الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

جئت من زمن غير هذا!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كل يوم يزيد شعور الغربة بداخلي، غربة الزمان لا غربة المكان.. وأردد العبارة التي اخترتها بعد ٤ عقود عشتها وأنا أبحث عن صيغة تفاهم بيني وبين من حولي: جئت من زمن غير هذا.
جئت إلى هنا بالجسد كما نقل أولاد آدم جثمان أبيهم بعد الطوفان.. لكن روحي وعقلي ما زالا هناك.. حيث كان الحب وكانت الحياة ذات معنى وكان الناس ما زالوا ناس يمكنهم التفاهم والتواصل.. حيث كان الغباء جرما ومحرما وكانت العقول تنضح فكرا والقلوب تنضح حبا.. حيث كان بإمكانك أن تحلق كيفما تريد وأينما تحب دون أصفاد.. حيث كانت الأخلاق وكان الأخلاص يحكمان ولم تكن بعد سطوة المال قد استوحشت.. حيث كان الكبير كبيرا بعلمه وعقله وثقافته وليس برصيد حسابه.
جئت من هناك مرغما لخطأ لم ارتكبه لكن الحكم صدر عليا وعلى غيري بالانتقال إلى هذا الزمان ففشلت كل محاولات إيجاد صيغة تفاهم بيني وبين أهل الزمان.

ليس سخطا أتنكر لهذا الوقت ولكن تساؤلا ماذا لو ظللت هناك؟ ماذا لو عدت حيث أحب أن أكون!.

سئمت من الأحاديث الفارغة والأحلام المهدرة على درجات السلم.. سئمت من التزاحم والاقتتال على أرغفة الخبز.. سئمت من زوال الرغبة وانطفاء الأمل ومن تكرار نفث الرياح الضالة في شموع القلب.. تعبت من تحسس أثر الحلم في ليل لا ينتهى.. ومللت من آذان لا يبزغ بعده فجر.
عمر أعيشه في قائمة الانتظار على أمل أن ينادي الحظ على اسمي ولو خطأ لكن حتى الحظ يراوغ ويذهب لمن لا يستحق.
أشعر أحيانا أنني ربما أكون مخطئا فأفتش في الطرقات عن "زوربا" ذلك الأحمق الممتلئ بالحياة لكن حتى الحمقى هنا ليس بينهم ذلك الطائش.
ذلك الطائش الذي علمني هناك معنى الصلاة قبل أن يظهر هؤلاء الحنجوريين ويعلموا الناس أن يصلوا كشحاذين

زوربا الذي علمني أصلي كرجل
• بالحب .. أقف وكأن الله يسألني: ماذا فعلت منذ آخر صلاة صليتها لتصنع من لحمك روحًا؟.. فأقدم تقريري له فأقول: يارب أحببت فلانًا ومسحت على رأس ضعيف .. وحميت امرأة في أحضاني من الوحدة .. وابتسمت لعصفور وقف يغني لي على شرفتي .. وتنفست بعمق أمام سحابة جميلة تستحم في ضوء الشمس .. وأظل أقدم تقريري حتى يبتسم الرب.
- وإن ابتسم.
• نضحك ونتكلم كصديقين.
- ألا تطلب منه شيئًا.
• هو أكرم من أن أطلب منه .. طالما نظر فوجد حبًّا أعطى.
- وماذا تفعل عند الخوف؟
• أخاف ككل إنسان ولكن عندي يقين أن الحب يُذهب الخوف.

آه يا زوربا لو ترى ما نراه الآن..
أبدو كجسر شيد بغير إتقان أحدهم يعبرني فأتحطم وراءه.

أنا هنا يا "زوربا" فهل تسمعني؟ بالله عليك إن كنت تسمعني فقل لي كيف الخلاص؟.


كيف يمكن لأحد أن يكون سعيداً في هذا الجسد المسكين وفي هذا الخليط من الدماء والعظام والدماغ واللحم والمخاط والمني والعرق والدموع؟ كيف يمكن لأحد أن يكون سعيداً في هذا الجسد المحكوم بالحسد والكراهية والكذب والخوف والألم والجوع والعطش والمرض والشيخوخة والموت؟.

الأشياء كلها- النباتات والحشرات والوحوش والبشر- تتقدم نحو الفناء. انظر خلفك إلى أولئك الذين لم يعودوا موجودين وانظر أمامك إلى الذين لم يولدوا بعد، ينضج الناس مثل القمح ويتساقطون كالقمح وينبتون من جديد. المحيطات التي لا حدود لها تجف والجبال تمحى. يرتعش نجم القطب والآلهة تتلاشى.

أجب يا "زوربا" هل ذلك السؤال الذي تركه "درويش" ومضى دون إجابة:"ماذا جنينا يا أماه حتى نموت مرتين.. فمرة نموت في الحياة.. ومرة نموت عند الموت.

ها أنا أتذكركم جميعا يا رفاق الزمن الآخر وأشارك" دييكو فرازاو توركاتو" المقطوعة الموسيقية المفضلة لمعلمه على قبره..وأقول جملتي الدائمة: جئت من زمن غير هذا.