الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

وأحببت الجغرافيا.. من نافذة عاطف معتمد!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قضيت سنوات دراستى حتى المرحلة الثانوية أكره مادة الجغرافيا، وكل ما يتعلق بها أو يقترب منها..وكنت أحفظ المعلومات لأفرغها في الامتحان وفقط..ورغم الأهمية الكبيرة لدراسة الجغرافيا ومتعتها-والتى أدركتها فيما بعد- إلا أننى كنت في ذلك الوقت لا أجد أى جدوى من دراستها، وكنت أشعر وكأنها عبئا لا هدف منه سوى تكديرنا!..وبإعتبارى من أبناء الكونسرفتوار وأكاديمية الفنون العريقة، كنت أسافر كثيرا لتمثيل مصر، فصرت تدريجيا أهتم ببعض المعلومات الجغرافية التى ترتبط بكل بلد أعتزم السفر إليه..وزاد اهتمامى بعد أن تعرفت إلى حد ما على عالم العالم والمفكر الكبير/جمال حمدان الجغرافى الأشهر في مصر..وأدركت مع الزمن أن سبب كرهى للجغرافيا كان الخلل في طرق التدريس العقيمة والمناهج البعيدة عن التشويق، والتى لا تقنع الطالب بجدوى ما يدرس أو تستحث فضوله المعرفى..ورغم ذلك ظلت علاقتي بالجفرافيا مرتبطة إلى حد كبير بالمصلحة والاحتياج، ولكن بعيدة تماما عن الشغف..حتى قادتنى الصدفة لدخول صفحة على فيس بوك، كنت لجهلى وسوء حظى أجهل صاحبها حتى ذلك الحين، وإتضح أنه د.عاطف معتمد(أستاذ الجغرافيا الطبيعية المساعد بكلية الآداب جامعة القاهرة) والذى ولد في القاهرة عام 1969، وحصل على الماجستير 1996، ثم استكمل الدكتوراة في جامعة"سانت پطرسبرگ"بروسيا الاتحادية عام2001..ونال جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الاجتماعية عام2009..وله الكثير من المؤلفات والدراسات والمقالات، بالإضافة للعديد من الترجمات..ولا تتضمن كتبه الجغرافيا فقط، بل تشمل مجالات عديدة لم يخلو الفن منها، فمن بين ترجماته:"مختارات من الشعر الروسى"، و"الإخراج السينمائى..كيف تصنع فيلمك الأول بالديجيتال؟"..ترجمته مع أ.مصطفى الطناطى..وقد تولى منصب المستشار الثقافى ورئيس البعثة التعليمية في روسيا منذ نحو 5 سنوات، إلا أنه اكتفى بعامين وطلب إنهاء انتدابه، والعودة لجامعة القاهرة التى يجد فيها نفسه، مضحيا بالخبرات الكبيرة والمزايا المادية لتلك الوظيفة، والتى بلا شك تفوق الراتب المحدود لأستاذ الجامعة!..ورغم أنني لم أتشرف بمعرفته شخصيا، إلا أننى منذ قرأت له لأول مرة، صرت من أشد متابعينه، وأصبحت شغوفة بمتابعة ما يكتبه من معلومات جغرافية وجيولوجية، وأستمتع بحديثه عن تنوع التضاريس وطبيعة الصخور وغيرها من معلومات كانت تبدو لى معقدة وكئيبة، قبل أن يبسطها ويغلفها بإسلوبه الأدبى الممتع، وبشغفه الذى ينتقل للمتلقى من خلال حديثه وكتاباته، ليثبت أن الإبداع يمكن أن يكون في كل المجالات، حتى التى قد نظنها بعيدة عن الإبداع..ومن أجمل سمات أسلوبه استثماره لثقافته الواسعة والمتنوعة في العلوم والفنون المختلفة وربطها بما يتحدث عنه..ولأن لكل امرئ نصيب من اسمه، لذلك فهو يتحدث عن المعلومات الجغرافية الصارمة من خلال عاطفته الجياشة لتخصصه، والذى يبدو أنه اختاره عن حب وإقتناع، فاستطاع أن يعكس شخصيته المحبة للخلق والحياة، ونزعته الصوفية التى تغلف كلماته، فأصبحت كتاباته بمثابة شحنة معلوماتية ثقافية ترفيهية عاطفية..وهو ما يؤكد فائدة الثقافة العامة، والتى توسع المدارك وتلقى بظلها على ثراء الشخصية، وتزيد من قدرة صاحبها على استيعاب تخصصه وإدراك جمالياته وإبرازها..وحين يكون التخصص مقترن برسالة "التعليم" تصبح المهمة أعمق وتكاد تقترب من "النبوة" التى يختص بها الله الأصفياء من خلقه..والأكثر تميزا في دكتور/عاطف أنه لم يكتف بوظيفته ورسالته في قاعات المحاضرات والندوات، بل اختار دورا تنويريا يستهدف كل طالب علم أو معرفة، سواء من خلال ما ينشره على فيس بوك، أو من خلال الموقع الإلكترونى الذى أسسه باسم"بيت الجغرافيا" والذى يعرفه بأنه:"نافذة معرفية غير هادفة للربح، تقدم رؤى وأفكارا في علوم المكان، عن مصر والعالم؛ مقالات ثقافية، وتهتم بالبحث والترجمة وعروض الكتب في مجال الجغرافيا وعلوم المكان.كذلك تطوف أرجاء العالم وتستكشف الجميل والفريد عبر رحلات وأسفار هنا وهناك…وغير ذلك الكثير"..فهو لا يبخل بعلمه أو جهده، أو يتاجر فيهم ليتكسب، بل ينشر علمه للجميع بلطف وجاذبية..واختار أن ينشر كتبه إلكترونيا بعد فترة قليلة من نشرها، كى تفيد من يريد..ورغم أن عدد متابعيه يقترب من 22 ألف، إلا أنه قليل للغاية بالنسبة لعدد مستخدمى فيس بوك..فما ينشره جديرا بأن يصل لأكبر عدد. ليس في مصر وحدها بل في كل العالم..وعدم معرفته كعالم ومفكر -أعتبره خير امتداد للدكتور/جمال حمدان- خسارة فادحة لكل من يسعى للعلم والثقافة والمعرفة..فشكرا للدكتور/عاطف على حمله لتلك الرسالة التنويرية، ولاستمراره في هذا الطريق الوعر وصموده فيه..وستظل مصر ولادة وعظيمة، ليس بما حباها الله فقط من جمال وطبيعة وتنوع وثراء، ولا أيضا بحضارتها وأصالتها وجذورها الممتدة عبر التاريخ..بل بأبنائها العظام وعطائهم الذى لا ينضب حتى وإن ضاقت السبل.