الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

إميل حبيبي.. سيرة الطفل المتشائل

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في قرية قريبة من حيفا؛ ولعائلة بروتستانتية، ولد الروائي والسياسي الفلسطيني الكبير إميل حبيبي، في 29 من أغسطس للعام 1921، بينما رحل عن عالمنا بـ"الناصرة" في 2 مايو للعام 1996، حيث يحتفي الوسط الثقافي بذكرى رحيله من خلال ما قدمه في رحلته الأدبية والسياسية.
انشغل "حبيبي" بالكتابة عن الجو العام للمواطن العربي، دون أن يكون طبقيا أو طائفيا، لذا نجده يقول عن كتابته المتعلقة بالجوانب الدينية للشخصيات الأدبية التي خلقها داخل عمله الفني القصصي: "أنا أشعر بالغيرة من تجارب تنعكس في كتابات العديد من أصدقائي الذين يعرفون حياة القرية، والعائلة العربية بالتفصيل، وهي تقاليد إسلامية. ولذلك، ترى أنني في أعمالي الأدبية أشير إلى هذه التقاليد. ويؤسفني جدًا أن أشعر بأنني مقيّد. فلو عشت في بيئة إسلامية لاستطعت أن أقدم أكثر. وهذا حنا مينه أنا أراه شجاعًا لأنه يكتب عن شخصية مسيحية كاملة، أنا لا أسمح لنفسي بهذا. فدين الأبطال في قصصي إما أن يكون مسلمًا أو لا تجري الإشارة إليه. لذلك، فإن أغلب شخصياتي إما غير معروفة الطائفة أو الدين أو تتهكم عليه. وأنا لا أشعر أن بنيتي المسيحية هي معوق بالنسبة لي، فطموحي هو أن أكتب عن الأمر المميز لهذا الشعب، عن العام، وأنا أعتبر العام إسلاميا".
السطوة الثقافية والخروج منها
في العام 1940 انضم "حبيبي" إلى الحزب الشيوعي الفلسطيني، وعمل مذيعا بمحطة إذاعة القدس ثم عاد ليقدم استقالته من العمل بعد ثلاث سنوات ليتفرغ للعمل الحزبي في حيفا، كما انضم لرابطة المثقفين العرب وساهم في مجلتها الصادرة باسم "الغد".
أسس "عصبة التحرر الوطني في فلسطين" وساهم في إصدار مجلتها "الاتحاد"، وفي العام 1946 أسس مجلة أسبوعية باسم "المهماز" لاقت انتشارا واسعا في فلسطين والأردن والعراق، لكنها لم تعمر طويلا، كما أن إنتاجه الأدبي المنشور بها ضاع ولم يصل "حبيبي" فيما بعد.
ويبدو اهتمام حبيبي بالمجلات نابعا من سيطرة الثقافة المصرية على المشهد، حيث شعر بندرة نمو المشهد الفلسطيني الأدبي، وهو ماقاله فيما بعد: "لقد أصبح معروفًا لدى الباحثين في تاريخ الأدب الفلسطيني، أن الأدب الوارد من مصر في ذاك الحين، أثر تأثيرًا سلبيًا على نمو الأدب الفلسطيني بشكل طبيعي، من حيث إنه ضيّقَ الخناق على الأدباء الفلسطينيين الذي كان عليهم إما النشر في الصحف والمجلات المصرية أو الاكتفاء بما تيسر من وسائل نشر بدائية، لم تكن قادرةً على منافسة المجلات المصرية".
"باق في حيفا".. النكبة والشتات الفلسطيني
بعد وقوع النكبة الفلسطينية في العام 1948، تمكن "حبيبي" من الانتقال بين عدة مدن، من "رام الله" حيث يقيم إلى "حيفا" التي احتلتها إسرائيل، حيث ظل منشغلا طوال هذه الفترة بإقناع العرب بالبقاء في منازلهم وعدم تركها، ثم إقناع البقية التي بقت في المناطق العربية المحتلة بالانضمام للحزب الشيوعي الإسرائيلي.
حكى الشاعر والكاتب الفلسطيني غسان زقطان بعض تفاصيل لقاءه الأول بـ"إميل حبيبي"، عندما كان زقطان رئيسا لوفد منظمة التحرير الفلسطينية لمؤتمر مثقفي آسيا في مدينة «عشق آباد» عاصمة الجمهورية السوفياتية تركمانيا عام 1989.
يصف "زقطان" الروائي "حبيبي" بـ"أحد أجمل الرواة الذين يمكن بضربة حظ أن تستمع لهم، كان منجمًا صافيًا من الحكايات، كان كريمًا في حكاياته وبسيطًا وساخرًا".
ويكمل زقطان: من تلك الحكايات كنت أفضل حادثة عودته إلى بيته خلال معارك حيفا عام 48، كان ضمن مجموعات من الشباب العرب واليهود التي نظمها الحزب الشيوعي لحماية بيوت العرب من النهب والسرقة والمصادرة، وهي الحكاية التي رواها في الفيلم الوثائقي «عائد إلى حيفا».
يقول: عدت منهكًا تمامًا، كانت أحياء حيفا تسقط تباعًا، وكانت هناك موجة من النهب والسرقة تتبع سقوط كل حي، كانوا يحتلون البيوت المتروكة أو التي قتل أصحابها، وكانت مهمتنا إقناع العرب بالبقاء وحماية البيوت من النهب، ومن استيلاء المهاجرين اليهود عليها، كان بيتي مضاء واستطعت أن أتبين شبحًا يتجول بين الغرف، كان مهاجرًا يهوديًا في الثلاثينيات، قرر الاستيلاء على البيت، وكان قد وضع حقيبته على مقعد في الصالة، ويتأمل صور العائلة المعلقة على الجدار، جلس قرب حقيبته وجلست قبالته تمامًا، كنت أحدق في عينيه، لم نتبادل الحديث، واصلت التحديق بعينيه حتى منتصف الليل عندما نهض وغادر".
ويعلق "حبيبي" على أحداث تلك الفترة قائلا: "منذ اليوم الأول لاندلاع القتال في فلسطين، جرّبنا أن نقنع الناس بعدم ترك بيوتهم وقراهم ومدنهم، بواسطة النشر والدعاية ومن خلال العمل الفعلي في لجان أحياء. غير أن المؤامرة كانت أكبر منّا بكثير. وأجد أنه من الضروري تحديد دور المسؤولين عن هذه الكارثة. فالإعلام الصهيوني يدعي أن عرب فلسطين تركوا بلادهم بمحض اختيارهم أو تلبية لنداء القيادة القومية الفلسطينية، وقيادة الدول العربية، وهذا ليس صحيحًا. والإعلام الصهيوني يناقض نفسه بنفسه في هذا المجال".
النكسة.. اكتشاف العالم العربي لكتابات جيل إميل حبيبي
في أعقاب نكسة يونيو العام 1967 انقلبت حياة الوطن العربي بأكلمه، وشاعت حالة من البؤس والكآبة سيطرت على كل مواطن عربي، في الوقت نفسه اندهش جمهور وقراء الأدب بجيل فلسطيني جديد من بينهم إميل حبيبي، وتساءل النقاد عن أسباب ذلك الانبهار الفوجائي، لكن "حبيبي" أرجع ذلك إلى كون حالة الانكسار جعلت العربي يلتفت باهتمام لهذه الفئة التي قاومت العدو وظلت صامدة وباقية ضد انتصاره وسيطرته..
أصدر "حبيبي" روايته "سداسية الأيام الستة" وروايته المشهورة "الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل"، ورواية "لكع بن لكع، ثلاث جلسات أمام صندوق العجب". ورواية "إخطية". ورواية "سرايا بنت الغول". ورواية "نحو عالم بلا أقفاص".
رحل السياسي والأديب الفلسطيني في "الناصرة" ودفن في حيفا بناء على رغبته في العام 1996 حيث كُتب على شاهد القبر "باق في حيفا"..