الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

طه حسين.. قراءة في مستقبل الثقافة

طه حسين عميد الأدب
طه حسين عميد الأدب العربي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الدكتور طه حسين أديب وناقد مصري، لُقّب بعميد الأدب العربي، وهو صاحب الفضل في تغيير المنهج الإبداعي في كتابة الرواية العربية، فهو مبدع السيرة الذاتية في كتابه "الأيام" الذي نشر عام 1929.

 كما يُعتبر الدكتور طه حسين واحدًا من أبرز الشخصيات التنويرية في العالم العربي، وواحد من أهم رواد الحركة الأدبية العربية الحديثة. 
العديد من الكُتاب والمثقفين المصريين والعرب يرون أن الدكتور طه حسين الأب الشرعي للتنوير في العالم العربي، في حين يحسبه آخرون رائدا من رواد التغريب، بينما يتهمه الإسلاميون بأنه صاحب مشروع مناهض للفكر الإسلامي معاديًا للدين بسبب كتابه الأشهر "في الشعر الجاهلي"، ولم يشفع له ما قدمه من كتابات فكرية إسلامية ذات من طراز رفيع.
في العام 1902 بدأ الدكتور طه حسين دراسته بالأزهر الشريف، فبدأ يتشرب علوم اللغة العربية إضافة إلى دراسة الفقه والسيرة والتفسير والبلاغة، إلا أنه كان يرى الدرس بالأزهر الشريف غير كاف حيث وصف منهجه بالعقيم، مشيرًا في كتابه "أديب" إلى عدم تطور الأساتذة والشيوخ وطرق وأساليب التدريس.
التحق الدكتور طه حسين بالجامعة المصرية في العام 1908، حيث درس أحدث المناهج العلمية حينها، إضافة لدراسته للحضارة الإسلامية، والتاريخ والجغرافيا، وعدداً من اللغات الشرقية.
في العام 1914، حصل الدكتور طه حسين على درجة الدكتوراه، وكانت الأطروحة بعنوان "ذكرى أبي العلاء"، وهي الأطروحة التي أثارت ضجة بين الجماعات الدينية المُتعصبة، أتهم على أثرها بالزندقة والخروج على مبادئ الدين الحنيف، وكانت هذه الواقعة مجرد بداية لمشوار أدبي وفكري حافل.
بين عامي 1936، 1937، أملا الدكتور طه حسين كتاب "مستقبل الثقافة في مصر"، وصدر عام 1938، بعد معاهدة الاستقلال التي وقعها مصطفى النحاس باشا، والتي أعتبرها الدكتور طه حسين نقطة تطور وانطلاق نحو التطور العلمي، لأنه يرى أن التعليم والثقافة هما السبيل للحفاظ على الاستقلال وإلا سيضيع دونهما. 
جاء عنوان الكتاب مخالفًا بعض الشيء لما تناوله من موضوعات، حيث أهتم في المقام الأول بمسألة التعليم، وإن كان قد تطرق إلى العديد من الموضوعات، إلا أن التعليم كان موضوعه الرئيس. وإن كانت كلمة الثقافة في التعريف الأوروبي تشمل كل شيء يخص حياة الإنسان بشكل عام مثل التاريخ والأدب والفن والعادات والتقاليد والدين والأساطير واللغة، وكلها مكونات ثقافات الشعوب والأمم. بينما تتصل كلمة الثقافة في اللغة العربية أو معجم للغة العربية بعملية التثقيف، وهي تعني الصقل، وهي الدعوة أو السعي إلى تحسين الواقع بدرجة ما، كما أن كلمة الثقافة مرتبطة بالإبداع إلى حد ما.
يتجلى في الكتاب تأثر الدكتور طه حسين إلى حد كبير بالثقافة الأوروبية، فهو يُعلن بشكل مباشر وصريح تبنيه للثقافة الأوروبية، حيث يَعتبر حضارة البحر المتوسط متمثلة في اليونان وإيطاليا وبعض دول أوروبا الأقرب إلى الحضارة المصرية، من حضارة دول الشرق الأدنى القديم متمثلة في الصين، واليابان، والهند. وكان مبرره في ذلك أن مصر حفظت على دول العالم الغربي حضارته حينما عايش قرون الظلام والتخلف، ثم عادت أوروبا مرة أخرى لتسترد حضارتها من مصر مرة أخرى، لذا يجد أن مصر صاحبة الفضل لحفظها الحضارة الأوروبية والعربية أيضًا، رُغم موقفه المضاد لما سُمى بالخلافة الإسلامية أو الجامعة الإسلامية، حيث كان إيمانه بالأمة المصرية أو القومية المصرية ذات الامتداد لحوض الأبيض المتوسط، وإنكاره لحضارات الشرق المتمثلة في الصين والهند واليابان، ولم يكن المقصود بحضارة الشرق دول المشرق العربي بأي حال من الأحوال كما آثار بعد المُترصدين من أنصار التيارات الدينية حينها، ولكن المقارنة كانت بين حضارتين غريبتين من حيث الدين واللغة والبعد الجغرافي. ورغم ذلك يرى الدكتور طه حسين أن العقل المصري ليس بأقل من العقل الأوروبي إن تحققت له نفس الشروط والظروف، وهذا ما يمكن البرهنة عليه بالبعثات التي رسلها محمد علي باشا إلى فرنسا، بل وربما يكون الدكتور طه حسين ذاته مثالًا حيًا للبرهنة على طرحه الخاص بالعقل المصري وكفاءته في مقابل العقل الأوروبي إن توفرت له الشروط بل وقدرته في التفوق على العقل الأوروبي.
كانت الديمقراطية القضية الأولى التي شغلت الدكتور طه حسين، وكان يرى أن التعليم هو الخطوة الحقيقة نحو تحقيق الديمقراطية، حيث اعتبر الثقافة والتعليم السلاح الأول في أيدي الشعوب تحقق به استقلالها وتحصل به على حريتها؛ حيث يرى التعليم على المستوى الفردي يحقق للفرد سعادته، وعلى مستوى الأمة يحقق للأمة الحضارة والتقدم.
ناقش الدكتور طه حسين الغزو الشرقي لمصر من التتار والمغول والهكسوس على مدار تاريخها، بينما أغفل الحديث – أو تجاهله -  عن الحروب الصليبية التي جاءتنا من الغرب، ويرى أن وحدة الدين والسياسة لا تصلح وحدها أن تكون سبيلًا للوحدة السياسية، وبعد مرور أكثر من نصف قرن على إملاء هذا الكتاب نجد أن الاتحاد الأوروبي كوّن وحدة سياسية واقتصادية شاملة بين عدد من بلدان أوروبا مختلفة العادات والتقاليد واللغة أيضًا ولا يعد الدين المسيحي قاسمًا مشتركًا بينها وسببًا في وحدتها، ولكن العامل الأول هو المحيط الجغرافي المشترك وهو "أوروبا".
تناول الدكتور طه حسين في كتابه، فكرة نقل الثقافة الأوروبية وقبولها كما هي بخيرها وشرها، وهو الأمر الذي أدانه أنصار التيارات الدينية، دون أن يدركوا مقصد الدكتور طه حسين وقوله بتقبل الثقافة الأوروبية كما هي بخيرها وشرها، فحديث الدكتور طه حسين كان موجهًا للحكومات لا الشعوب، أي أنه لم يقصد بحديثه المسائل الأخلاقية المتعلقة بالانفتاح الغربي التي يرفضها العرف والدين في المجتمعات العربية، وإنما قصد بـ"شرها" بالنسبة للحكومات، (حرية المواطن في التعبير عن رأيه وأن يكون صاحب موقف من سياسات هذه الحكومات، وأن يكون لديه مساحة من الحرية يُمارس من خلالها الفعل الديموقراطي، كما يحدث في أوروبا دون أن يكون مهددًا بسلب حريته أو يهدد حياته).