الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

مفكرون خالدون| علي مبروك ونزع أقنعة القداسة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
للدكتور على مبروك الكثير من الآراء الجديرة بالالتفات والمناقشة؛ حيث يرى أن العقل العربي الراهن يعيش أزمات اقتصادية وسياسية وثقافية لكونه عقلًا غير فاعل، وعاجزًا عن إبداع حلول لمشكلات واقعه‏، كما أن الفكر العربي صار ناقلا مقلدا مكررا بغير فهم لأفكار السلف‏،‏ فلم يأتِّ بحلول جديدة لمشكلات واقعنا العصري‏،‏ وهو ما يتطلب تغيير البنية العقلية لثقافة المجتمع من خلال وسائل إعلامية وتعليمية جديدة‏.
كما تميز مبروك بما يعرف بـ«نقد النقد»، إذ قدم مراجعات وملاحظات على مشروعات نظرائه على طريق الفكر، ورؤيتها في إطار نقدي، اجتهد خلاله في كشف التناقضات والتباينات الفكرية في التراث والمشروعات الفكرية التي تناولته بالنقد والتحليل.
في كتابه «ثورات العرب»، قال إنه "من الضروري ترسيخ خطاب التأسيس للحداثة العربية الذى يبدأ بقراءة وإدراك الواقع وتجنب التعميم والتلفيق ومعالجة الانقسام الذى تعيشه الدول العربية وخاصة مصر، وضرورة التحرر ليس برفض الدين أو الحداثة بل بتجاوز «خطاب القوة» الذى استبد بهما والانتقال إلى «خطاب الحق» الذى جرى تغييبه عنهما".
وأكد، أن تجديد الخطاب الديني هو إصلاح الفكر الديني، أي المنتج البشري لفهم الدين والنصوص، الذي قد يكون صحيحًا أو تشوبه أخطاء‏.
وعن كتابه "الخطاب السياسي الأشعري" والذي طرح فيه الكثير من الأسئلة على العقل العربي يقول: "كيف يتحكم فينا التراث لهذا المدى العميق؟ كيف يحتل، وبقوة، الوعي الجمعي العربي/المسلم للدرجة التي يبدو معها وكأن هذا التراث هو أمر "طبيعي"، أمر كوني لا نملك سوى أن نسير وفقًا لصيرورته، لا نملك سوى الانقياد خلفه، فلا شيء وراء هذا التراث المهيمن ولا ثقافة غيره... إن ما نفعله حتى الآن ليس إلا العيش على محض الأماني أملًا في تجاوز ما نحن فيه من استبداد دون أن ندرك أن بنية الاستبداد عندنا تتجاوز المستبدين كأشخاص لتصل للاستبداد كأساس في الثقافة التي هيمنت ورسخت طوال قرون من التاريخ العربي الإسلامي؛ فـ "إذ هو الانتقال - ابتداءً من أن كل ممارسة تكون مشروطة بخطابٍ يؤسس ويوجه - من عالم الممارسة إلى نظام المعنى والخطاب، فإن التعاطي مع ظاهرة الاستبداد لا بد أن يتجاوز مجرد السعي إلى إزاحة سلالة المستبدين، رغم الأهمية القصوى لذلك، إلى إزاحة الثقافة التي تنتج الاستبداد، فتنتجهم. وهنا يلزم التنويه بأن إزاحة ثقافة ما، لا يعني أكثر من أن تصبح موضوعًا لهيمنة الوعي، على نحو يقدر معه على تجاوزها، وذلك بدل أن يكون هذا الوعي هو الموضوع لهيمنتها، فتبقى مؤبدة التأثير والحضور".. ص: ١٣١.
ومن هنا فالاستبداد "راسخ" في تراثنا الذي هيمن، وبالتالي فهو راسخ في وعينا الذي يبدو أنه قد اكتفى بالنقل والترديد والافتخار بالمقدرة على الحفظ دون أي محاولة لإعمال العقل أو للفهم.
والحق أن "تفكيكًا لظاهرة الاستبداد العربي لا يمكن أن يتحقق خارج فضاء الأشعرية، كخطاب وثقافة، وليس كمذهب وعقيدة"... ص: ١٣١.
من هنا تأتي أهمية هذا الكتاب، وهو كتاب قليل في عدد صفحاته - ١٣٢ ورقة تقريبًا - لكنه يجعل أعصابك ملتهبة من فرط الغضب حينما تدرك - بطريق معرفي - أن الاستبداد يستقر في الخطابات التي كُتبَ لها أن تتسيد فضاء الثقافة الإسلامية/ العربية.. عن الكيفية التي تم التعامل بها مع السياسة المستبدة على أنها شأن "طبيعي" لا راد لها ولا أمل ولا نجاة حينما تثور ضدها... عن مسار العلاقة بين الديني والسياسي في الإسلام والمقارنة بينه وبين الوضع في المسيحية... عن الكيفية التي صار بها الديني قناعًا للسياسي أو عن الكيفية التي أصبح الله بها (قناعًا) للسلطان المستبد.
وفي كتابه "لاهوت الاستبداد" يستعرض مبروك في بداية كتابه الصراع الدائم في الحضارة العربية بين “العقل” و“النقل” في إطار المدارس الفكرية، أو الكلامية العربية بداية من المعتزلة والأشاعرة، تلك الثنائية التي أنتجت ثنائيات متعددة في إطار هذا الصراع والتي يتمثل بعضها في ثنائية الإنسان كفاعل ومسئول عن أفعاله والإنسان كمفعول به، أو بين الإنسان الحر المسئول عن حريته واختياره، وبين الإنسان المجبر الخانع المستكين، وتلك الثنائيات لا تبتعد كثيرا عن علاقة الإنسان بالحاكم فالخليفة أو الإمام أو الملك، أيا كان المسمى في الفريق الأول "النقل"، هو ظل الله في الأرض لا يجب الخروج عليه فهو ممثل السلطة الدينية والزمنية في نفس الوقت، أما الفريق الثاني فالإمام لديه بشر يصيب ويخطئ ويحاسب إن أخطأ، وإن كان ظالما يجب الخروج عليه، تلك الجدلية التي تجسدت في صراعات كثيرة في الحضارة العربية، ويلخصها على مبروك في مفتتح كتابه.
ويؤكد مبروك ارتباط “اللاهوت” “بالناسوت”، حيث إنه عند دعاة النقل أنفسهم فإنه لا قول في “الغائب” إلا قياسا على "الشاهد” وبالتالي فإن الاختلاف في صفة الله وفعله لا يمكن أن يكون ناشئا عن معاينتهم لله، بل إنه ناشئ عن التباين بينهم حول الإنسان والعالم المتعين؛ فيقول على مبروك: “رغم إن اللاهوت يقصد وبالأساس إلى بناء تصور لله يحوز فيه كل صفات الإطلاق والتعالي والجلال، فإنه – ولكونه يبقى في العمق خطابا بشريا حول الله – يظل مسكونا بكل ضروب التحيزات والتحديدات التي ينطوي عليها عالم البشر.