النصب التذكاري للجندي المجهول، تلك العلامة المميزة التي زرعت قلب مدينة نصر يمر عليها الآلاف يوميا.. ذلك العمل الفني ذو الشكل الهرمي رمز لفكرة الخلود في حضارة المصري القديم المحفور عليه واحد وسبعين اسمًا رمزيًا على المبنى الخرساني المجوف من الداخل مكعب من حجر البازلت الصلب لقبر الجندي المجهول.
هل تعرف الفنان الذي أبدع هذا العمل الفني الذي نعتز به ؟.. إنه الفنان القدير سامي رافع أستاذ ورئيس قسم الديكور السابق بالفنون الجميلة، الذي يعد أهم أبرز رواد السيريالية في الأربعينيات ومن مؤسسي حركة الفن المعاصر الذي أبدع بقسم الديكور ومصمم الجداريات الملونة لمشروعات وأعمال فنية كتيرة مرتبطة بالجماهير.. فهو أول مصرى يصمم ديكورات المسرح والأوبرا في دار الأوبرا الخديوية «التي احرقت عام ١٩٧١»، عندما كان مدير خشبة مسرح دار الأوبرا، بعد عودته من بعثته للنمسا لمدة ٥ سنوات، منها سنة قضاها في التدريب في «أوبرا فيينا» فهو لم يكن مصمم ديكور للمسرح والملابس فقط. بل كان مُبتكرًا للخلفيات والمؤثرات وغيرها التي تساهم في نجاح العمل الفني المعروض على خشبه المسرح فهو كان سابقا للتقنيات التكنولوجيا بعدة سنين.
ميلاد رافع
ولد الفنان سامي رافع في القاهرة بحي السكاكينى عام ١٩٢٤ وهو حاصل على بكالوريوس كلية الفنون الجميلة قسم الفنون الزخرفية ١٩٤٨ ودبلوم المعهد العالى للتربية الفنية ١٩٥٠ وعلى درجة الدكتوراة في تاريخ الفن من جامعة السوربون- فرنسا وكان عضوا في جماعة الفن المعاصر التي أسسها حسين يوسف أمين وعمل بالتدريس بقسم الفنون الزخرفية عام ١٩٥٠ ثم غادر إلى باريس عام ١٩٥٤ طلبا لدراسة تاريخ الفن بجامعة السوربون.
لم يعد «رافع» إلى مصر إلا شهرًا واحدًا عام ١٩٦٤، ثم عاش فترة مأساة في الجزائر، إذ تم اعتقاله هناك، ليغادر منها مطلع السبعينيات إلى باريس مجددًا، ليستكمل مسيرته الحافلة بالرسم والنحت، والتى تميزت بتنوع الخامات وتجسد حالة مأساة الاغتراب والحنين إلى الوطن لدرجة جعلت بعض النقاد يصفونه برائد السريالية الشعبية المصرية.
وورد اسمه في الموسوعات المحلية والعالمية وللكاتب سمير غريب كتاب بعنوان «الهجرة المستحيلة» عن الفنان سامي رافع عام ١٩٩٩ ويعد من طليعة الفنانين، وظهر في الحركة الفنية في منتصف الأربعينيات وكان في طليعة الطليعة التي قادت أفكار الشباب ومشاعرهم في سنوات الغضب والتمرد والرغبة العارمة في التغيير، بعد الحرب العالمية الثانية وحتى عام ١٩٥٢، وقد انعكس هذا على طبيعة أعماله حيث الرقى والتوهج التى تعتبر أعماله من كلاسيكيات الفن المصرى الحديث. أما هو فيمثل الحركة التالية لجيل الرواد المعروفين: سعيد وناجى وكامل وعياد ولوحاته التي أبدعها في صدر شبابه منذ قرابه الخمسة والثلاثين عاما، مازالت صامدة للزمن، تسترعى انتباهنا وتثير إعجابنا وأفكارنا وخيالنا.. وتخاطب في نفوسنا شيئا أزليًا.
توفى الفنان والمعلم ذو النظارة الفلسفية العميقة في ١٤ مايو٢٠١٩ عن عمرٍ يناهز ٨٨ عاما بعد رحلة طويلة في عالم الفن صاحب الأسلوب الأول في خضوع الفنان للأجسام ومحاولة البناء المعمارى للمساحات وإراداته في التوزيع الواضح للأحجام تاركا لنا أبرز تصميماته لمحطات مترو الأنفاق، والنصب التذكارى لشهداء حرب أكتوبر، ومقبرة الرئيس المصري الراحل أنور السادات.