الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عشر سنوات على الخراب العربي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبل عشر سنوات، انطلقت انتفاضات شعبية لم يتوقع أحد حدوثها في العالم العربي، وأثارت أحلاما بالحرية، قبل أن تتدحرج كرة الثلج في معظم الدول التي انتقلت إليها، وتحطم آمالا كثيرة،  ولم تكن صُدفة أن تنتفض تونس في ١٧ ديسمبر ٢٠١٠، وبعدها بشهر في يناير تنتقل العدوى لميدان التحرير في مصر، وفي ٢٧ يناير ثار اليمن، وفي ١٥ فبراير بدأ العصيان المدني في ليبيا، وبدأت الفوضى في ١٥ مارس بسوريا في سيناريو واحد من حيث الإعداد والتنفيذ والشعارات،  وبينما كانت بقية دول المنطقة تتأهب للفوضى الشاملة كانت إسرائيل تراقب المشهد، وتشعل الفتن بروايات كاذبة، وكانت الملاحظة المثيرة أن فوضى الشوارع التي تطالب بالحرية والديمقراطية لم تنتقل لأشد دول المنطقة استبدادًا وهي كثر. وكانت معظم المطالب التي فجَّرت تلك المظاهرات هي الإصلاح السياسي، وتبادل السلطة، ورفع الظلم الاجتماعي، وكلها كانت مطالب عادلة، ولكن السلطات صمت آذانها ولم تسمع زمجرة الشارع، فكان المشهد الدرامي والأنظمة تتساقط.
وشهدت المنطقة انهيارا سريعا لأنظمة بدا أن الخلاص منها مستحيل، وأطلق على هذا الزلزال السياسي، الذي هز المنطقة بدءًا من 2011، اسم "الربيع لكن ثماره "لم تزهر كما توقعت الشعوب. أيامها وأصبح خريفا وشتاء قارص البرودة وأصبح الربيع أكبر فشل مأساوي في العصر الحديث وقد أدى إلى نتائج كارثية حتى إن البعض أطلق عليه الربيع العبري، حيث بداً الأمر في نهاية الفوضى أن إسرائيل هي المستفيد الوحيد مما جرى، وجاء بنتائج عكسية وسلبية بصرف النظر عن المتسبب فى ذلك، لكن مآلاتها النهائية كانت كارثية على معظم أوطانها التى أصبح بعضها محتلًا والآخر مقسمًا، والثالث سكانه ما بين قتيل وجريح وسجين ولاجئ وخائف أو جائع وكانت غالبية ثورات الربيع العربي قامت لمطالب اجتماعية أكثر منها سياسية أو دينية ولكنها ما لبثت أن تحولت سريعًا إلى شعارات سياسية دينية ومذهبية، كما فشل الثوار فى تحويل الثورة بعفويتها وشعبويتها غير المنظمة إلى دولة القانون بانضباطها وحزمها، ولم يفكر معظم ثوار الربيع العربي يومًا فى المرحلة الأصعب والأشق، وهى ماذا بعد سقوط النظام؟ ولم يكن لديهم أي تصور للمستقبل أو طريقة لنقل السلطة بطريقة آمنة وسلسة إلى نظام أفضل وأحسن لأنهم لم يتوقعوا أصلاً نجاح ثورتهم. بدأت شرارة "الربيع العربي" بعود ثقاب أشعله البائع محمد البوعزيزي في جسده بعد أن صب الوقود على نفسه في ولاية سيدي بوزيد احتجاجا على احتجاز السلطات المحلية، وهو ما أثار غضبا واسعا غير مسبوق آنذاك. ورغم أن أي كاميرا لم توثقه، لكن الخبر انتشر على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي وتكرر السيناريو بصيغ مختلفة في مصر وسوريا واليمن وليبيا وجسدت الصور وأشرطة الفيديو والشعارات الممزوجة بالأمل والعزم والشجاعة والحرية والكرامة الإنسانية، إرادة تبدو وكأنها تضع حدًّا لما اعتبر دائمًا قدرًا محتوما للشرق الأوسط، وحركت الحناجر التي كانت تصدح بهتاف مشترك "الشعب يريد إسقاط النظام"، مشاعر الملايين في كل أنحاء العالم. واختصرت رغبة جيل كامل كان يجهل قدرته علي مواجهة غناة المستبدين. وإذابة جمود الحياة السياسية. وظنت الشعوب أنها قادرة على كل شيء. لمدة عامين حتى تحالفت ضدها القوى السياسية المتطرفة والطامعين في إعادة رسم خرائط المنطقة علي هواهم ويثبت ذلك أن أمرا مماثلا ممكن، وأنه يمكن للناس أن يثوروا ضد أسوأ الطغاة، وأن هناك ما يكفي من الشجاعة لدى الناس الذين يقفون ويعملون معاً لمواجهة جيوش كاملة من الطغاة والمستبدين ورغم الإحباط وعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل ٢٠١١ فإن روح الثورة لم تمت بعد، وهو ما تجلى بعد ثماني سنوات في اندلاع موجة ثانية من الانتفاضات الشعبية في كل من السودان والجزائر والعراق ولبنان، ويثبت ذلك أن أمرًا مماثلا ممكن، وأنه يمكن للناس أن يثوروا ضد أسوأ الطغاة، وأن هناك ما يكفي من الشجاعة لدى الناس الذين يقفون ويعملون معًا لمواجهة الظلم.