الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تجربة مصر النموذجية لإدارة الفترة الانتقالية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

قبل يوم واحد مما جري  بالسودان أكد  البرهان حرص القوات المسلحة والمكون المدني على إنجاح الفترة الانتقالية وصولا إلى حكومة مدنية منتخبة  وذلك بالتزامن مع زيارة المبعوث الامريكي للسودان، مع تجديد واشنطن التأكيد على ضرورة فرض عقوبات مشددة في حال وقوع أي انقلاب من أي نوع،وكان مدهشا وصادما حين قرر المجلس العسكرى الانتقالى فى السودان أن تكون المرحلة الانتقالية عامين، ثم يأتى إعلان قوى الحرية والتغيير (المعبر الأساسى عن الثورة) ويطالب بأن تصبح أربع سنوات ثم بعد مفاوضات مع المجلس العسكرى يتوصلان إلى أن تصبح ثلاث سنوات.ثم إن الاتفاق المهدد بين الطرفين نص على وجود مجلس سيادة يتساوى فيه عدد المدنيين والعسكريين ورئيسه عسكرى (صلاحيات رئيس جمهورية) ومجلس وزراء مدنى، ومجلس تشريعى يضم 300 عضو ثلثهم يعبرون عن قوى الحرية والتغيير  والمنطق يري أن خيار «تطويل» الفترة الانتقالية هو خيار ضد،مشروع قوى الحرية والتغيير للانتقال لدولة مدنية ديمقراطية، وكان المنطقي تقصير الفترة الانتقالية لتصبح عاما لإن مسارًا انتقاليًا مدته ثلاث سنوات يعنى كارثة على عملية الانتقال الديمقراطى، فمن ناحية أولى هو يخلق سلطة ضعيفة منقسمة على ذاتها تتعارض فيها مراكز القوى مما يعنى عدم وجود أى قدرة على إنجاز أى شىء للمواطن السودانى إلا التظاهر والاعتصام، أو العراك على فضة أو مكانة.فمجلس سيادى ومجلس وزراء ومجلس تشريعى لمدة 3 سنوات يعنى عدم قدرة على اتخاذ أى قرار، فتعدد مراكز القوى وانقسامها داخل السلطة التنفيذية والتشريعية فى بلد يعانى من انقسام سياسى وجهوى وانفصل جنوبه عنه وتطالب أقاليم أخرى بالانفصال، ويعانى أيضا من وجود ميليشيات مسلحة تابعة لنظام البشير، كان السودان  يحتاج لرئيس جسر بين النظام القديم والجديد ينتخب من الشعب بعد عام على الأكثر وليس فترة انتقالية ثلاث سنوات.
ولهذا تظل تجربة مصر في عبور الفترة الانتقالية هي النموذج الناجح بالمنطقة وربما بالعالم وقد
جاء حين على مصر كانت شبه دولة عندما تعرضت لهزة عنيفة ومحنة سياسية واقتصادية قاسية، عقب ثورتين تخللتهما موجات إرهابية تصاعدت فى ظل غياب وانهيار للمؤسسات التي فرض النظام والأمن وعاشت فترة انتقالية صعبة وسط طوفان ما عرف بالربيع العربي الذي قوض استقرار المنطقة وزلزل دولًا وقسمها وشرد شعوبها. كان هناك تخبط واضح ما بين إعلانات دستورية وصراعات سياسية وأيدلوجية، على مدي رحلة طويلة من التعديلات والمقترحات والجمعيات والصياغات الدستورية بحثًا عن دستور يلقى قبولًا شعبيا ويحظى بموافقة الأغلبية. منذ بداية المرحلة الانتقالية عقب ثورة يناير، بدءا من المطالبة بإقرار الدستور قبل الانتخابات والتحذير من عواقب انتخاب رئيس دون دستور يحدد صلاحياته، مرورا بإعلانات دستورية تصنع من الحاكم سواء كان المجلس العسكري أو الرئيس المنتخب فرعونا جديدا، وصولا إلي الاستفتاء على دستور تقره جمعية تأسيسية لا تعبر عن الشعب، ويتم الاستفتاء عليه في ظل صراع دموي وتجاوزات تبطل نتائجه.وسيثبت التاريخ أنه بين هذا المصير الذي لقيته ثورات الربيع العربي، كانت مصر هي التي نجت، فالملايين التي انتفضت في 25 يناير 2011 لإسقاط نظام مبارك هي نفسها، وأكثر منها التي انتفضت في 30 يونيو 2013 لإسقاط حكم المرشد أي أن هذه الامة قادرة على تصحيح أخطائه لأن أصحاب الولاء الصادق، والانتماء الصحيح لا يجيدون التمثيل، همهم إظهار الحق والعدل والعمل الجاد، وتغيير الوضع الذى نعيشه بعيدًا عن مصالحهم الشخصية.
ليصبح السؤال الكاشف كيف استطاع نظام خلال سنوات يقل عددها عن أصابع اليد ان ينجو من التفكك والتشرذم والانهيار وتصبح مصر ركيزة الاستقرار بالمنطقة والمرجعية المثالية للنجاح في ادارة الفترة الانتقالية بأمتياز وعبور تلك الفترة بأقل قدر ممكن من الخسائر فتحية لكل مؤسسات هذا البلد التى قدمت للعالم النموذج لتخطي الفترة الانتقالية بأكبر قدر من الأمان ومن المخاطرة المحسوبة، وحتى فى معمعة ٢٥ يناير ٢٠١١م، لم يحدث فراغ سلطة، وانتقلت السلطة إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذى ملأ فراغ الرئاسة والبرلمان والدستور، وأدار - بكفاءة منقطعة النظير - عدة استفتاءات وانتخابات فى كل أنحاء البلاد وباستثناء عام٢٠١٢ - ٢٠١٣م الذى حكم فيه الإخوان فإن القول بضعف الدولة وهشاشتها والزعم بأنها في خطر هو مجرد مخاوف أو تخويفات لا دليل على صحتها ووسط ذلك اختارت الأمة طريق الحفر في الصخر، عبر المشروعات القومية العملاقة التى تخدم مصالح أجيال وأجيال من المصريين، واختارت سلاح الإصلاح الاقتصادي الباتر الجاد، وكانت فلسفة السيسى أن مستقبلا أفضل هو خير للبلاد من حاضر حافل بمكاسب مؤقتة تنقلب إلى أزمات بعد سنوات قليلة.