الجمعة 01 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

ننشر نص عظة البابا تواضروس الثاني عن الفرح ورسالته الروحية بالكتاب المقدس

البابا أثناء العظة
البابا أثناء العظة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

واصل  البابا تواضروس الثاني عظاته عن الفرح ورسالته الروحية في الكتاب المقدس وبدأ عظته الأسبوعية الطويلة  قائلا:" أتابع مع حضراتكم تأملاتنا في رسالة الفرح واليوم هي المحاضرة رقم ٦ عن الفرح الذي كتب عنه وعاشه القديس بولس الرسول وهو في السجن ".

وتابع:" تأملنا في الأسابيع الخمسة الماضية في إصحاح ١ و٢ ورأينا أن روح الرسالة مع كلام الرسالة كله عن الفرح، وطبعًا يتكلم عن الفرح بمعناه المسيحي العميق ويتطرق لخلاص ربنا يسوع المسيح ويتطرق لحياة الفضيلة كما رأيناها في التلميذين تيموثاوس وأبفرودتس، يشرح ويجعلنا نحيا في حالة الفرح وحياة الفرح رغم أنه كتبها في السجن، سنقرأ الجزء الأول من الإصحاح الثالث في رسالة معلمنا بولس الرسول إلى أهل فيلبي:
أَخِيرًا يَا إِخْوَتِي افْرَحُوا فِي الرَّبِّ. كِتَابَةُ هذِهِ الأُمُورِ إِلَيْكُمْ لَيْسَتْ عَلَيَّ ثَقِيلَةً، وَأَمَّا لَكُمْ فَهِيَ مُؤَمِّنَةٌ. اُنْظُرُوا الْكِلاَبَ. انْظُرُوا فَعَلَةَ الشَّرِّ. انْظُرُوا الْقَطْعَ. لأَنَّنَا نَحْنُ الْخِتَانَ، الَّذِينَ نَعْبُدُ اللهَ بِالرُّوحِ، وَنَفْتَخِرُ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، وَلاَ نَتَّكِلُ عَلَى الْجَسَدِ. مَعَ أَنَّ لِي أَنْ أَتَّكِلَ عَلَى الْجَسَدِ أَيْضًا. إِنْ ظَنَّ وَاحِدٌ آخَرُ أَنْ يَتَّكِلَ عَلَى الْجَسَدِ فَأَنَا بِالأَوْلَى. مِنْ جِهَةِ الْخِتَانِ مَخْتُونٌ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ، مِنْ جِنْسِ إِسْرَائِيلَ، مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ، عِبْرَانِيٌّ مِنَ الْعِبْرَانِيِّينَ. مِنْ جِهَةِ النَّامُوسِ فَرِّيسِيٌّ. مِنْ جِهَةِ الْغَيْرَةِ مُضْطَهِدُ الْكَنِيسَةِ. مِنْ جِهَةِ الْبِرِّ الَّذِي فِي النَّامُوسِ بِلاَ لَوْمٍ. لكِنْ مَا كَانَ لِي رِبْحًا، فَهذَا قَدْ حَسِبْتُهُ مِنْ أَجْلِ الْمَسِيحِ خَسَارَةً.  بَلْ إِنِّي أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ أَيْضًا خَسَارَةً مِنْ أَجْلِ فَضْلِ مَعْرِفَةِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّي، الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ خَسِرْتُ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَأَنَا أَحْسِبُهَا نُفَايَةً لِكَيْ أَرْبَحَ الْمَسِيحَ، وَأُوجَدَ فِيهِ، وَلَيْسَ لِي بِرِّي الَّذِي مِنَ النَّامُوسِ، بَلِ الَّذِي بِإِيمَانِ الْمَسِيحِ، الْبِرُّ الَّذِي مِنَ اللهِ بِالإِيمَانِ. لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ، لَعَلِّي أَبْلُغُ إِلَى قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ. لَيْسَ أَنِّي قَدْ نِلْتُ أَوْ صِرْتُ كَامِلًا، وَلكِنِّي أَسْعَى لَعَلِّي أُدْرِكُ الَّذِي لأَجْلِهِ أَدْرَكَنِي أَيْضًا الْمَسِيحُ يَسُوعُ. أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَنَا لَسْتُ أَحْسِبُ نَفْسِي أَنِّي قَدْ أَدْرَكْتُ. وَلكِنِّي أَفْعَلُ شَيْئًا وَاحِدًا: إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ، أَسْعَى نَحْوَ الْغَرَضِ لأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ اللهِ الْعُلْيَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. فَلْيَفْتَكِرْ هذَا جَمِيعُ الْكَامِلِينَ مِنَّا، وَإِنِ افْتَكَرْتُمْ شَيْئًا بِخِلاَفِهِ فَاللهُ سَيُعْلِنُ لَكُمْ هذَا أَيْضًا. وَأَمَّا مَا قَدْ أَدْرَكْنَاهُ، فَلْنَسْلُكْ بِحَسَبِ ذلِكَ الْقَانُونِ عَيْنِهِ، وَنَفْتَكِرْ ذلِكَ عَيْنَهُ.
أضاف البابا أن  القديس بولس الرسول يحاول يقدم لنا حالة الفرح التي يعيش فيها الإنسان، وأعتقد أحيانًا وأنا بأتأمل معكم في هذه الرسالة أنه كان يريد أن يكتب الرسالة كلها اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، وكأن الرسالة كلها عبارة عن جملة واحدة أو اختبار واحد يقدمه لنا مع شرحه بتفاصيله الكبيرة.. 
في الجزء الذي قرأته معكم يتكلم عن ماضي الرسول بولس وكيف كان شكل ماضيه ولكنه – ونحن في نص الرسالة – يبدأه أَخِيرًا يَا إِخْوَتِي افْرَحُوا فِي الرَّبِّ،( أَخِيرًا ) يريد أن ينقل لهم هذه الحياة وهذا الاختبار وكأنه لا يريد أن يترك القلم وهو يكتب، يريد أن يصلهم كيف يعيش الإنسان في المسيح في حياة الفرح وحالة الفرح، أريدك أن تنتبه معي في هذا الجزء يوجد 3 كلمات مهمين جدًا:
أول كلمة ويقول أَخِيرًا، وطبعًا ليس أخيرًا لأننا لا زلنا في منتصف الرسالة لكن أَخِيرًا يَا إِخْوَتِي، وكلمة إخوتي كررها ٣ مرات فقط وتكراره هذا يعني نوع من الاتضاع وكأنه يقول أنا لست مستحقًا أكون أخ لكم باعتباره عرف المسيح متأخرًا وكما قلنا في بداية تأملاتنا أنه عرف المسيح في منتصف حياته وعمره بعد الثلاثين، ولكنه يقول  كِتَابَةُ هذِهِ الأُمُورِ إِلَيْكُمْ لَيْسَتْ عَلَيَّ ثَقِيلَةً بمعنى أنه لا يوجد شيء ثقيل وأنا أكتب لكم بفرح، وَأَمَّا لَكُمْ فَهِيَ مُؤَمِّنَةٌ ومؤمنة بمعنى أن ما أكتبه لكم هذا فيه أمانكم وحمايتكم وتجعل الإنسان دائمًا في أمان وكأنه محاط بيد المسيح التي تجلب له الفرح، تذكّر وأنت تقرأ الرسالة أن تضع في ذهنك باستمرار أنه موجود ويعيش في سجن، وبما أنه داخل السجن يعني في ضيق وظلمة وانعدام حريته وألم والأيام ثقيلة عليه ورغم كل هذا يكلمنا عن الفرح، وهذا يثبت لك أن الفرح ليس خارجي بل داخل الإنسان سواء كان في سجن أو غيره فإن الفرح في داخله.. المسيح الذي في داخله.. 
الكلمة الثانية أنه يكرر كلمة اُنْظُرُوا.. اُنْظُرُوا الْكِلاَبَ. انْظُرُوا فَعَلَةَ الشَّرِّ. انْظُرُوا الْقَطْعَ، أهل القطع يقصد بهم أهل الختان، اُنْظُرُوا الْكِلاَبَ.. كما تعرفون أن في التاريخ اليهودي كان اليهود يقسمون العالم لنوعين يهود وأمم ولكنهم كانوا يطلقون على كلمة الأمم لفظ الكلاب، وما يشرح لكم هذا المعنى بقرب أكثر قصة المرأة الكنعانية عندما قابلت المسيح وقالت له ابنتي مريضة جدًا وكان رد المسيح عليها بالكلام الذي يقولونه اليهود وقال: «لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب»، وردت هي عليه بلطف جدًا – وكان كلام المسيح لها بمثابة امتحان أو اختبار – وقالت: وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا، انتبه من شيء هنا أن المسيح عندما قال لها لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب يقصد كلاب الشارع كما نسميها الضالة وليس لها صاحب، ولكنها ردّت عليه ردًّا آخر وقالت: وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا وتقصد بالكلاب التي يتم تربيتها في البيت وتجد عناية من صاحبها ورعاية وطعام وعلاج وهكذا.. بمهنى أنها تجد اهتمام، لهذا قال لها المسيح: يَا امْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ، وهنا يقول بولس الرسول أن اليهود ماذا يقولون عن الناس الأممين أنهم كلاب وأيضًا يقولون عنهم فَعَلَةَ الشَّرِّ والمقصود بهم الذين يعيشون في الخطية والذين يصنعون فخاخ أو شرك ليقع فيه الإنسان، فَعَلَةَ الشَّرِّ بكل أنواع الشر، كما نصلي في صلاة الشكر ونقول: كل حسد كل تجربة كل فعل الشيطان ومؤمرات الناس الأشرار قيام الأعداء الخفيين والظاهرين.. 
وأكد البابا أن قول الرسول احترسوا وانظروا الثالثة "انْظُرُوا الْقَطْعَ" أي الذين يؤمنون بقطع جزء من الجسد فيما يُسمى بالختان، وهذه هي العلامة الجسدية الموجودة لدى اليهود في هذا الوقت، وكان الختان هو الممارسة اليهودية التي تُمارس لكل ذكر ومن خلالها يصير الإنسان في رعوية بني اسرائيل، كانت هذه علامة الافتخار لديهم، ولكن في المسيحية تحوّل الختان إلى مفهومه الروحي ومعناه الروحي إلى المعمودية... وهنا يكرر انْظُرُوا.. انْظُرُوا.. انْظُرُوا، يقصد احترسوا أو تجنبوا أو لاحظوا أو انتبهوا، كما يكتبها لأنه سيتكلم عن نفسه الآن في الضعفات التي كان يحيا فيها كما سنعرفها في التفصيل الآتي... 
وأشار البابا أن بولس يقول اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ، ونرى الناس يفرحون لأسباب كثيرة، ولكننا نفرح لثلاثة أسباب رئيسية: 
أول سبب هو أن الله هو ضابط الكل، كل الحياة التي تراها مضبوطة، الفلك والطبيعة التي نحيا فيها، الكواكب والشموس والنجوم وأرضنا، والزمن مضبوط، لهذا تفرح لأن الله يضبط كل شيء، أي أننا لا نحيا في فوضى، أو اللا شيء.. كلا لأن كل شيء مضبوط والحياة تسير بنظام، والمضبوط ليس فقط الأشياء الكبيرة التي حولنا ولكن أيضًا أصغر خلية في جسم الإنسان بكل تفاصيلها – التي يقومون بدراستها لأوقات طويلة جدًا في الكليات – الخلية تسير بالساعة وبالدقيقة بنظام، وتتعجب.. مَنْ يدرس تكوين الخلية والنواة والسيتوبلازم والجدار الخارجي وهكذا.. وكل جسم الإنسان يتكون من ملايين ملايين الخلايا المتنوعة ولكل منها وظيفة ونظام وطريقة سير، وكما نقول ( مثل الساعة ) كلمة تعبيرية فقط، ولكنها تسير بأجزاء وأجزاء من الثانية، افرح أن الله ضابط كل شيء وأنك تحيا في شيء منظم وكل حاجة منظمة.. 
السبب الثاني: نفرح لأن إلهنا هو محب لكل البشر، يحب الأبرار والأشرار، كما نقول "يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ"، وعطية الشمس هي عطية عظمى كما عطية الهواء وكما عطية المياه، العطايا العظمى التي يقدمها الله للإنسان ولكل البشر، حتى الخطاة، فالله يحب الإنسان كإنسان ولكن لا يحب خطيته، وعندما يجد الله الإنسان يصنع خطية يكون طويل الأناة عليه، وينتظره حتى يتوب ويرجع، وطول أناة الله ولطفه ليس لها حدود، وكمثال اللص اليمين.. ظل طويل الأناة عليه برغم كل جرائمه وكل الأشياء الخاطئة التي فعلها ظلَّ طويل الأناة عليه حتى يوم عقابه ويوم أن عُلق على الصليب، انتبه.. قدم توبة.. قدم صلاة.. قدم عبارة قصيرة ولكن مشحونة بكل المشاعر " اذْكُرْنِي يَا رَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ " وكانت النتيجة " الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ "، نحن نحب الله لأنه محب لكل البشر، واحترس أن تسمع لدسائس الشيطان الذي يتكلم في أذن الإنسان ويقول ربنا لا يحبك أو ربنا نساك أو العالم الذي به أكثر من 7 مليار من البشر وأنت ما حجمك بالنسبة لهم ولا يذكرك أبدًا، الله ينظر ويعرف ويرعى ويحب ويسامح كل إنسان.. 
السبب الثالث: نحب الله لأنه يهتم بأمورنا، ويعمل معنا، ويد الله حاضرة في حياة الإنسان، وتعمل مع الإنسان، وكثيرًا ننظر ليد ربنا التي جعلت الأمور سهلة وتسير بيُسر، وبولس الرسول وهو يشعر بمرارة السجن ولكنه كان فرحان لأن عينيه القلبية وليس الجسدية ترى يد الله الذي يعمل، وعمل الله عمل واضح وجميل لذلك اهتمامه بحياتنا من الهواء ومن المياه ومن الزرع ومن النِعم الموجودة ومن الطعام والنباتات والحيوانات ومن الأسماك التي في المياه والطيور التي في السماء كل هذا أمامه معروف ويهتم بأمورنا ويوفرها لنا 
سبب آخر: نحب ربنا لأنه هو الذي يستطيع أن يعمل ويستطيع أن يتدخل فيما لا يعرفه البشر، "غَيْرُ الْمُسْتَطَاعِ عِنْدَ النَّاسِ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اللهِ"، وكذلك يجب أن تعرف أن المكان الوحيد الذي يمكن أن تطرح فيه همومك وأحزانك وضيقات قلبك والمشاعر التي تولد لديك من الناس ومن الظروف ومن الأحداث هو عند قدمي المسيح، وعند كثرة همومنا في داخلنا تعزياتك يا رب تلذذ نفسي " عِنْدَ كَثْرَةِ هُمُومِي فِي دَاخِلِي، تَعْزِيَاتُكَ تُلَذِّذُ نَفْسِي "، هو الوحيد الذي يطبطب عليك وهو الوحيد الذي يقف بجانبك وهو الوحيد الذي لا يمكن أن ينساك، هو الوحيد الوفي لك، وكل مايصنعه للخير لك، ومتأكد أنكم تعرفون الآية الجميلة التي تقول " كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ "، وهو القائل " تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ... فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ "... لهذه الأسباب نحبك يا رب ونحبك دائمًا وأنت تنظر إلينا وإلى كل مفردات حياتنا وأنت تقدم لنا هذا الفرح على الدوام، لهذا بولس الرسول يقولها بقوة " اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ " افرحوا في الرب 
وشرح البابا أنه يبدأ بولس الرسول الحديث بمقارنة بين: أنه اليوم أصبح في المسيح " نَفْتَخِرُ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ!! أنت في السجن وإيمانك هو الذي وضعك في السجن " نَفْتَخِرُ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، وَلاَ نَتَّكِلُ عَلَى الْجَسَدِ " – الجسد أي عن موضوع الختان الذي تكلم عنه – فيقول أنه إذا اِفتخر أي يهودي بشيء فالأولى أن أفتخر أنا بالامتيازات والمكاسب السبعة والتي ربما لا تكون موجودة لدى آخر في اليهود، فيتكلم عن هذه الامتيازات التي جعلته يهودي بالمقام الأول وجعلته يهودي بامتياز وليس يهودي عادي، فيسردها: 
رقم ١: " مِنْ جِهَةِ الْخِتَانِ مَخْتُونٌ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ " أي أنه مطبق الشريعة بالضبط.. 
رقم ٢: " مِنْ جِنْسِ إِسْرَائِيل " أي يهودي صِرف.. ويحدد 
رقم ٣: " مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ " أي أنه من الأسباط، فلو استعرض سلسال العائلة يرجع لسبط بنيامين.. 
رقم ٤: "عِبْرَانِيٌّ مِنَ الْعِبْرَانِيِّينَ" أي أنه يهودي مئة في المئة.. 
رقم ٥: " مِنْ جِهَةِ النَّامُوسِ فَرِّيسِيٌّ "، لأن اليهود كانوا طوائف ومن أشهرها الكتبة والفريسيين وهو كان من الفريسيين، وكلمة فريسي تعني ( مفرز ) وتقابلها في لغة العهد الجديد ( الإنسان المكرس )، وهنا يقصدون أن الفريسي هو الإنسان الذي درس وحصل على شهادات عالية جدًا ويفهم في الناموس والشريعة اليهودية بأقصى ما يكون، مِنْ جِهَةِ النَّامُوسِ أي أن من جهة قوانين الناموس أنا فريسي وأنتمي لطائفة الفريسيين اليهودية، وتعتبر الطائفة رقم ١ في اليهود لهذا في أحداث ومعجزات السيد المسيح نجد الفريسيين يظهرون في الحدث ويكون لهم دور ويتكلمون ويعترضون، مِنْ جِهَةِ النَّامُوسِ فَرِّيسِيٌّ.. 
رقم ٦: " مِنْ جِهَةِ الْغَيْرَةِ مُضْطَهِدُ الْكَنِيسَةِ " أي أنه كغيور ودمه حامي مضطهد للكنيسة، أي لا يوجد أكثر من ذلك أنني رجل يهودي واضطهد الكنيسة وكنت مفتريًّا أيضًا، ولكنه عرف المسيح في عمق اِضطهاده وهو ذاهبًا للقبض على المسيحيين الهاربين من أورشليم إلى دمشق، وفي الطريق ظهر المسيح له، مِنْ جِهَةِ الْغَيْرَةِ مُضْطَهِدُ الْكَنِيسَةِ.. 
رقم ٧: " مِنْ جِهَةِ الْبِرِّ الَّذِي فِي النَّامُوسِ ( الشريعة ) بِلاَ لَوْمٍ "، لا يستطيع أحد أن يجد عليا خطأ.. 
والسبعة مع بعض: ١ مختون يعني يهودي صِرف، ٢ من جنس إسرائيل، ٣ من سبط بنيامين، ٤ عبراني، ٥ فريسي، ٦ مضطهد الكنيسة، ٧ بلا لوم من جهة الناموس.. أي أنه لا يوجد يهودي يستطيع أن يضارعه في يهوديته....
لماذا يشرح لنا هذا كله بالرغم أننا انتهينا وأصبحنا في العهد الجديد ؟، يريد أن يقدم لنا صورة عن كيف كانت مكاسبه كثيرة جدًا وعندما عرف المسيح اعتبر هذه المكاسب نفاية أي قمامة القمم - عندما يأخذون ما يصلح استخدامه مرة أخرى ويتبقى ماهو بلا نفع يُسمى نفاية – فيشرح لنا كيف كان مغموسًا بالحياة اليهودية.. أحيانًا يكون الإنسان بعيدًا عن ربنا وغارقًا في أشياء كثيرة، ربما في مشروعات ربما في مناصب مسئول عنها أوغارقًا في أعمال كثيرة.. ربما ربما تحت أي عنوان، ويشعر أنه ضائع، وعندما نتحدث معه عن الفرح يتعجب ويقول أين هو الفرح !!.. اسمع اختبار بولس الرسول وهو في السجن: نَفْتَخِرُ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، وبعد أن يعدد السبع امتيازات التي عنده ويعتبرها سبع أشياء يفتخر بها في ناموسه ويهوديته، انظر انتقاله، " لكِنْ مَا كَانَ لِي رِبْحًا، فَهذَا قَدْ حَسِبْتُهُ مِنْ أَجْلِ الْمَسِيحِ خَسَارَةً "، وهنا أريدك أن تنتبه لكلمة ( احسب في حسبته ) ويكررها أي يوجد هنا حساب، وهي كلمة مفتاحية لأنها كلمة تنقل من حاله وهو في اليهودية ثم بدأ يعمل عملية حساب وأثناء ذلك وجد أن هذا كأنه نفاية، اسمع " لكِنْ مَا كَانَ لِي رِبْحًا ( السبعة الذين ذكرتهم )، فَهذَا قَدْ حَسِبْتُهُ ( حساب ) مِنْ أَجْلِ الْمَسِيحِ خَسَارَةً ( لا يساوي شيء ) بَلْ إِنِّي أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ أَيْضًا خَسَارَةً مِنْ أَجْلِ فَضْلِ مَعْرِفَةِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّي "، رائع، ويضع الاثنين في كفتين، ووجد أن الكفة الكسبانة هي في فَضْلِ مَعْرِفَةِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ، أن المسيح تفضّل وقابله في طريق دمشق وقال له: لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟ وهذا سؤال لإيقاظ الضمير، وكانت إجابة بولس الرسول في سفر الأعمال في إصحاح ٩: " يَا رَبُّ، مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟ "، استسلمت وقلبي انفتح، ممكن أن تحسب في حياتك أشياءً كثيرة ولكن كل شيء بعيد عن المسيح تُعتبر خسارة أو كما قلت لك في مرات سابقة أنه كله للتراب، فأين امتيازاتك يا بولس السبعة فيقول: " بَلْ إِنِّي أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ أَيْضًا خَسَارَةً مِنْ أَجْلِ فَضْلِ مَعْرِفَةِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّي، الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ خَسِرْتُ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَأَنَا أَحْسِبُهَا نُفَايَةً لِكَيْ أَرْبَحَ الْمَسِيحَ "، تاجر شاطر، وهذا يا إخوتي ما يجيب على سؤال: كيف هو فرحان وهو في السجن ؟، كيف تكتب عن الفرح في السجن!!، يمكن أن نكتب عن الفرح في لحظات هدوء في أماكن خضرة أو شاطئ بحر، ولكن داخل السجن!! هذا هو العجب، ولكن هذا هو العجب الذي نناله في الإيمان بيسوع المسيح... وَأَنَا أَحْسِبُهَا نُفَايَةً، انتبه أنها ليس في الماضي ولكن دائمًا وباستمرار أحسب وأكون الكسبان مِنْ أَجْلِ فَضْلِ مَعْرِفَةِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ، الفعل هنا في أصله اليوناني في الماضي لكن مستمر مع الزمن، ويقول: " الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ خَسِرْتُ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَأَنَا أَحْسِبُهَا نُفَايَةً لِكَيْ أَرْبَحَ الْمَسِيحَ، وَأُوجَدَ فِيهِ، وَلَيْسَ لِي بِرِّي الَّذِي مِنَ النَّامُوسِ، بَلِ الَّذِي بِإِيمَانِ الْمَسِيحِ، الْبِرُّ الَّذِي مِنَ اللهِ بِالإِيمَان "، ليس إذًا البر من الناموس أو أنني عبراني أو فريسي أو.. كلا كل هذه الأشياء خارج القياس والحساب، الآن أوجد في الحياة الجديدة حياة الفرح، وكان الرسول بولس يكتب وهو متهلل بالفرح، وقال قبل أن يبدأ المقارنة: أَخِيرًا يَا إِخْوَتِي افْرَحُوا فِي الرَّبِّ، وهي مقدمة الإصحاح..  وعندما يقول: " نَفْتَخِرُ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، وَلاَ نَتَّكِلُ عَلَى الْجَسَدِ "، إياك أن تتكل على الجسد بأي صورة من الصور أو أي شكل من الأشكال، اتكالي وفرحي فقط ومعرفتي هي في شخص المسيح يسوع.بهذه الصورة الجميلة يصل بنا إلى الاختبار الحقيقي، وأنت تسأل كيف يكون بولس فرحان في السجن !!، فعندما نسمع عن ضيقات في العالم أو مثلًا في فترة انتشار الوباء بصورة كبيرة وإن كان لا زال موجود في بعض البلاد ويحتاج مننا الحرص الواجب، ولكن كيف يصاب الإنسان بالاكتئاب والقلق والهم ورغم ذلك أنت يا بولس فرحان في السجن !!.. احفظ معي آية ١٠ والتي يدلل بها عن الإجابة الحقيقية لسبب فرحه، واسمع معي اللهجة ويقول: " لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ " وهذه الآية رباعية التركيب، أي أنها مركبة من أربعة أجزاء مثل الصليب من أربعة أفرع، (لأَعْرِفَهُ) فيها كل اليقين وكل التأكيد، يعرف المسيح وقابله وجهًا لوجه، وبعد هذه المقابلة جلس فترة خلوة كإعداد للخدمة " لأَعْرِفَهُ " وهنا تأكيد قوي، وهذه المعرفة يا إخوتي ليست معرفة السمع ولكن معرفة شخصية، فإذا سألتني أننا نصلي كثيرًا ونصوم كثيرًا ونقرأ سير قديسين كثيرًا ونحيا في الإنجيل كثيرًا.. فما هذه كل الممارسات الروحية، فأجاوبك: كلها لها هدف واحد (لأَعْرِفَهُ)، حتى تزداد صلتك وثقتك في شخص السيد المسيح، وهذه المعرفة نسميها المعرفة الاختبارية، إنسان يختبر حضور المسيح معه، في مزمور الراعي لداود: " أَيْضًا إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا،(لماذا) لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي"، انتبه معي لهذا التعبير الجميل، حتى لو سرت في وادي ظل الموت في أي ضيق، حتى لو صرت في السجن لا أخاف شرًّا لأنك أنت معي، وهي هذه ما قاله بولس الرسول (لأَعْرِفَهُ)، وأريد أن أضع أمامك أن كل ما يعطيه العالم لنا لا يشبع نفوسنا أبدًا، لأننا سنأخذها ونستهلكها وتنتهي، أي شيء مادي أو معنوي يعطيه العالم للإنسان لا يُشبعه.. في أحد المرات كان شخص مدعو للكهنوت والخدمة وكان محبوب في عمله جدًا، وذهب لمديره في العمل ليقدم استقالته وأنه يستقيل لأنه سيصير كاهن في الكنيسة للخدمة، فظن المدير أن الكنيسة تقدم له عرضًا أفضل من مرتب هذا الشخص في العمل، وعندما سأله المدير هل المرتب أعلى فابتسم الشخص، وقال له المدير أننا سنرفع مرتبك أعلى من عرض الكنيسة لأنك مهم ومطلوب في العمل ولا نريد تركك، فشرح له هذا الشخص بلطف أنه ليس بسبب عرض الكنيسة بل على العكس عرض الكنيسة أقل، فتعجب المدير.. ولكن الأمر أن الإنسان في العالم نفسه لا ترتاح ولا تشبع، ولكن عندما يشعر بيد المسيح ومعرفة المسيح هي التي تعطيه شبعًا وتعطيه الرضا وشكل من راحة القلب من الداخل جدًا... من قصص الأطفال الحلوة، في يوم مطر شديد كان يعيش ولد صغير مع جدته وكانت فقيرة ويعيشون في كوخ بدون سقف، وأثناء المطر حملت الجدة باب الكوخ لتضعه على السقف ليقل دخول المطر، وقال الولد لجدته متسائلًا: والناس الذين لا يملكون باب ماذا سيفعلون في المطر؟، يشعر بالرضا والقناعة والاكتفاء بداخله، ويقول بولس الرسول هنا أن حاجة الإنسان في شبعه بالمسيح (لأَعْرِفَهُ)، وهذه المعرفة الاختبارية تأتي: أولًا بالصلوات ولهذا كنيستنا بها صلوات كثيرة جدًا، الصلوات القصيرة ( يا رب يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ )، والصلوات المتوسطة مثل الأجبية بالمزامير، والصلوات الطويلة مثل القداسات والعشيات والألحان والمدائح والترانيم كلها أشكال من الصلوات، ثانيًا بالإنجيل: ففي كل مرة تفتح الإنجيل تتقابل مع المسيح شخصيًّا فتعرفه أكثر، كما تتقابل مع شخص آخر وتقول له أعرفك من قبل وأعرف اسمك وقابلتك في مكان ووقت محدد وذلك (لأَعْرِفَهُ) لأعرفك بصلواتك وبإنجيلك وبالممارسة الروحية، الممارسة الروحية التي نمارسه من خلال الاعتراف والتناول والأسرار وهذا كله يساعدك (لأَعْرِفَهُ)، ولهذا لا تغيب عن معرفة المسيح، وحتى بولس الرسول يقولها بأسلوب رقيق: " مِنْ أَجْلِ فَضْلِ مَعْرِفَةِ الْمَسِيحِ "، قرَّب لمسيح باستمرار وكُن بجانبه واِعرفه، وتكلم معه وحاول أن تجده أثناء قراءة الإنجيل بين الكلمات المخطوطة أمامك.. " لأَعْرِفَهُ،(انتبه) وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ "، فإذا أردنا ترتيب كلمات الآية سنقول: شركة آلامه، متشبهًا بموته، وقوة قيامته، ولكن كلا بولس الرسول عمل تبديل لتلك الأركان الأربعة: (لأَعْرِفَهُ) ثم (وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ) مباشرة، قوة القيامة المجيدة التي نحتفل بها باستمرار ونحيا بها، أين شوكتك يا موت وأين غلبتك يا هاوية، ثم " وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ " شركة الآلام التي من أجلك نمات كل النهار، بولس الرسول وهو في السجن شركة آلام، كما تأملنا في الإصحاح الول في آية رقم ٢٩: " لأَنَّهُ قَدْ وُهِبَ لَكُمْ لأَجْلِ الْمَسِيحِ لاَ أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا أَنْ تَتَأَلَّمُوا لأَجْلِهِ " شركة الآلام، التألم مع المسيح، ثم يقول لنا " مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ " كأني بأموت مع المسيح في الخدمة، كما قال أحد القديسين: رائحة عرق الصلاة أزكى من كل البخور، كأنك تقف تصلي وعرقك في الصلاة والمطانيات فإن هذا العرق رائحته أجمل من رائحة البخور، لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ، لَعَلِّي أَبْلُغُ إِلَى قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ " لعلي أصِل، وهنا يتكلم عن شكل من أشكال لغة التواضع التي يمكن يحياها القديس في حياته، وبولس الرسول يكشف لنا السر، سر الفرح، وسر الفرح في الآية " لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ " كل شيء وأنا متذكر القيامة وأمام عيني القيامة، وكما نقول في أول كلمة في التسبحة: قوموا يا بني النور لنسبح رب القوات، بني النور بني القيامة لنسبح رب القوات، وهذا هو سر الفرح الذي يكشفه لنا بولس الرسول ويقول: " فَهذَا قَدْ حَسِبْتُهُ مِنْ أَجْلِ الْمَسِيحِ خَسَارَةً.  مِنْ أَجْلِ فَضْلِ مَعْرِفَةِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ ".
واختتم عظته أنه يعطينا مسيحنا أن نحيا في هذا الفرح ونتذوقه ونمارسه ونشعر به في حياتنا، وحالة الفرح واختبار الفرح الذي يقدمه بولس الرسول في هذه الرسالة نحياه ونفهمه، وأدعوكم دائمًا أن تقرأوا هذه الرسالة باستمرار لتستطيع أن تحيا هذا الفرح في حياتك
 

FB_IMG_1627518082856
FB_IMG_1627518082856