الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عن الديمقراطية الأمريكية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أثبتت احداث السادس من يناير ٢٠٢١ ان المؤسسات الامريكية اقوي من الافراد، وأن الديموقراطية اقوي من الديكتاتورية، وأن النظام والقانون اقوي من الغوغائيه والهمجية والارهاب.
أهم مايميز الحياة السياسية الامريكية انها دولة مؤسسات، وأن الدستور يوازن بين القوة الممنوحة للسلطة التنفيذية وعلي رأسها الرئيس، والقوة الممنوحة للكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ. القواعد الدستورية الامريكية راسخة ولم يتم تعطيل العمل بها منذ اكثر من قرنين من الزمان. وكان من المقرر دعوة الكونجرس يوم الاربعاء الموافق ٦ يناير للتصديق علي نتائج الانتخابات التي جرت في الثالث من نوفمبر ٢٠٢٠، والتي خسرها الرئيس دونالد ترامب. ولكن ترامب لم يعترف بالخسارة في الانتخابات وأدعي انه قد تم تزويرها، وقام برفع عدة قضايا عن طريق محاميه رودي جولياني، وخسرها جميعا، ولكنه لم يتقبل حكم القانون سواء في الولايات او علي المستويات الاعلي، واستمر في حشد انصاره لوقف سرقة الانتخابات التي ادعي انه الفائز بها. وبعد دعوة الكونجرس الي الاجتماع لم يجد هو ومحاميه سوي تحفيز الجماهير المتحمسة للهجوم علي مبني البرلمان وتعطيل اعتماد نتيجة الانتخابات في سابقة لم تحدث في التاريخ الامريكي من قبل.
وبعد وقوع الاحداث الدامية، ومهاجمة مبني الكابيتول وتحطيم النوافذ، والوصول الي الغرف الخاصة للأعضاء ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، ووقوع ضحايا نتيجة تصدي رجال الامن للمعتدين ، ظهرت مواقف رجال الدولة من مواقف رجال العصابات. ظهر المعدن الاصلي لنائب الرئيس مايكل بنس، كرجل دولة من الطراز الاول. لقد رفض طلب رئيسه بتعطيل التصويت وذهب لاداء دوره الذي نص عليه الدستور كرئيس لمجلس الشيوخ وأمر بنشر الحرس الوطني في واشنطن العاصمة . وعندما هدأت الامور، عاد ومارس مهام عمله واستمر حتي أنجز مهمته وتم اعتماد فوز الحزب الديمقراطي المنافس له، وخروجه هو وحزبه من البيت الابيض.
وكانت الكلمة التي القاها الرئيس المنتخب بايدن عند اندلاع الاحداث في منتهي الحكمة والتعقل، وكانت دعوته الي الرئيس دونالد ترامب بالخروج علي التلفزيون ودعوة انصاره الي مغادرة البرلمان وانهاء العنف، وهي الدعوة التي استجاب لها ترامب، مع استمراره في الادعاء بأنه الفائز في الانتخابات. وعند عودة البرلمان الي ممارسة عمله، قام زعيم الاغلبية في مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري (ميتش ماكونيل) بإدانة ماحدث ووصف المهاجمين بالهمج والغوغاء. وذكر ان الكونجرس قد واصل اداء عمله في احلك الظروف التي مرت بها البلاد لأكثر من قرنين من الزمان. واتهم زعيم الاقلية عن الحزب الديمقراطي (شاك شومر) الرئيس ترامب بأنه هو المسؤل عما حدث، واستمر عمل البرلمان الي ان انتهت كل الولايات مع اعتماد نتائج الانتخابات في جلسة استغرقت معظم ساعات الليل وانتهت في الساعات الاولي من صباح الخميس السابع من يناير.
وعلي المستوي الدولي، ظهر الرئيس الفرنسي ماكرون كرجل دولة، وكمدافع عن الديموقراطية الغربية بصفة عامة والامريكية بصفه خاصة، وأدان ماحدث ودعا الجميع إلي احترام الدستور والقانون، وكذلك فعل رئيس الوزارء الكندي والمستشارة الالمانية ميركل. أما اقرب المقربين الي الرئيس ترامب وهما بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني وبنيامين نيتانياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي فقد عبرا عن أسفهما لما حدث، بعد ان استقرت الاحداث وعادت الامور الي طبيعتها وتم اعتماد فوز بيدن.
اما الرئيس ترامب فقد تراجع عن موقفه السابق ودعوته الي مؤديه بإظهار القوة، ووصف استخدام العنف ومهاجمة مبني الكابيتول بأنه عمل عدائي غير مقبول، في خطوة وصفها الجميع بأنها جاءت متأخرة وعديمة الجدوي (Too late, to little).
أعتقد ان الرئيس ترامب قد كتب نهايته السياسية، وأنه سوف يرحل غير مأسوفًا عليه من مؤيديه ومعارضيه علي السواء.
لقد اثبتت احداث الاربعاء ٦ يناير في العاصمة الامريكية ان النظام الامريكي اقوي من الاشخاص، وأن الدستور والقانون اقوي من الهمجية والغوغاء، وان الديمقراطية ودولة المؤسسات هي التي تنتصر في النهاية.