الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

الشعر يجمعنا..  "نهاية الطفولة" للإيطالي أوجينيو مونتالي

الشاعر الإيطالي أوجينيو
الشاعر الإيطالي أوجينيو مونتالي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ينفتح الشعر على التجربة الإنسانية اللانهائية، متحركًا في فضاء الخيال والدهشة، محاولا إعادة بناء الوجود عبر أصواته الحميمية القريبة من روح المتلقي، ويُعد الشعر هو الوسيلة الأكثر فاعلية في التعبير عن الأحلام والانفعالات والهواجس التي تجوب الوعي الإنساني واللاوعي أيضًا، وتتنوع روافد القصيدة من حيث الموضوع والشكل ليستمر العطاء الفني متجددا ودائما كما النهر..

تنشر "البوابة نيوز" عددا من القصائد الشعرية لمجموعة من الشعراء يوميا.

واليوم ننشر قصيدة بعنوان "نهاية الطفولة" للشاعر الإيطالي أوجينيو مونتالي، وذلك تزامنا مع ذكرى وفاته التي تحل اليوم الأحد.

الشاعر الإيطالي أوجينيو مونتالي

هادرا يغوّر في الضفّة المقوّسة

بحر مختلج، مُسطّر بأخاديد،

مجعّدا، ونديفا بالزبد .

بمواجهة مصبّ

سيل فائض

الموج كان يَصْفرّ.

في عرض البحر تتموج طحالب متشابكة

وجذوع أشجار يجرفها التيار.

في الخليج المُضيف

للشاطئ،

فقط بعض المنازل

من الآجر القديم، أرجوانيّة،

والشعر النادر

لشجر الطرفاء الذي يزداد شحوبا ساعة بعد ساعة

مخلوقات منحرفة المزاج

ضائعة في هلع الرؤى .

لم يكن من السهل

أن يُنْظر اليه من قبل من كان يقرأ

في الظواهر المشتبه فيها

موسيقى الروح تقلق من لا يتخذ قرارا.

هضاب رائقة تحيط

بالشاطئ وبالمنازل

مغطاة بأشجار زيتون متفرقة مثل قطعان

أو دقيقة مثل دخان ضيعة صغيرة

منتصبا مثل شراع

في مواجهة الوجه الأبيض للسماء .

بين بقع عنب وغابات صنوبر

تظهر كتلة الأحجار

عارية وصلبها محدّب

بالسكاكين: عندما يمرّ رجل من هناك، مستقيما على ظهر بغله،

في السماء الزرقاء النظيفة سيظل مطبوعا

إلى الأبد- في الذاكرة.

نحن لا نذهب أبدا إلى القمم القريبة جدا

للجبال حتى ذاكرتي المتعبة

لا تجرؤ على اجتيازها.

أعلم أن هناك طرقات كانت تركض فوق الحفر المحصورة

وبين العوْسج الذي يصعب اجتثاثه

تقود إلى فرجات غابات، ثم بين الوهاد،

هي تبتعد باتجاه زوايا مُخبأة رطبة من العفن،

مغطاة بالظلال وبالصمت .

ثمة واحدة أفكر فيها مبتهجا،

فيها كل انطلاقة بشريّة

تظهر مخبأة

في نسيم له ألف عام

نادرا ما تنفذ هبة ريح

إلى زاوية العالم تلك

والتي تبقى منذهلة من ذلك.

غير أننا كنّا نعود من طرقات الجبال

وكانت هي تنفتح على سلسلة

غير مستقرة من المظاهر المجهولة

لكن النغم التي يتحكم فيها كان يفلت منّا.

كل دقيقة كانت تحترق

في اللحظات المستقبلية من دون أن تترك أثرا.

أن نعيش كان بمثابة مغامرة جديدة للغاية،

ساعة إثر ساعة، والقلب يدقّ،

ولم تكن هناك قاعدة

ولا أخدودا ثابتا ولا نقطة مقارنة

للتمييز بين الفرح والحزن.

لكن أثناء العودة بين الدروب

باتجاه منزل على البحر، باتجاه

الملجأ المغلق لطفولتنا الذاهلة،

سريعا يجيب

في كل حركة للروح تواطؤ خارجي: الأشياء تلبس

أسماء، وعالمنا يصبح له مركز.

كنّا في تلك السنّ التي تسبق البلوغ

حيث السحب لم تكن لا أعدادا ولا إشارات

لكنها أخوات جميلات ننظر اليها وهي تسافر.

منحدرة من بذرة أخرى،

مغذّاه من نسغ آخر،

ليس نسغنا،

أكثر ضعفا، كانت تبدو لنا الطبيعة .

فيها الملجأ، وفيها

النظرة المنتشية، هي المعجزة

التي لم تحلم، أو لم تحلم أبدا، ببلوغ

روحنا المملوءة باللبس والحيرة.

كنّا في سنّ الأوهام.

وطارت السنوات قصيرة مثل الأيام، كل يقين غرق في بحر مزهر

ونهم كان يمنح مستقبلا مظهرها المريب لشجر الطلحاء المرتجف.

وكان على فجر أن ينبثق مثل

شعاع نور على عتبة

مضيئة ليعلن عنّا مثل مطْرَة، وبالتأكيد

نحن هرعنا لنفتح الباب

الذي يصرّ على حصى الحديقة .

الوهم كان واضحا .

سحب ثقيلة، على البحر المضطرب، تغلي بالرذاذ، سرعان ما ظهرت.

في الهواء كان انتظار

الحدث العنيف. 

هو يبتعد أيضا مرتع الطفولة الذي

يستكشف

باحة اختيرت كما لو أنها عالم!

بالنسبة لنا نحن يأتي أيضا زمن التحقيقات .

الطفولة ماتت في دوريّة.

آه أن نلعب لعبة آكلي لحم البشر في القصب،

أن تكون لنا شوارب من النخيل، وأن نلتقط، يا لها من متعة، الكبسولات المطلقة !

إنها تطير سنوات الطفولة الجميلة، مثل المراكب الصغيرة على سطح البحر، بكل أشرعتها.

بالتأكيد نحن ننظر صامتين في انتظار

اللحظة العنيفة،

ثم في الصمت المزعوم

على الماء الذي يحفر

كان لا بد أن ترتفع ريح.