رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

“الإيجار القديم” حائر بين حقوق المالك واستقرار المستأجرين.. 200 جنيه كحد أدنى للوحدات السكنية.. و300 جنيه للوحدات الإدارية.. وأصحاب عقارات: نمتلك قصورا ولا نقدر على ثمن رغيف العيش

مبان الإيجار القديم
مبان الإيجار القديم في مصر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لا ينتهى الحديث عن أزمة الإيجار القديم الذى ظلم العديد من الملاك، ليطرح عددا من أعضاء مجلس النواب أفكار بشأن تعديلات الإيجار القديم، ويأتى بعد ذلك تعقيب رئيس الجمهورية أثناء افتتاحه عددا من المشروعات السكنية، قائلا: «هخلى الناس تمشى تتكعبل فى الشقق»، حيث يكمن حل تلك الأزمة فى العمل على تكثيف المعروض حتى تعود للملكية مكانتها وقيمتها لدى المواطنين، قائلا: «احترام الملكية من غير ما ندوس على الناس»، مع حق المواطن أن يسكن في وحدات قانون الإيجار القديم، مع الاحتفاظ بحق مالكها الأصلى فى الاحتفاظ بملكيتها، دون المساس بأحد، مؤكدا أن بعض الوحدات إيجاراتها جنيهات قليلة، فيما تتعدى قيمتها السوقية نحو 5 ملايين جنيه.

جاءت أبرز التعديلات المقترحة على قانون الإيجار القديم وتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١، المقدم فى فبراير الماضى لعام ٢٠٢١، حيث تعلق التعديل الأول بزيادة قيمة الإيجار بشكل تدريجي بحيث لا يؤثر على المستأجر، وفى إطار تحقيق العدل للملاك، دون طرد الساكن، أما التعديل الثانى فكان يخص أحقية استمرار الوريث الأول فى المسكن، بشرط ألا يتم هذا إلا لمرة واحدة، ولا يتم تجديدها، مع رفع قيمة الإيجار بشكل مناسب للطرفين، وجاء التعديل الثالث بشأن إخلاء الوحدة المؤجرة لمرور ٣ سنوات على استخراج ترخيص بناء جديد باسم المُستأجر أو زوجته، أو حال غلقها لمدة ٣ سنوات لغير غرض السفر، وفى حال استفادة المستأجر من الحصول على مسكن من برامج الإسكان التي تُقدمها الدولة.

الإيجار القديم في مصر

أما التعديل الرابع فكان يخص تحديد ٢٠٠ جنيه كحد أدنى للأجرة للوحدات السكنية، و٣٠٠ جنيه للوحدات الإدارية، وترتفع الأجرة مع تحسن مستوى معيشة الساكن، واقتراح بزيادة تدريجية للأجرة بنسبة ١٠٪ سنويا، وجاء التعديل الخامس أنه يمكن للمستأجر دفع ٦٠٪ من القيمة السوقية للوحدة السكنية، ومع تحسن الظروف يمكنه دفع الـ٤٠٪ وتصبح الوحدة ملكية شخصية، أو يتم عرضها للبيع ويحصل الطرفان كلٌ على نسبته.

ردود الأفعال

«هناك من يمتلك قصور ولا يملك ثمن رغيف العيش»، هكذا بدأ «محمود»، صاحب عقار بمنطقة الدقى، حديثه مع «البوابة»، واستطرد قائلًا: «التأجير بالنظام القديم جعل صاحب الملك ليس له الحق فى ملكه حيث يجمع الايجار الشهرى أقل من ٥٠٠ جنيه، هناك ناس كتيرة متضررة من الإيجار القديم نظرا لقلة سعره وسط الغلاء الفاحش الذى نعانى منه».

ويوضح «محمود»، أن وضع ٢٠٠ جنيه كحد ادنى للايجار ليس عدلا، فهناك جانبي شقق يتم تأجيرها بـ٢٠٠٠٠ جنيه، أما بالنسبة لكون الوريث الأول للمستأجر يجدد العقد لمرة واحدة تظل المشكلة كما هي لأن العقد بـ٥٩ سنة، في وقت أبنائهم يقدرون على العمل ويمكنهم شراء أو تأجير شقة اخرى، فى رأيى اذا كان الابن الوريث معاق أو لديه ابنة مطلقة يتم تطبيق ذلك لا حرج ويجدد العقد، ومن الجيد أن الدولة تعيد فتح الملفات القديمة ووضع حلول لها.

ومن جانبه قال، «إبراهيم»، حارس عقار، بنفس المنطقة: «كان لا بد أن يتم تعديل قانون الإيجار القديم منذ زمن فهو ينطبق عليه قانون حزين مش قانون قديم، فصاحبة الملك لا تأخذ شيئا منه لأنها تحصل على ملاليم بالنسبة للوقت الحالى، إيجار الشقة ٦ جنيهات شهريا، يعتبر العائد لى كبواب أكثر من صاحبة العقار، لذلك لا بد أن تكون التعديلات في صالح المستأجر والمؤجر حتى لا يتم طرد الساكن، البديل لذلك رفع الإيجارات، يوجد شقق بجانبنا يبلغ إيجارها الشهري ٥٠٠٠ جنيه، فإذا ترواح الايجار من ١٠٠٠ لـ ٢٠٠٠ جنيه سيصبح الأمر هينا نظرا للغلاء الذى نشهده».

الإيجار القديم أزمة كبرى

«التعديلات أحسن من مفيش» هكذا عقب شاب ثلاثينى إبن صاحب عقار، بأحد شوارع الدقى، قائلًا: «لدى ساكن يدفع ٢٠ جنيها وآخر ٦٠ جنيها وأنا لا استنفع من عقارى بشىء، الـ٢٠٠ جنيه أقل واجب ولكن فى الوقت الحالى لا تعنى شىء، أما بالنسبة ان الوريث الأول له حق تجديد العقد لمدة واحدة لا يصح، لأن أحفادى هم من سينتفعون بالعقار إذا كان ما زال موجودا فى الأساس، لذلك لا بد من إلغاء حق الوريث للتجديد حتى يسن لأصحاب العقارات أن يتمتعوا بعقارتهم، هناك أصحاب عقارات أبنائهم يأجرون بمبالغ كبيرة ولديهم ملك بسبب الايجارات القديمة».

قاطعنا أحد حارسى العقارات قائلًا: «ليس حقا للوريث الأول أن يجدد في العقار، لصاحب العقار الحق ان يرفض ذلك، لأن أبناءه هم الأحق للانتفاع به».

الجانب الاقتصادى 

أكد الدكتور على عبدالرؤوف الإدريسى، أستاذ الاقتصاد بمدينة الثقافة والعلوم، أن عملية تعديل القيمة الإيجارية بشكل جديد موضوع هام جدا، لأن أصحاب الوحدات السكنية يتعرضون لظلم بين عندما يكون قيمة الإيجار الحالية جنيهات في ظل الارتفاع التي يشهده سوق العقارات مقارنة بالإيجارات الجديدة.

علي الإدريسي

وتابع: «تعديل القانون سعي لتقديم أسعار عادلة للطرفين وتقديم قيمة إيجارية على ذلك في ظل متغيرات السوق وتظل عمليات التوريث التي لا بد أن يكون لها ضوابط بشكل كبير حافظة لحقوق الملايين من أصحاب الوحدات السكنية الذين يعانون بشكل كبير من ضعف القيمة الإيجارية».

وأوضح أن ذلك توجه هام جدا وسيعود بالنفع سواء على قطاع العقارات أو على أصحاب الوحدات السكنية الإيجارية القديمة.

وقال الدكتور وليد جاب الله، خبير التشريعات الاقتصادية، إن الإيجار القديم لا زال يمثل مشكلة اقتصادية مجتمعية كبرى تضخمت عبر العقود الماضية وقدر الدولة المصرية الحالية أن ترث تلك القضية من ضمن العديد من القضايا التى تأخر التصدى لها، ومع شروع الدولة المصرية في برنامج الإصلاح الهيكلي نجد أن التصدي لإعادة هيكلة منظومة الإيجارات القديم هو أحد محاور تطوير قطاع الإسكان والعقارات.

التصدي للملف

وتابع: «مع التصريح الأخير لرئيس الجمهورية بدأ قرب التصدى لهذا الملف وفقا لمحددات الدولة الحالية وهو إعادة الهيكلة مع خلق البديل وعدم الإضرار بالشرائح الأولى بالرعاية، وقد شاهدنا ذلك فى مشروعات تطوير العشوائيات التي لم يفقد فيها أحد سكنه، فضمان توافر السكن هو أساس حل مشكلة الإيجار القديم، وبالتالى لا بد من المقاربة بين الاعتبارات والتمييز بين الحالات المختلفة للعلاقات الإيجارية، وإذا كانت وحدات الإيجار القديم يصل عددها وفقا لتقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تصل إلى نحو ٣ ملايين وحدة منها نحو مليون وحدة مغلقة».

وليد جاب الله

وأكمل: «من المهم تقليص هذا العدد أكثر من خلال تحرير العلاقة الإيجارية خلال فترة قصيرة للوحدات المغلقة ولمن لديهم سكن أخر، ولحالات الإيجار لغير غرض السكن، ليتبقى حالات المستأجرين الذين ليس لديهم سكن أخر ويتم التعامل معهم بتقرير زيادات تدريجية للأجرة مع منحهم حوافز تشجعهم على طلب إنهاء العلاقة مثل حصولهم على مقدم تعاقد لأحد الوحدات السكنية الجديدة ويتم تمويل ذلك من خلال صندوق ويتكفل أيضا بسداد الأجرة بعد زيادتها نيابة عن المستأجرين غير القادرين ويحصل الصندوق على إيراداته من خلال تخصيص ما يتم تحصيله من ضرائب عقارية من وحدات الإيجار القديم بعد إخضاعها لأحكام قانون الضرائب العقارية».

وأوضح أن هذه بعض الأفكار وهناك أفكار ومقترحات أخرى مقدمة للحكومة ومجلس النواب والأمر يحتاج للجنة تدمج كل المقترحات في مشروع قانون متوازن قابل للتطبيق بأقل قدر من المنازعات القضائية فقد حان وقت حسم ذلك الملف، ويجب على طرفى علاقات الإيجار القديم أن يعلم أنه لن يتحقق له كل طموحة وأن القانون قائم على المقاربة التى لن يكون فيها انتصار كامل أو خسارة كاملة.

الجانب الحضارى

ويقول الدكتور الحسين حسان خبير التطوير الحضارى، إن عدد شقق الايجار القديم يتجاوز ٥ ملايين شقة وعقار وقانون الإيجار القديم الحالى رقم ٤ لسنة ١٩٩٦، ولا يمكن أن يستمر كما هو الآن فلا بد من المطالبه بحقوق الملاك كاملة،وتحرير العلاقة الايجارية لكل المباني المؤجره قبل صدور القانون ٤ لسنه ٩٦ المسمى بقانون الايجار الجديد واخضاع العلاقة الايجاريه لاحكام القانون المدنى الصادر عام ١٩٤٨ مثلما حدث في القانون ٤ لسنة ٩٦ وان يكون تحرير العلاقة فورا أو أقل فتره انتقالية ممكنة.

الحسين حسان

وتابع: «المالك يتحمل تلك الاعباء منذ عشرات السنين، الامثلة كثيرة محلات مناطق وسط البلد قيمتها ملايين الجنيهات وقيمتها الايجارية لاتزيد عن جنيهات قليلة، فمنذ تطبيق قانون الإيجار القديم في القرن الماضي الإيجارات لم ترتفع إلا مرة واحدة بزيادة طفيفة ولم يستطع المالك أن يصحح من أوضاعه الاجتماعية خاصة في ظل الارتفاع الجنونى للأسعار طوال هذه السنوات، وأصبح الملاك مجرد منظم للعملية الإيجارية ولا يملكون حرية التصرف فى أملاكهم التي استأجرت من أبائهم الكثير من المبانى الإيجار القديم جزء يستحق الإزالة وجزء يستحق سرعة الترميم».

وأوضح: «هناك خطورة على السكان من المبانى الآيلة للسقوط في الإيجار القديم، والتعديل المقترح غير كاف ورأى ان هناك حلول أهمها يجب وضع بنود اتفاق تكون عادلة للمالك والمستأجر، واعادة تقييم المبانى الخاصة بالإيجار القديم من قبل الجهات المختصة في كل محافظة فى الشقق الايجار الخاص بالمبانى وتقسيمها مبانى غير سليمة وتمثل خطورة على حياة ساكنيها يجب إزالتها في المبانى السليمة إنشائيا سواء محلات أو شقق يجب زيادة الإيجارات لتتناسب مع الزيادة المستمرة للأسعار».

وطالب بإلغاء فكرة التوريث في الإيجارات القديمة التي مضى عليها عشرون عاما فأكثر ويكون هناك خياران إما زيادة الإيجار بعقد يحمل اسم الوريث أو الإخلاء مراعاة البعد الاجتماعى للمالك والمستأجر من خلال وزارة التضامن الاجتماعي ودراسة الحالة الاجتماعية لهم وتوفير بدائل فورية للمبانى الآيلة للسقوط.

الجانب القانونى

وفى تعليق الدكتور هانى سامح، محام، قال إن أزمة عقود الإيجار القديمة كانت نتيجة أمرين الأول أزمة المساكن فى منتصف القرن الماضى والثانى هو آثار الحرب العالمية الثانية كما جاء في تبريرات المشرع وحيثيات المحاكم فى ردها على النزاعات التى تولدت من هذه العقود، وتتلخص نقاط الخلاف في نص المادة ١٨ من قانون تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر الصادر عام ١٩٨١ وكانت تنص تحت عنوان تحقيق التوازن في العلاقات الإيجارية بإمتداد العلاقة الإيجارية أو بتأييد فعلى وحقيقى للعلاقة بحيث لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان ولو انتهت المدة المتفق عليها فى العقد إلا لأسباب محددة في الهدم الكلى أو الجزئى المنشآت الآيلة للسقوط والاخلاء المؤقت لمقتضيات الترميم والصيانة وإذا لم يقم المستأجر بالوفاء بالأجرة المستحقة.

وإذا ثبت أن المستأجر قد تنازل عن المكان المؤجر، أو أجره من الباطن بغير إذن كتابى من المالك للمستأجر الأصلى، أو تركه للغير بقصد الاستغناء عنه نهائيا وذلك دون إخلال بالحالات التى يجيز فيها القانون للمستأجر تأجير المكان مفروشا أو التنازل عنه أو تأجيره من الباطن أو تركه لذوى القربى وإذا ثبت بحكم قضائى نهائى أن المستأجر استعمل المكان المؤجر أو سمح باستعماله بطريقة مقلقة للراحة أو ضارة بسلامة المبنى أو بالصحة العامة أو فى أغراض منافية للآداب العامة.

وقال «سامح» إن المحكمة الدستورية قررت دستورية هذه المادة للمواطنين وفي ذات الوقت قضت بعدم دستوريتها حيال الشركات والكيانات والأشخاص المعنوية.

وقررت بأن إن النص لم يعمد إلى تأبيد عقد الإيجار، وإنما هو قصد إلى تقرير امتداد لهذا العقد يتجاوز المدة المتفق عليها فيه، وهو امتداد وإن كان غير محدد بمدة معينة وقالت المحكمة إنه عن النعى بمساس النص بحق الملكية وإخلاله بمبدأ التضامن الاجتماعى، فإنه نعى مردود، ذلك أن المقرر عند المحكمة أنه ولئن كان الدستور قد كفل حق الملكية الخاصة، وحَوّطه بسياج من الضمانات التى تصون هذه الملكية وتدرأ كل عدوان عليها، إلا أنه في ذلك كله لم يخرج عن تأكيده على الدور الاجتماعى لحق الملكية.

ويجوز تحميلها ببعض القيود التى تقتضيها أو تفرضها الضرورة الاجتماعية وطالما لم تبلغ هذه القيود مبلغًا يصيب حق الملكية في جوهره أو يعدم جُلّ خصائصه، إذ كان ذلك وكان ما أملى على المشرع المصرى تقرير قاعدة الامتداد القانونى لعقد الإيجار، هو ضرورة اجتماعية شديدة الإلحاح تمثلت في خلل شديد في التوازن بين قدر المعروض من الوحدات السكنية وبين حجم الطلب عليها، وهو خلل باشرت ضغوطه الاجتماعية آثارها منذ الحرب العالمية الثانية، وكان تجاهلها يعنى تشريد ألوف من الأسر من مأواها بما يعنيه ذلك من تفتيت فى بنية المجتمع وإثارة الحقد والكراهية بين فئاته ممن لا يملكون المأوى ومن يملكونه، وهو ما يهدر مبدأ التضامن الاجتماعى.

مما دعا المشرع المصرى إلى تبنى قاعدة الامتداد القانونى لعقد الإيجار، منذ التشريعات الاستثنائية بإيجار الأماكن الصادرة أثناء الحرب العالمية الثانية وحتى النص الطعين، كى يصون للمجتمع أمنه وسلامته محمولين على مبدأ التضامن الاجتماعي.

وتابع أنه في حال انتهت أزمة المساكن وتوافر الشقق الإيجارية وكثرة المعروض وانخفاض أسعار إيجارات القانون الجديد فلا محل لاستمرار القانون وانتهاك حقوق الملكية خصوصا وأن غالب ملاك العقارات القديمة المؤجرة يعانون الفقر والحاجة رغم امتلاكهم لأصول عقارية تجاوز أحيانا قيمة الخمسين مليون جنيه ولكنها مجمدة بفعل القانون كما في عقارات مصر الجديدة والمناطق العريقة بوسط البلد. 

وقال «سامح» إن المحكمة الدستورية عندما تبين لها اخلال العقود الإيجارية للشركات والكيانات بمبادئ القانون وحقوق الملكية أعطت مهلة بلغت سنة للمستأجرين قبل نفاذ حكمها الموجب لإنهاء العلاقة والطرد من المساكن المؤجرة، حيث حددت اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد التشريعى العادى السنوى لمجلس النواب اللاحق لنشر حكمها لإعمال أثره.