الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

سد النهضة.. الخيارات الفرنسية ترسم مسارات الأزمة بعد جلسة مجلس الأمن

سد النهضة
سد النهضة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بدأت إثيوبيا في شهر يوليو، عملية الملء الثاني لخزان سد النهضة، وقد رصدت مصادر مصرية زيادة ملحوظة في أعمال تعلية سد النهضة لكي يتماشى مع رغبة أديس أبابا في حجز 13 مليار متر مكعب، أي أكثر من ضعف ما تم احتجازه في عملية الملء الأولى.
وبعد الاستماع إلى سلسلة من التصريحات الاستفزازية التي أطلقها عدد من المسئولين الأثيوبيين تأكد تصميمهم على إتمام عملية الملء الثاني بأسرع وقت لفرض سياسة الأمر الواقع كحماية للسد حتى يصبح أي عمل عسكري مصري شبه مستحيل، بسبب الإخطار الجسيمة على السودان ومصر وأثيوبيا أيضا.
وبالرغم من كثافة الاحتجاجات والتحركات الدبلوماسية القوية التي تقوم بها القاهرة والخرطوم، معترضتان على الشروع بالمليء الثاني السد قبل التوصل إلى اتفاق ثلاثي دائم بين دولة المنبع ودول المصب حول إدارة عمليات تعبئة السد، بحيث لا تضر بنصيب الدولتين من مياه النيل. إلا أن إثيوبيا تنتهج أسلوب حوار الطرشان وتسعى جاهدة لمليء المرحلة الثانية وإرجاء المفاوضات إلى مرحلة ما بعد المليء مما يكشف عن سوء نية.
ولهذا أرسلت مصر إلى مجلس الأمن الدولي كآخر ورقة للحل السلمي، بعد أن استنفذت كافة السبل الدبلوماسية، وحذرت الخارجية المصرية من التداعيات الخطيرة، خصوصا وأن الوضع أصبح يشكل تهديدا وشيكا للسلم والأمن الدوليين، مؤيدة طلب السودان بعقد جلسة عاجلة بشأن سد النهضة التي أجلتها فرنسا ( رئيسة مجلس الأمن حاليا) إلى اليوم الخميس، ولكن إثيوبيا رافضة أصلًا طرح الأمر على مجلس الأمن، متمسكة بأن يكون الاتحاد الأفريقي هو الجهة الوحيدة لإدارة الحوار في هذه الأزمة، معتبرة أن القضية تخرج عن صلاحيات الأمم المتحدة، بل ورفضت مطالب دول صديقة عديدة بعدم البدء في المليء الثاني للسد.


موقف فرنسا رئيسة مجلس الأمن
تميل فرنسا إلى الشرعية الدولية وحقوق الشعوب وترفض المساس بأمن واستقرار الدول. ورغم أنها قادرة كرئيسة مجلس الأمن في دورته الحالية أن تفرض الحق المصري والسوداني على إثيوبيا لكنها فضلت لعب دور الحكم خصوصا وأنها تحبذ اللجوء إلى طاولة المفاوضات باعتبار أن الحوار أساس حل كل اختلافات قبل أن تنفجر إلى الصراعات، هذا نهج فرنسا منذ الجنرال شارل ديجول، ولهذا قد استاء بعض المصريين من الموقف الفرنسي حينما أعلن نيكولا دو ريفيير مندوب فرنسا الدائم في مجلس الأمن، أن كل ما يمكن أن يقوم به المجلس هو دعوة أطراف الأزمة للعودة إلى طاولة المفاوضات، خصوصا وأن مجلس الأمن يتمتع بالخبرة اللازمة لتحديد نصيب كل دولة من مياه النيل.
في الواقع جاءت هذه التصريحات بعد يومين من لقاء وزير الخارجية المصري سامح شكري بنظيره الفرنسي جان إيف لودريان،حيث كانت تطورات أزمة سد النهضة أحد الملفات الرئيسية في هذا اللقاء، وقد شرح وزيرنا الموقف المصري بكافة أبعاده وأن مصر ترى الزام محلس الأمن إلزام أطراف السد إلى إيجاد اتفاقية ملزمة خلال ستة أشهر.
لذلك تعي فرنسا بخطورة الوضع وحجم التهديدات التي يمكن أن تنفجر في المستقبل إلا لم يتم حل هذه المشكلة الخطيرة التي تمس أمن دولتي مصر والسودان عل السواء، كما أن فرنسا لا تقبل أن يتطور الوضع لصراع مسلح بين مصر وأثيوبيا.
لذلك تقف فرنسا على مسافة واحدة من الدول المتأثرة ببناء سد النهضة حتى تكون قادرة على لعب دور الحكم والقاضي والمراقب معا دون تحيز الا للقانون وحقوق الشعوب لهذا فإن فرنسا حريصة على أن تحافظ مصر على مصدرها الدائم للماء وتحرص على ألا يسيء السد إلى مصالح دول المصب في احتياجاتها من مياه النيل وفي الوقت نفسه لا يمكن لفرنسا أن تغض الطرف عن احتياجات إثيوبيا في توليد الطاقة كبرى ببناء أكبر سد في أفريقيا.

وفي اتصال لـ "البوابة نيوز" بوزارة الخارجية الفرنسية صرح مصدر دبلوماسي فرنسي لمندوب "البوابة نيوز" في باريس خالد سعد زغلول حول موقف فرنسا في هذا الشأن، بأن "فرنسا ترى بأن التفاوض هو السبيل الوحيد للتوصل إلى حل مرض للدول الثلاث، وقال إن الإدارة المنسقة لمياه النيل تعد في نظر فرنسا ضرورة حيوية لجميع البلدان التي يعبرها النهر ".

وتلجأ مصر لجميع دول العالم العظمى دائمة العضوية في مجلس الأمن لكن هل ستحسم الولايات المتحدة الأمريكية في عهد جان بايدن إشكالية السد الذي باركته إداراتها السابقة أم سيسعى بدوره لتضييع الوقت في مرحلة جد حاسمة، كما أن الأثيوبيين مطمئنين لاستبعاد جميع المسئولين المصريين المتكرر لأي تطور عسكري للأزمة، ونفي أي نية لدى القاهرة للجوء للقوة للحفاظ على نصيبها في مياه النيل وهذا ما صور لهم أوهامهم بأننا الأضعف وهم الأقوى ولهذا يتجاهلوا موقف القاهرة التفاوضي على الساحة الأفريقية والدولية ويجهلون أن طائرة رافال واحدة فقط قادرة على تسوية سد النهضة بالأرض ليكون أكبر مصدر للتراب في أفريقيا..تطير معها غباره وأحلام اديس ابابا واستثمارات الدول التي ساهمت فيه بالمليارات.

في الواقع نحن في مصر لسنا ضد تقدم الدول وحقها في إيجاد وسائل مستحدثة لإنتاج الطاقة الكهربائية لكن إثيوبيا لديها بالفعل نحو ستين سدا على النيل بالإضافة إلى أن هناك آلاف الطرق لإنتاج الكهرباء، منها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح إلخ.. فقد تكون التكنلوجية إحدى أدوات العصر العلمية لكن المياة هي مسألة حياة أو موت ولا يمكننا تجاهل هذه القضية الخبيثة التي كان القصد منها الاضرار بمصر والمساس بأمنها القومي وكان وراءها إسرائيل لاضعاف مصر ولهذا رفض كل حكام مصر مجرد التفكير في بناء هذا المشروع الذي نفذته إثيوبيا عام 2011 ؛ وهو العام الذي كانت مصر منشغلة بترتيب بيتها الأمني الداخلي بعد زلزال الربيع العربي ومحاربتها للإرهاب بعد زوال القوى المركزية آنذاك.
ويظهر سؤال يستمد قوته من واقع المرحلة الراهنة، هل ستفرض فرنسا الحقوق المصرية والسودانية الحيوية والمصيرية على الممارسات الإثيوبية وترجح كفة الدبلوماسية المصرية في الميزان العالمي حيث الساحة الدولية عازفة عن الضغط على إثيوبيا؟
سؤال آخر، هل ستسعى فرنسا لتفادي الحل العسكري الذي يشعل فتيله أديس أبابا كل يوم بتعنتها وإفشالها لكل المفاوضات والاتفاقيات السابقة؟.. هذا ما سنعرفه على ضوء معطيات جلسة مجلس الأمن الليلة وأن غدا لناظره قريب.