الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الظاهرة والاستثناء في مجلس جامعة القاهرة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كان من قبيل المصادفة أن أنهيَ رئيس جامعة القاهرة أ.د. محمد الخشت جلسة المجلس وبنود جدول الأعمال، وانصرف إلى مكتبه لمتابعة أعماله الإدارية، وإذا بالنواب الثلاثة يطالبون السادة العمداء بالاستمرار في الجلسة خارج جدول الأعمال، ليطرحوا آراءهم في تقديم التماس لرئيس الجامعة حتى يتقدم بالترشح لفترة ثانية، يستكمل فيها ما بدأه من مشروعات في كل القطاعات الطبية والهندسية والزراعية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية....
وأتاح النواب للسادة العمداء أن يتحدثوا بشكل ودي غير رسمي، وغير مسجل عما يدور في ضمائرهم تجاه رئيس الجامعة الغائب عن القاعة والمنصة الآن، وتحدث العمداء كلهم تقريباً أحاديث صادقة، وقدموا شهادات دقيقة، فلم يذكر واحد منهم موقفاً سلبياً لرئيس الجامعة في أمور كليته، فبدت صورة رئيس الجامعة -حقيقةً-مشرّفة بكل المقاييس، تبدأ من قدرته على التعامل مع كل تلك القطاعات والكلمات على قدم المساواة، حتى هيمن أداؤه على ضمائر كل العمداء الذين راحوا يتحدثون بلغة واحدة ومفاهيم متجانسة، ومواقف متشابهة تعكس فكرة الإدارة بالقدوة، والإدارة بالأهداف معاً، مع تأكيد ثقافة الفعل والإنجاز حيث تكشفت الحقائق، وبانت الأشياء من واقع ثقافة العطاء المتدفق في كل المجالات مع تحقيق مطالب العدالة التي انطلق منها رئيس الجامعة حتى استطاع أن يقارب بين الفرقاء في التخصُّصات العلمية المتباينة، وعندها تحولت الجامعة على يديه إلى بوتقة واحدة؛ منطلقها الالتفاف حول المصلحة الوطنية العليا، والأداء الراقي المنضبط، مع البحث عن التميز والتفرد والابتكار، مما انعكس منه جانب في خُطى جامعة الجيل الثالث وتقدمها في كل تصنيف دولي جديد على الرغم من التحديات التي تتصدرها كثرة أعداد طلابها التي قاربت ربع مليون طالب.
والحق أن رئيس الجامعة بدا - بالفعل- ظاهرةً واستثناءً معاً، منذ تمثًل أدوار العمداء وفهمها ووعاها، حتى إذا حدثك عن كلية الطب، أو طب الأسنان، أو الصيدلة شعرت أنه واحد من أبناء القطاع الطبي بكل مفاهيمه ومصطلحاته وبرامجه وأهدافه ولوائحه وخططه ورؤاه المستقبلية التي تتغياّها الكلية والقطاع.
وإذا ما تحدث عن القطاع الهندسي في كليات الهندسة، أو الحاسبات، أو الإحصاء، أو التخطيط العمراني حسبته واحداً من هؤلاء من أهل الخبرة وذوي الاختصاص بمنتهى الدقة والموسوعية، فإذا انتقل إلى التجارة أو الاقتصاد أو التربية والعلوم الإنسانية وجدت الرؤية التخصصية ماثلة في فكره، شاخصة في مستويات أدائه حتى إذا جاء إلى تخصصه الدقيق في فلسفة الأديان بانت منه وتجلت لديه الوسطية وراق له الاعتدال، وضمانات الأمن الفكري والتوازن الإنساني في البحث عن الحقيقة عبر منهج عقلاني صافٍ لا يعرف الشطط، ولا يشوبه التطرف هنا أو هناك؛ بقدر ما يسعى – دائماً - إلى احترام الثوابت والمقدسات الدينية مع استمرار باب الاجتهاد في إعمال العقل الفلسفي في استكناه ما وراء الأشياء من دلالات وشواهد تتجاوز الأوهام والأساطير والخرافات والعشوائية إلى حيث تكون صرامة المنهج العلمي الدقيق، وصراحة التفكير النقدي الواعي، ذلك الذي انطلق منه عبر مشروعه المتميز حول(تطوير العقل المصري) دون مصادرة على فكر الآخر، أو ادعاء امتلاك حقيقة مطلقة، بقدر تعددية الصواب وقبول لغة الحوار، ودعم صيغ التلاقي والتفاعل.
جاء حديث العمداء وكأنما اتفقوا على ما طرحه كل منهم، وهو ينطلق بشكل عفوي تلقائي مرتجل، بعيداً عن إمكانية الإعداد أو التجهيز المسبق، فكانت كلمتهم صادقة بعيداً عن المواجهة أو المجاملة في لحظة الصدق مع الذات والمؤسسة معاً، والانطلاق من صفاء النفس ونقاء الضمير، وكأنهم جميعاً رجل واحد أو عميد واحد ينطبق عليه شعار (الكل في واحد)، وهو الشعار الذي اتخذه توفيق الحكيم في روايته المائزة (عودة الروح) حيث راق له أن يطلق على الأسرة المصرية لقب (الشعب) على اختلاف أفرادها وطبقاتهم.. بمثل ذلك صدحت قاعة الاحتفالات الكبرى بالجامعة بنفس الشعار، وانطلق عمداؤها يتحدثون عن رئيسها بصوت واحد، ولغة متجانسة، وقياس مشترك محوره الدفء الجامعي، وأصالة الأسرة الجامعية حين تلتف نحو قيادة واعية وواعدة في آن؛ كانت واعية بكل ما حول مشروعات الجامعة من حيثيات ومقدرات وأهداف وغايات، وكذا تظل واعدة بجني ثمار تلك المشروعات خلال الأعوام القادمة - بإذن الله - مع استكمال ما كان قد توقّف منها عبر سنوات مضت.
من هنا انطلق الضمير الجمعي تحت القبة عبر العقل والوجدان معاً، يذكر حسنات القيادة التي حققت للأسرة الجامعية تكاتفها وتضامنها عبر مستويات لا تنسى من الرضا الوظيفي على المستويات الصحية والتعليمية والبحثية والإدارية والإنسانية والفكرية والتنويرية لكل فئات المجتمع الجامعي بين أساتذة وعاملين وهيئة معاونة وطلاب، مما دعا الجميع إلى التقارب في الأفكار، وعرض الآراء بموضوعية وحياد تام من خلال الشواهد والمواقف والأدلة والحجج والبراهين، حتى تحولت القاعة - بحق- إلى مظاهرة حب تاريخية بين رئاسة الجامعة وعماداتها، لا سيما في غياب رئيس الجامعة، وعدم وجود أي توثيق لأحداث القاعة بما قد ينبئ عن أي من صور المراءاة أو المجاملة إزاء كلمة حق في حق الرجل حيث هتف بها الضمير الجمعي مدوياً في شهادات صريحة لوجه الله والتاريخ، تقديراً لما بذله رئيس الجامعة من جهود وطنية مخلصة وقيادية أصيلة لإيجاد طبعة جديدة عصرية من جامعة القاهرة تتسق مع طبيعة المرحلة وإيقاع الفترة ورؤى المستقبل، وقد تحقق منها الكثير ، وبقى ما يستحق سنوات أخرى تستكمل فيها المشروعات الكبرى، أو تتحقق خلالها الآمال والطموحات بنفس وتيرة الأداء التي لم تعرف الملل أو الكلال.
هكذا انطلقت مسيرة الجامعة الأم في مواجهة الصعاب والتحديات، وأوشكت سفينة النجاة على الاقتراب من شاطئ التقدم والازدهار، وبقي الزمن في حاجة إلى المزيد من سنوات الكد والعطاء الذي يبذله كل مسؤول يقدر حجم المسئولية الملقاة على كاهله، على حساب صحته وأسرته ومصالحه العلمية التي سرعان ما تُنسى وتنصهر في مسار تحقيق الصالح العام، وتلبية حاجات الناس بصدق واقتدار.
أراد أعضاء المجلس التعبير عن مواقفهم الصادقة من خلال بيان إعلامي يطلبون فيه من رئيس الجامعة بأن يتقدم للترشح للدورة الثانية، استشعاراً منهم لضرورة اكتمال مشروعاته التي تفيد منها كل الكليات والتخصصات بلا استثناء.
تحول عطاء رئيس الجامعة -بهذه الصورة- إلى ظاهرة استثنائية رصدها بيان العمداء مع طلبهم بأن يكتب كل منهم في صفحات موجزة رؤاه وأفكاره التي طرحها شفاهاً في القاعة الكبرى لتظل الوثيقة شاهداً على طبيعة عطاء الرجل مع أسرة الجامعة في سياق هذا التآلف، وذلك التضامن الذي يظل من خلاله علامة مضيئة في سماء جامعة القاهرة.

وجاء نص بيان مجلس جامعة القاهرة كاشفاً عن صورة التماس العمداء بناء على ما شهدته الجامعة الأم من تطوير وتحديث وابتكار وتجديد في كل قطاعاتها من العلوم الإنسانية والاجتماعية والطبية والهندسية والزراعية والاقتصادية والفكرية على مدار أربع سنوات، قفزت فيها الجامعة في التصنيفات الدولية بشكل مطّرد وملموح، وحققت إنجازات وطنية وبحثية وتعليمية ملموسة، تجلّى بعضها في أداء جامعة الجيل الثالث، والمشاركة في ملحمة البناء الوطني والمشروعات القومية الشاملة، مع جهود جادة في خدمة المجتمع وتنمية البيئة، إلى جانب دورها المتجدد في مسار البحث العلمي، ومواجهة أخطار جائحة كورونا مع مواجهة تحديات المرحلة بكل صورها.
اتسع عطاء الجامعة عبر الدور القومي الأوسع في تفعيل اتفاقياتها مع جامعات العالم، والتوجه لدراسة العلوم البينية التي تثرى العلوم المتخصصة، مع توسيع مدى المشاركات والتفاعل مع الجامعات العربية المختلفة.
وهكذا أكدت جامعة القاهرة ريادتها من خلال ثقافة الفعل والإنجاز بديلاً عن ثقافة القول والتوصيات، فكان لها النصيب الأَوفْى من إنجاز المشروعات المؤجلة من زمن مضى، لاسيما في تطوير المستشفيات الجامعية وغيرها من مشروعات ضخمه ... تضّمنها كتاب إنجازات جامعة القاهرة 2019-2020 ، وكذا ما صدر عن مطبعة الجامعة من خلال ثلاثة وعشرين كتابا تحكى فصولا من الطبائع النوعية للعطاء الحضاري المعاصر للجامعة، وتحقق المتاح والممكن من رؤاها المستقبلية حول قضايا التجديد في مستويات الخطاب الفكري، وتحويل منطق الأطروحات النظرية في مسارات التنوير إلى حيز التطبيق على غرار متطلب الجامعة في مقرري التفكير النقدي وريادة الأعمال..
وتقديرا من أعضاء مجلس الجامعة لكل ما قدمه رئيسها أ.د. محمد عثمان الخشت من إنجازات توجه المجلس لسيادته بهذا البيان راجياً منه التقدم للدورة التالية، حتى يتوج ما بدأه من مشروعات، وتسعد الجامعة بثمار تلك الجهود الجبارة التي بذلها في سبيل النهوض بها، والارتقاء بأدوارها التعليمية والبحثية والمجتمعية والوطنية والقومية بكل التجرد والموضوعية عبر سياسات اللامركزية، والباب المفتوح، مع التوسع في أفرع الجامعة والمنشآت، والإسكان الاجتماعي ومبادرات التثقيف الطلابي التي انطلقت من برنامج تطوير العقل المصري، مع نجاحات برامج قادة المستقبل، والصالون الثقافي، ومنتدى لطفى السيد، ومشروع الكفاءة اللغوية ومفوضية الجامعة للنهوض باللغة العربية.
وقياساً على كل ذلك تجلى دور الجامعة في الارتقاء بالبحث العلمي والنشر الدولي، مع استثماره في مشروعات التنمية الشاملة للوطن، ومع دعم المشروعات الابتكارية وبراءات الاختراع والمشاركة في المبادرات الرئاسية والعربية والإفريقية والتعاون الدولي، وتطوير منظومة العملية التعليمية، وإنشاء كليات وبرامج لوظائف المستقبل، وتجديد طرق واستراتيجيات التعلم ومناهج التفكير..
التفاصيل كثيرة كثرة المشروعات الكبرى التي بدت متعددة وثرية ثراء الفكر المحرك للمؤسسة العريقة المتجددة نحو تحقيق إنجاز أفضل ومستقبل آمن ومشرق، مع تقدم متوقع يستدعى موافقة أ.د. محمد الخشت رئيس الجامعة على ما ورد في هذا البيان لعله يتقدم بالترشيح للدورة الثانية حتى يستكمل مسيرة العطاء والتجديد والابتكار خلالها، داعين الله لسيادته بدوام السداد، وموصول العطاء، وموفور التوفيق على طريق الخير والحق دائما بإذن الله.
ملحوظة :
(هذه المساحة الأخيرة مقتبسة من بيان مجلس الجامعة الذي تزاحم السادة العمداء على توقيعه، وأعلنوا رغبتهم في إعداد كتيب يتضمن كلماتهم وشهادتهم التاريخية.)
*نائب رئيس الجامعة الأسبق

نائب رئيس الجامعة الأسبق