السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

شمس سوداء في سماء أفغانستان.. مستقبل الإرهاب بعد سقوط كابل فى يد "طالبان"

طالبان
طالبان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

بعد سيطرة حركة طالبان الأفغانية على مقاليد الأمور داخل العاصمة كابل، وهروب الرئيس الأفغاني أشرف غني والمسئولين إلى طاجيكستان بعد إنهيار الجيش الأفغانى، تعود حركة طالبان إلى الظهور مرة أخرى، منذ أن غادرت السلطة فى ٢٠٠١، بعد تصنيفها كحركة إرهابية مسلحة، من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الحليفة لها، الأمر الذى يثير التساؤلات حول مستقبل الجماعات الإرهابية في أفغانستان.

طالبان


"طالبان".. ابنة تنظيم "القاعدة"
"طالبان" خرجت من رحم تنظيم "القاعدة" فى أفغانستان وباكستان، والذي كان قائمًا تحت حُكم أسامة بن لادن، فقَتلت الولايات المتحدة الكثير من عملائه، ويُشاع أن زعيمه الحالي أيمن الظواهرى توفى، ويبقى الكثيرون من قادته الآخرين هاربين.
كما أدى موت بن لادن إلى تراجع التمويل المخصص لنشاط هذا التنظيم، الذي نجح بن لادن فى تأمينه. وكنتيجة لذلك، لم تعُد معسكرات التدريب الواسعة النطاق موجودة فى أفغانستان كما كان الوضع قبل ١١ سبتمبر ٢٠٠١.
مع ذلك؛ يقدّر أحد تقارير "الأمم المتحدة" أن تنظيم "القاعدة"، ما زال يضم عناصر إرهابية يتراوح عددها بين ٤٠٠ و٦٠٠ عضو فى البلاد، وهم يقاتلون إلى جانب حركة "طالبان" بشكل دورى، ويشاركون فى جمع الأموال وصنع القنابل، كما تكثر الروابط الاجتماعية التي تجمع التنظيمين عبر الزيجات بين المجموعتين.
فى محاولة لمعالجة هذه المسألة؛ حثّ المفاوضون الأمريكيون حركة "طالبان" لسنوات على منع تنظيم "القاعدة" من استخدام أفغانستان كملاذ للهجمات الدولية. وتزعم حركة "طالبان" أنها قبلت هذا الطلب. كما قالت عناصر "القاعدة" علنًا إنهم سيمتنعون عن تهديد المصالح الأمريكية، إلا أن التشجيع على شن الهجمات الدولية، استمر رغم الوعود التى قطعها كلٌ من "طالبان" و"القاعدة".
تُسلّط إحدى الحوادث الأخيرة المزيد من الضوء على طموحات "القاعدة". ففي أكتوبر ٢٠٢٠، قتلت قوات العمليات الخاصة الأفغانية أبومحسن المصرى، وهو على الأرجح العنصر الثانى الأهم فى تنظيم "القاعدة" في أفغانستان، وأُدرج اسمه منذ عدة سنوات على قائمة أكثر الإرهابيين مطلوبية لـ"مكتب التحقيقات الفيدرالي" الأمريكى.
ووفقًا لبعض المسئولين في الاستخبارات الأفغانية؛ اكتشفت قوات العمليات الخاصة فى خلال المداهمة رسائل من المصري، يخبر فيها نظراءه من "القاعدة" في سوريا، أن أفغانستان قد تعود قريبًا إلى موقعها ما قبل ٩/١١، كمركز محورى للجماعة الإرهابية.
وعلاوةً على ذلك؛ سرعان ما تلت هذه المداهمة غارتان جويتان أمريكيتان ضد أهداف لتنظيم "القاعدة"، فى محافظة إدلب السورية، مما أدى إلى تخمين أن رسائل المصرى أشارت أيضًا إلى تورّط عناصر "القاعدة" في سوريا بالتآمر ضد أهداف أمريكية.

داعش


"داعش".. تعادى "طالبان"
على عكس التعاون مع تنظيم "القاعدة" فى أفغانستان وباكستان، يؤدى تنظيم داعش الإرهابى "ولاية خراسان"، دورًا معاديًا لحركة "طالبان". فيسعى كلا التنظيمين إلى الإطاحة بالحكومة الأفغانية، لكنهما تقاتلا بشكل دورى فى شرق أفغانستان حيث يقع مقر تنظيم "الدولة الإسلامية" فى أفغانستان، رغم هذا الطموح المشترك.
ووفقًا لتقرير صادر عن معهد واشنطن؛ فإن "تنظيم داعش الإرهابى"- ولاية خراسان- يضم نحو ٢،٢٠٠ مقاتل مسلح تتركز أعدادهم، فى محافظة كونار الجبلية، قرب حدود باكستان، ومعظم أعضائه هم مَن تبقوا من المقاتلين البشتون الباكستانيين، الذين هربوا من قوات الأمن الباكستانية إلى أفغانستان، وتتألف القوة أيضًا من منشقين عن الجيش الأفغانى ومن مسلحين أوزبكيين.
انضم هؤلاء الإرهابيون المختلفون إلى فريق "داعش فى العراق والشام"، من عام ٢٠١٤، ولجأت لاحقًا أعداد صغيرة من المسلحين العرب التابعين لهذا التنظيم في العراق وسوريا إلى أفغانستان.
كما وهبت المجموعة العراقية التابعة لتنظيم داعش فرعه الأفغاني مبالغ متواضعة من المال.
إلا أن التواصل الحالي المتبقي بين مختلف فروع «داعش» محدود، وهو يقتصر على الرسائل الهاتفية بين الفرع الأفغانى والفروع الأخرى في المنطقة.

الانسحاب الأمريكى


الانسحاب الأمريكى وآثاره السلبية
مع انسحاب للولايات المتحدة والقوات الدولية التابعة للتحالف، سيصبح الجزءان الجنوبى والشرقى من أفغانستان– اللذان يشكلان نحو ٤٠ إلى ٥٠ في المائة، من مساحة البلاد، ويشملان مدينة قندهار- خاضعَيْن على الأرجح لحُكم حركة "طالبان".
ويضم هذا القسم من البلاد عددًا كبيرًا من البشتون، أى القاعدة الإثنية التي ينحدر منها معظم الجنود فى حركة "طالبان".
ويمثّل البشتون أيضًا نحو ٤٥ فى المائة من إجمالى سكان أفغانستان، والمناطق التي يمثّلون فيها الأغلبية هى التى سيستخدمها على الأرجح تنظيمًا "القاعدة" و"الدولة الإسلامية"- ولاية خراسان من أجل إنشاء قواعد تدريب جديدة بعد انسحاب الولايات المتحدة.
يُحتمل أن يتدهور الوضع فى القسمين الشمالى والغربي من أفغانستان ليشهد اشتباكات مسلحة بين حركة "طالبان"، والميليشيات من غير البشتون. فالطاجيك، الذين يمثّلون نحو ٢٥ فى المائة من إجمالي سكان أفغانستان، هم المجموعة الإثنية التى تشكل الأغلبية فى المدينتين الكبيرتين مزار شريف الشمالية وهرات الغربية.
والهزارة، الذين يشكلون المجموعة الإثنية الشيعية الوحيدة في البلاد، يمثّلون نحو ١٠ فى المائة من سكان أفغانستان، وهم الأغلبية في منطقة وسط أفغانستان الريفية. والأوزبك والتركمان، وكلاهما شعبان تركيان، يمثّلون نحو ١٠ إلى ١٥ في المائة من سكان أفغانستان ويعيشون بشكل أساسى فى الشمال. وفي حين أن البشتون يقطنون بكثافة أكبر فى جنوب أفغانستان وشرقها، يمكن أن تصبح تجمعاتهم في باقي أنحاء البلاد مراكز لنشاط تنظيمَيْ "القاعدة" و"الدولة الإسلامية"- ولاية خراسان. أكثر ما يدعو للشك ربما هو مستقبل كابول وضواحيها، فمن دون أي دعم مباشر من قوات الولايات المتحدة، سيعتمد مصير منطقة كابول الواسعة النطاق على أداء الجيش الأفغانى.
وفي حين أن أغلبية الجيش الأفغانى هي قوة قتال عادية، فقوات "العمليات الخاصة"، التابعة له– التي تشكل نحو ١٠ فى المائة من الجيش ككل– ممتازة.
وتوفّر الولايات المتحدة أيضًا حاليًا نحو ٥ مليارات دولار سنويًا كمساعدة عسكرية وإنسانية. وسيتطلب بقاء الحكومة الأفغانية والجيش الأفغاني استمرار الدعم المالي الدولى لهذه القوات بشكل خاص؛ وحتى في هذه الحالة، لا شيء يضمن النجاح.
يتمثل أحد الخيارات الأخرى لدعم الطاقم العسكري في أفغانستان في توفير فرص التدريب الخارجية؛ والأردن هو أحد الخيارات المذكورة. إلا أن النتائج المحتملة لفقدان التمويل والدعم التدريبي يجسّدها انهيار الحكومة الأفغانية الشيوعية تحت حُكم نجيب الله. فصمد نظامه بعد انسحاب القوات السوفيتية بين عامَيى ١٩٨٨ و١٩٨٩، لكنه انهار بعد أن أنهت موسكو دعمها المالى فى عام ١٩٩١.
صحيحٌ أنه إذا استولت حركة «طالبان» على معظم أفغانستان، ستحتفظ الولايات المتحدة بامتداد عسكري داخل أفغانستان مهما كان محدودًا، وسيسمح لها هذا الامتداد بالاستمرار في محاربة تنظيمَيْ "القاعدة" و"داعش" فى حال شن هجمات ضد الأمريكيين أو حلفائهم.
وستضطر الطائرات الأمريكية إلى استخدام قاعدتها العسكرية في قطر وحاملاتها خارج باكستان للقيام بالرحلات إلى أفغانستان بعد الانسحاب.
إلى جانب العمليات العسكرية بقيادة الولايات المتحدة التي تنطلق من أراضى الحلفاء الآخرين، يمكن أن تردّ الولايات المتحدة والبلدان الأخرى على الهجمات الإرهابية من خلال تفويض الجيش الأفغاني في تعقب أولئك المسؤولين عنها.
غير أن هذا الخيار لا يصلح إلا إذا استمر الجهاز العسكري الأفغاني في العمل؛ وإذا لم يحدث ذلك، سيتعين على الولايات المتحدة اللجوء إلى تهديد حكومة «طالبان» بالرد، إلا فى حال اتخذت هذه الأخيرة تدابير قاسية ضد الإرهابيين الدوليين على أرضها، أو استخدمت المرتزقة الأفغان للبحث عن الجناة.
إلى ذلك؛ ستتقلص قدرات الاستخبارات الأمريكية إلى حد كبير ما إن تنسحب قوات الولايات المتحدة من البلاد. ففيما ستتوافر قدرة استخباراتية ضئيلة على الصعيدَيْن البشري والتقني في السفارة الأمريكية في كابول– على افتراض وجود سفارة أمريكية هناك– يختلف الأمر عن وجود الأصول الاستخباراتية فى أنحاء البلاد.
وسيُضعِف تدهور الاستخبارات الأمريكية إلى حد كبير الفعالية العسكرية لها مهما تبقى من الخيارات العسكرية الأمريكية، فضلًا عن إضعاف القدرة على مساعدة "الجيش الوطنى الأفغانى". وستصبح أفغانستان مجددًا بلدًا نائيًا وغامضًا.