الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حلم مصر الثورة والموت السريرى لصروح صناعية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يوم 12 يناير 2021 وافقت الجمعية العامة غير العادية لشركة الحديد والصلب المصرية على تصفية الشركة، لتقضى على حلم حققته مصر قبل 62 عاما وخمسة أشهر و15 يوما أى فى يوم 27 يوليو 1985، عندما وقف الزعيم جمال عبد الناصر مخاطبا الشعب فى افتتاح مصنع الحديد والصلب بحلوان قائلا "إن إقامة صناعة الحديد والصلب فى بلدنا كان دائمًا الحلم الذى ننظر إليه منذ سنين طويلة، وكنا نعتقد أنه بعيد المنال، فى خطب العرش اللى كنا بنسمعها واحنا أطفال صغيرين، كنا كل سنة نسمع الوعود بإقامة صناعة الحديد، وكنا جميعًا نعلم أن الحديد الخام يوجد فى بلدنا، وأن الفراعنة كانوا بيستعملون هذا الحديد منذ الآف السنين، ولكنا كنا دائمًا نجابه العقبات وكنا دائمًا نجابه الاعتراضات من السيطرة الخارجية ومن الاستعمار".
ولنتوقف عند كلمات "ناصر" فى هذا الحفل المهيب "بالنسبة لمصنع الحديد والصلب احنا وضعنا الحجر الأساسى سنة 55، ومن 55 لـ 58، كانت الظروف صعبة، والظروف اللى احنا بنجابها دائمًا ظروف تضييق وحصار اقتصادى ومحاولات للعزل، ولكن نحمد ربنا إن رغم هذا استطاع القائمون على العمل فى هذا المصنع أن يحققوه فى الموعد المحدد ونفتتح المصنع فى التاريخ اللى كان محدد له من زمان رغم العدوان، ورغم الحصار الاقتصادى، وأنا أكرر لهم شكرى بالنيابة عن أبناء الوطن جميعًا".
و"بالنسبة للتجربة اللى هى خاصة بمصنع الحديد والصلب، هى تجربة برضه جديدة علينا؛ لإنها بتمثل رأس المال المشترك.. رأس مال مختلط قصدى؛ بتشترك فيه الحكومة وبتشترك فيه الأهالى، وبتشترك فيه أيضًا شركة "ديماج" اللى هى تمثل شركة أجنبية، وبنعتبر أن هذه بتمثل الأساس يمكن اللى احنا بنمشى فيه لتحقيق هدف الثورة؛ اللى هو الهدف الاشتراكى، فالحكومة بتشترك بـ 45% من رأس المال، ورأس المال الخاص بيشترك بـ 55%".
وامتد كلام الزعيم جمال عبد الناصر " "قبل 52 احنا لم نكن الأسياد أو أصحاب الأمر فى بلدنا، كان فيه ناس دخلاء وناس أجانب هم الأسياد، وهم أصحاب الأمر فى هذه البلد، أما بقيتوا وبقى أبناء هذه البلد هم الأسياد، وهم أصحاب الأمر فيها ظهرت صناعة الحديد والصلب وأقيمت صناعة الحديد والصلب".
وفى حديثه أراد عبد الناصر من مصنع الحديد الصلب وغيره من مشروعات الثورة الصناعية التى تبنتها الدولة وقتها، ما حدده فى خطابه بقوله "اللى أنا بدى أذكره ان احنا بدأنا بعد سنة 52 علشان نعيد بناء هذا الوطن، ومستوى المعيشة فيه كان مستوى معيشة واطى وعايز جهد كبير، فأنا بدى أقول لكم ان احنا أما نشتغل ما ننساش الوطن كوطن.. المجموع كمجموع؛ ما ننساش ان فيه ناس بتبحث عن العمل، وما ننساش انه لا زال مستوى المعيشة واطى وعايز مننا أى جهد نستطيع أن نعمله، ما ننساش ان أى جنيه نحطه في الاستثمار حنقدر نفتح بيه بيت ونعيش به عائلة، ونوفر فرص عمل للفلاحين فى قرانا ونوفر لهم فرص عمل يعشيون منها، بدلا من حالة الفقر اللى عايشين فيها".
تلك كانت الرؤية للدولة المصرية، من ثورتها الصناعية، والتي سخرت لها كل عوامل النجاح، واعتبرتها قضيتها الأولى، وخصصت لها مساحات من الأراضى ووفرت لها كل الدعم، لتصبح لدى مصر صروح صناعية، فريدة، مثل الحديد والصب والدلتا للأسمدة أو "طلخا للأسمدة" أو ما تم تسميتها بـ"مارد الدلتا"، و"القومية للأسمنت"، لتملك الدولة المصرية وشعبها عشرات الشركات فى قطاعات متنوعة، هى الأكبر فى مجالها فى الوطن العربى وأفريقيا، وتتحول مناطق لمعاقل صناعية فى حلوان وكفر الدوار والمحلة والإسكندرية وأسوان، وغيرها من المدن والمناطق فى بر مصر بأكمله.
ومرت السنوات، إلا أنه كان هناك من يسعى إلى إفشال تجارب مصر الصناعية، على مدى سنوات تالية، وتراجع الإهتمام بكافة أعمال الصيانة والتطوير والتحديث لصروح مصر الصناعية، بل قاد بعض المسئولين هذا التوجه، لتوفير "الموت السريرى" لهذه الشركات والصروح.
أعتقد أن شيئا ما خطأ جرى خلال سنوات طويلة، إنتهت إلى ما إنتهينا إليه الآن، والمسئولية تتحملها أطراف عديدة، بين إدارات وحكومات، ووزارات، وربما أطراف عمالية ومساهمين فرطوا فى حقوقهم لسنوات.
وليس كل حل هو اللجوء إلى التصفية، أو البيع،.. فدعونا نناقش ما جرى، لنتعلم منه دروسا، حتى لا يأتي يوم يعض فيه أبناء الوطن على اصباعهم حزنا على صروح أخرى، جرى تأسيسها فى سنوات تالية وحتى من وقت قريب جدا، فكفى هدرا، بـ"الموت السريرى".