الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

كتابة شبابية في «ربيع الثلاثين»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يمكننى أن أطلق على مصطلح «الكتابة الشبابية» على الكتاب الذى بين أيدينا اليوم وهو كتاب «ربيع الثلاثين » للكاتبة الشابة ياسمينا عفيفى، والصادر عن دار سكرايب للنشر والتوزيع وتضمن نحو ثلاثين رسالة في كتاب صغير، لا يتجاوز المائة صفحة.

ورأيى أن الكتابة الشبابية السهلة البسيطة يمكن أن نستدرج من خلالها القراء الشباب، إلى جماعة القراء، وأن يكون تميزها بموضوعاتها التى تمس عالمهم وتناقش قضاياهم وهمومهم الخاصة، جسرا يجسر الهوة بينهم وبين الإقبال على القراءة التى بلا شك ستضيف إليهم خبرات حياتية، بين بعضهم البعض، كما ستكون فرصة لتبادل الرؤى ووجهات النظر فيما بينهم.

وفى «ربيع الثلاثين» اعتمدت الكاتبة الشابة على أسلوب ما يعرف في الأدب العربى بأدب الرسائل، وهو نوع من الأدب شاع في عصر الدولة العباسية بعد انتشار القراءة والكتابة، وهو أدب يعتبره البعض النواة التى بنى عليها أدب المقال الأدبى فيما بعد.

ومن أشهر كتاب الرسائل في الأدب العربى أبى العلاء المعرى فيما يعرف بـ"رسالة الغفران»، كما نبغ الجاحظ وابن عربى وإخوان الصفا في هذا الصنف من الأدب، الذى لاقى إقبالا كبيرا من القراء، خاصة أنه كان مرحلة من مراحل النضج الأدبى العربى تفصل ما بين الشعر وهو ديوان العرب وفنهم الأول وبين النثر الذى لم يكن منتشرا بينهم بسبب اعتماد العربى على ذاكرته في الحفظ، وهو ما يتناسب أكثر مع فن الشعر، وما أن انتشرت القراءة والكتابة انتشر أدب الرسائل، الذى كان نواته الرسائل البسيطة التى أرسلها الرسول الكريم إلى قادة وملوك العالم، وهو ما كان توطئة لتأسيس الدواوين الحكومية فيما بعد، وانتشار الكتاب القادرين على التعبير بشكل جيد، من خلال الكتابة المعبرة والسلسة.

كاتبتنا من خلال كتابها الذى تميزه بساطته «ربيع الثلاثين». استطاعت أن تبعث الحياة في أدب عربى أصيل، كان له نجومه ورجاله في العصر الذهبى للأدب العربى. كما استطاعت توظيفه ليكون قادرا على التعبير عن هموم جيلها وجنسها الإنثوى الرقيق في مواجهة مشكلات الحياة الطاغية. وهو ما يحسب للكتاب الذى بين أيدينا.

وآثرت الكاتبة أن يكون كتابها أقرب إلى السيرة الذاتية رغم نفيها هذا في مقدمة الكتاب- التى تنقل خبراتها الحياتية البسيطة إلى بنات جيلها، ولم يخل الأسلوب والتناول، من عذوبة الأنثى ورقة مشاعرها ورهافة إحساسها، فترى بين السطور أنثى بروح ابنتك أو شقيقتك، التى تعيش معها وتتفاعل مع مشكلاتها اليومية البسيطة والمعتادة، فترى نفسك وأنت تقرأ كأنك رأيت نفس التجربة تدور بين جدران بيتك، من خلال ابنتك أو شقيقتك.

ولم تخل رسائل الكتاب من أهم قضية تواجه الفتاة العربية، عندما تصل إلى مشارف الثلاثين، فتطاردها تساؤلات فضولية من المجتمع الذى يحيط بها، حول أسباب تأخرها في الارتباط والزواج، ويتناسون أن قرار الزواج في النهاية، هو اختيار خاص جدا، وشخصى جدا، ولا يحق للآخرين أيا كانوا إرغامك على اتخاذ قرار يتعارض مع اختياراتك، وحقوقك اللصيقة بشخصك وشخصيتك.

الزواج، والحياة الزوجية، وعلاقة الزوج الشاب بزوجته الشابة، في بداية الزواج، ثم إنجاب الأبناء وما يتخلل ذلك من أحداث يومية خاصة جدا. هو ما استطاعت الكاتبة رصده بأسلوب سلس بسيط. يخلو من أى تكلف لكنه يتميز بالصدق، والعفوية المفرطة. وظنى أن هذه العفوية هى جزء من شخصية الكاتبة الشابة التى لم تنقصها أيضا روح الفكاهة في كثير من رسائل الكتاب، وهى طريقة محببة للقارئ تجبره على التهام محتوياته بسرعة دون جهد كبير بما يحقق له المتعة خاصة للقارئ الشاب الذى أتوقع أن هذه التجربة في جذبه إلى نادى القراء، بعيدا عن هوس مواقع التواصل الاجتماعي، التى تستنزف الطاقة، وتشتت الذهن، ولا تضيف كثيرا إلى الثقافة بقدر ما تزيد من حالة الاضطراب الذهنى والنفسى لدى مرتادى هذه المواقع.

الكتاب إذن وإن كنت اختلف مع الكاتبة حول مسماه لأننى أرى الثلاثين هى مستهل الحياة وأن مصطلح الربيع كان متلازما مع من أنهكتهم سنون الحياة حتى وصلوا لشيخوختهم فكان تعبير «ربيع العمر» لهم مكافأة معنوية لتخفف عنهم وطأة السنين ومتاعب الدهر.