الأربعاء 22 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

رسالة من أجزاء إلى المشير السيسي ( 4 )

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
** واستكمالا للرسالة - والحديث عن الحاضر وظروفه وأحداثه ومتطلباته وضرورياته - ولأنني مؤمنة ومولعة بربط الحاضر بالتاريخ ولا أجد أيّة غضاضة في استعادة التاريخ والاستفادة من تجاربه الناجحة التي تتشابه - وتكاد تتماثل - مع الظروف الآنية، فسوف أعود إلى تلك الفترة من التاريخ، والتي حددت فيها مصر استراتيجيتها في ثلاث دوائر، وهي: الدائرة العربية، الدائرة الإفريقية والدائرة الإسلامية، وسوف أتوقف هنا عند الدائرة الإفريقية، وكيف نظرت "مصر عبد الناصر" آنذاك إلى أهمية التواجد المؤثر لمصر داخل القارة الإفريقية، وإلى حتمية مدّ جسور الثقة والتعاون بين مصر والبلدان الإفريقية، عوضاً عن تركها لترتمي بين أحضان العدو الصهيوني المتربص بها والطامع فيها، والذي يجدها منطقة الضعف الأساسية التي يمكن من خلالها ضرب مصر - البلد العربي الأم - وضرب المنطقة العربية بأكملها.
** بعد ثورة 23 يوليو 1952 - ومنذ بداية تولّي جمال عبد الناصر رئاسة مصر - ومصر تتعامل على أنها جزء من القارة الإفريقية، وتنظر إلى أن مد جسور التعاون بين مصر والبلدان الإفريقية ليس من منطلق الوصاية، ولا طمعاً في هيمنة أو سيطرة، بل كان التعامل - وكانت النظرة إلى العلاقات بين مصر ومحيطها الإفريقي - على أنها من الثوابت الوطنية، فمنذ البداية اتخذت مصر قرارها بدعم حركات التحرر الوطني الإفريقية، ودعمت هذه الحركات دعما سياسيا ودعما بالسلاح والأموال، وامتد الدعم المصري لحركات التحرر في شرق إفريقيا - حيث الصومال وأوغندا وكينيا وتنزانيا - وصولاً إلى غرب إفريقيا ووسطها وجنوبها، إلى حيث الكونغو وغينيا وغانا ونيجيريا، كما دعمت مصر الدول الحاصلة على استقلالها ضد الحركات الانفصالية التي أرادت إعادة سيطرة الاستعمار من جديد كما حدث في الكونغو ونيجيريا. 
** ومنذ البدايات ومصر ترصد المطامع الاستعمارية الغربية في جنوب السودان، والمحاولات البريطانية لفصله عن شماله، ووقفت مصر وقفة عظيمة وحاسمة لمنع هذا الخطر، واغلقت الطريق أمام الحجج البريطانية ومنحت السودان الحكم الذاتي، وأصبح السودان بلداً عربياً إفريقياً حرّاً مستقلاًّ واحداً، لكن مصر لم تترك السودان العربي وحيدا لمطامع الصهيونية، لكنها حرصت على القيام بدورها الإيجابي داخل السودان، حرصت على أن تقيم البعثات التعليمية المصرية داخل السودان وأن تتحمل مصر تماماً جميع النفقات وبشكل كامل، فأنشأت المدارس في مختلف المراحل التعليمية، وفتحت  فرعاً لجامعة القاهرة في الخرطوم وأمدته بالأساتذة  في جميع التخصصات، ليتلقى معظم أبناء السودان الشقيق تعليمهم المجاني  في مدارس مصرية وكليات مصرية، يتلقون العلم من أساتذة ومعلمي مصر منذ الابتدائية وحتى التخرج في الجامعة.
** وفي السودان - في الخرطوم وفي جبل الأولياء، وفي الجنوب في ملكال - يكون لتفتيش الري المصري دوره البارز والعظيم في العديد من مجالات ومشروعات الري ومياه النيل والكهرباء والسدود، تحت قيادة وإشراف وتنفيذ أسطول كبير من مهندسي الري المصريين، بالإضافة إلى الآلاف من أبناء السودان الذين التحقوا بالعمل فيه.
** كما حرصت مصر على إرسال البعثات الدينية إلى جنوب السودان والتواجد الدائم لهذه البعثات هناك، وعملت على ترسيخ وتقوية دور الأزهر الشريف هناك، وكان هذا يتم بمتابعة دقيقة من جمال عبد الناصر نفسه، وذلك تصدّياً للبعثات التبشيرية التي كان يرسلها ويكثّف من تواجدها ويموّلها الغرب الاستعماري في جنوب السودان كخطوات تمهيدية لعملية انسلاخ جنوب السودان عن عروبته ودياناته الأصيلة، ليصبح أداة طيّعة يسهل التأثير فيها لحظة أن يقرر الغرب الصهيوني الطامع تنفيذ مخططه في تمزيق السودان وتقسيمه إلى شمال وجنوب، وبالفعل أتت اللحظة وتمزق السودان وانفصل جنوبه عن شماله - بعد ان انسحبت مصر منه - وبعد أن نسيت "مصر مبارك" تماماً دورها الحتمي في السودان وتركت جنوبه فريسة بين أنياب الصهيونية تنهشه وتمتص ثرواته التي لا تُعدّ ولا تُحصى. 
** وهي نفس الخطيئة التي ارتكبتها مصر - بعد رحيل جمال عبد الناصر - مع بقية دول القارة الإفريقية، فمصر كان لها دور كبير داخل إفريقيا على الصعيد الديني من خلال الأزهر الشريف وبمتابعة دقيقة من جمال عبد الناصر نفسه، عبر تكليفه للوزير محمد فائق لمتابعة هذا الملف المتكامل، ومنه ما يتعلق بالمحاولات التبشيرية التي يقوم بها الغرب داخل إفريقيا، وبالفعل نجحت مصر - وخلال فترة وجيزة - في مواجهة هذه البعثات التبشيرية وهذا الغزو الثقافي المراد به استلاب عقلية الشعوب الإفريقية من جديد، ليصبح الحضن العربي الإفريقي هو البديل، ونسأل أنفسنا: أين هذا الدور لمصر الآن؟!، ولمصلحة من تمّ تقليصه؟!، ولماذا ترك الدين لأصحاب المشروع الصهيوني الذين يتخذون من قناع الدين وسيلة لغزو العقول البسيطة الجاهلة وتحويل أصحابها إلى مشروعات إرهابية قاتلة تحت اسم الدين؟!.
وعلى الصعيد الاقتصادي، ارتكبت مصر نفس الخطيئة في إفريقيا، فالتاريخ يشهد كيف كان لمصر دورها الاقتصادي العظيم داخل البلدان الإفريقية لضمان تحررها التام من التبعية للمستعمر، وأخذ الدعم الاقتصادي المصري لإفريقيا شكلا جديدا ناجحا وقويا، فأنشئ "الصندوق الفني المصري للتعاون مع الدول الإفريقية" حيث أمدّت مصر الدول الإفريقية بالمعونة الفنية المتمثّلة في الخبراء والأساتذة والفنيين في مجالات إقامة السدود وتوليد الكهرباء المائية ومشروعات الري، ثمّ ومن أهم النجاحات المصرية على أرض إفريقيا، قيام مصر بفتح 52 مكتباً في بلدان إفريقية مختلفة لثلاث شركات قطاع عام: شركة النصر للتصدير والاستيراد، شركة مصر للتجارة الخارجية وشركة مصر للاستيراد والتصدير، وذلك بهدف أن تصبح السلع المصرية هي السلع الأساسية التي يعتمد عليها المواطن الإفريقي كبديل عن سلع الغرب الاستعماري، وكثفت مصر من إرسال البعثات الطبية إلى البلدان الإفريقية، ليقوم الطبيب المصري بعلاج وتقديم فرصة الشفاء للمريض الإفريقي فتترسخ الروابط الإنسانية داخلهم.
** وعلى الصعيد السياسي، لم يقتصر دور مصر في إفريقيا على دعمها لحركات التحرر الوطني، ولم يتوقف دعمها لهم بعد الاستقلال، بل امتد الدور لضمان استمرارية وبقاء تحرر واستقلال إفريقيا، فبذلت مصر - في عهد جمال عبد الناصر أيضاً - جهوداً مضنية لإعلاء شأن إفريقيا داخل المحافل الدولية، ونجحت هذه الجهود المصرية في إقرار المنظمة الدولية للأمم المتحدة ليوم الخامس والعشرين من مايو من كل عام ليحمل اسم إفريقيا "القارة السوداء"، وكان هذا الحدث العظيم في عام 1960.
** وفي مايو عام 1963 يصل جمال عبد الناصر رئيس مصر إلى إثيوبيا، ومن العاصمة "أديس أبابا" يقف رئيس مصر معلنا ميلاد "منظمة الوحدة الإفريقية"، وتمر السنوات والسنوات، ثم ومن إثيوبيا، ومن "أديس أبابا" أيضاً - وعلى نفس أرض البلد الذي انطلقت منه "منظمة الوحدة الإفريقية" منذ خمسين عاما - يأتي اليوم الذي تعلن فيه إثيوبيا عن تغيير مسار نهر النيل - شريان حياة مصر - استعداداً لبناء "سدّ النهضة" الإثيوبي، يحدث هذا في وجود وبالاتفاق مع رئيس لمصر حكمها في غفلة من الزمن وفي لحظة حالكة السواد، المعزول محمد مرسي، حكمها ثمّ خانها!!.
** لكن، كاذب من يقول إن ما فعلته إثيوبيا كان صدمة، وساذج من يتصور أن ما فعلته إثيوبيا كان وليد اللحظة أو إنه وليد السنوات القصار، لا ياسادة إنه النتيجة الطبيعية والمتوقعة لرحيل مصر عن إفريقيا وتركها الساحة للصهيونية تصول وتجول وتفتت وتمزق، وإنه النتيجة الطبيعية لخذلان مصر لإفريقيا وتركها وحيدة ضعيفة فريسة للمطامع الصهيونية والمخططات الصهيونية، والتي ما زال الكثير منها لم يكشف عنه القناع بعد. 
** السيد المشير عبد الفتاح السيسي، مصر من إفريقيا ولإفريقيا، وإفريقيا لمصر، ولا بديل عن عودة الدور المصري داخل كل بقعة من بقاع القارة السمراء. 
** السيد المشير، مرة أخرى أقول: "لقد فعلها عبد الناصر من قبل، فافعلها مثله وتوكل على الله". 


** وللحديث بقيّة...