية لم يكن سوى أداة من أدوات الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي، وأن كل هذه المصاحف، وتلك المساجد، وأغطية الرؤوس والدقون والجلاليب القصيرة.... إلخ.. كل هذا لم يكن في الحقيقة سوى مكياچ وأزياء تنكرية وإكسسوارات للدور المطلوب تمثيله في فيلم الحرب الباردة !! وأن الشعوب الإسلامية كانت ألعوبة في لعبة سياسية قذرة ليس لها علاقة بالإسلام !!
بدأت القصة في ٢٧ ديسمبر ١٩٧٩ عندما أقر مجلس الأمن القومي الأمريكي خطة بعنوان "الجهاد في أفغانستان ضد الإلحاد" كتبها "بريجنسكى" مستشار الرئيس چيمى كارتر لشئون الأمن القومي.. وعلى الفور بدأ بريجنسكى جولة في الشرق الأوسط لإقناع قادة الدول الإسلامية بخطته.. بدأ بريجنسكى جولته بزيارة سرية للقاهرة في ٣ يناير ١٩٨٠ حيث قابل أنور السادات، ثم قابل الملك خالد في جدة بالسعودية في ٤ يناير، ثم قابل الرئيس ضياء الحق في إسلام أباد بباكستان في ٥ يناير.. ويقول محمد حسنين هيكل في كتابه "الحروب غير المقدسة" ص٣١: إن بريجنسكى دعا هذه الدول للقيام بدور قيادى في الحرب ضد الاتحاد السوفيتى "الملحد" الذى غزا دولة إسلامية، وكان بريجنسكى يحمل معه خطة تفصيلية حدد فيها بدقة دور كل دولة في تلك الحرب، فهناك مثلا من يقوم بالتمويل المالى، وهناك من يقوم بالتعبئة وتدريب المقاتلين... إلخ.... ونجح بريجنسكى في إقناع الزعماء العرب بالموافقة على مشروعة والتحمس له دون قيد أو شرط !! 
ويقول محمد حسنين هيكل: إن لقاء السادات مع بريجنسكى استمر ٣ ساعات ونصف، ركز بريجنسكى خلالها على أن كلا من الجامع الكبير والإخوان المسلمين سيكون لهما دورا كبيرًا في الحرب ضد السوڤيت.. وأضاف بريجنسكى أن دور الإخوان المسلمين ربما يكون أكثر، خصوصا أن لهم فروعا تابعة لهم في معظم الدول الإسلامية، بالإضافة لأن أكبر القيادات في أفغانستان ينتمون إلى جماعة الإخوان (مثل القيادى الشهير عبد الله عزام مثلا).. وشدد بريجنسكى على ضرورة التنسيق بين المشايخ والإخوان، وطلب من السادات أن يقوم بمهمة توحيد الجهود المشتركة بينهما، وفسر بريجنسكى ذلك باعتبار أن السادات يملك سلطانا على المشايخ، وأنه تربطه علاقات طيبة بقيادات الإخوان.. 
وبالفعل قام السادات والمشايخ والإخوان بالدور المرسوم لهم تمامًا كما حدده بريجنسكى.. وبدأ تنفيذ المخطط بتصريح للسادات قال فيه: "إن العالم لا ينبغى أن يكتفى بإصدار بيانات الإدانة للاتحاد السوفيتي، ولكن لا بد من اتخاذ إجراءات عملية".. وفي ١٩٧٩/١٢/٣٠ نشرت الأهرام فتوى مفتى الجمهورية بدعوة مسلمى العالم لمساندة الثوار الأفغان.. (بعد سنتين أصدر رئيس الجمهورية قرارا بتعيينه الشيخ شيخا للأزهر).
وأما بالنسبة لجماعة الإخوان فقد كانوا عند حسن ظن بريجنسكى بهم وأدوا أدورا فاقت ما كان مطلوبًا منهم !!.. ففى الجامعات المصرية أشعل طلبة الإخوان حماس الطلاب وأقاموا المؤتمرات والندوات، ونظموا حملات لجمع التبرعات بالمال والدم.. ومن ناحية أخرى وبتكليف من مرشد الجماعة حامد أبو النصر، مكث القيادى الإخوانى د.كمال الهلباوي مدة ٦ سنوات متنقلًا بين أفغانستان وباكستان لمتابعة تنفيذ الأوامر والتعليمات.. وبالإضافة لذلك قامت لجنة الإغاثة التابعة لنقابة الأطباء المصرية بقيادة د.عبد المنعم أبو الفتوح بتسفير كثير من الأطباء لأفغانستان، وأيضا جمعت التبرعات للمساهمة في تدريب المقاتلين وتزويدهم بالسلاح والأدوية والسلع الغذائية.. وفى كتاب "النوم مع الشيطان" لضابط المخابرات الأمريكية CIA "روبرت باير" يذكر المؤلف أن الإخوان كانوا المورد الأكبر للمقاتلين في أفغانستان، وشرح الكاتب بالتفصيل كيف استخدمت أمريكا الإخوان المسلمين للقيام بالأعمال القذرة في دول عديدة وخاصة في أفغانستان !!
وكتب محمد حسنين هيكل في مجلة "وجهات نظر" عدد فبراير ٢٠٠٠ أن مصر والسعودية قامتا بنقل ٣٥ ألف مقاتل من ٤٣ دولة إلى أفغانستان.. 
وفى كتاب "العلاقات الخفية بين أمريكا والدول العربية" للكاتب "چون روبرت" (الكتاب موجود على النت ويمكن تحميله) يقول المؤلف إنه صدر في السعودية أكثر من ٣٠٠ فتوى من رجال دين رسميين (عبد العزيز بن باز ومحمد بن عثيمين) وشيوخ مستقلين وأكاديميين ودعاة ووعاظ، اتفقت كلها على فرضية الجهاد بالمال والنفس في أفغانستان!
ولله في خلقه شئون!