الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

برلمان 2021.. الحقيقة والأمل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لاحظت في الآونة الأخيرة تكرار بعض التساؤلات حول البرلمان المصري 2021، وهل سيكون حقيقة ملموسة وأداة فعالة في القيام بالواجبات التشريعية والرقابية على الوجه الأكمل بحيث تصبح الخمس سنوات القادمة هي "السنوات السمان" للديموقراطية والحياة السياسية في مصر أم أنه سيكون مجرد صورة لتجميل واستكمال المشهد السياسي في مصر؟
سؤال قد يدور في الأذهان مدفوعًا بحب الوطن والغيرة على مستقبله السياسي أصبحت الإجابة عنه واجبًا لإجهاض الشك الذي يراود بعض النفوس، والذي يروج له البعض بنظراتهم السلبية اليائسة والمحبطة للبرلمان المصري من خلال تشكيكهم الدائم في مدى إمكانية قيامه بمهامه التي حددها له الدستور.
ولكننا نستطيع بنظرة متأنية للأمور وبتحليل للمعطيات المحيطة بنا أن نجد وبكل بساطة، وبما لا يدع مجالا للشك الإجابة عن هذا التساؤل المهم.
فمن المعروف أن قوة وفاعلية أي هيئة أو مؤسسة أو سلطة تقاس بقوة هيكلها وتكوينها البشري في المقام الأول، ثم المناخ المحيط الذي نشأت فيه، فما هي المميزات التي تميز البرلمان القادم عن غيره والتي قد تجعل منه نموذجًا فريدًا للأداء البرلماني على النحو الذي ابتغاه الدستور وقد تجعل من عصره العصر الذهبي للبرلمان المصري.
من أبرز ما يميز مجلس النواب المصري 2021 أنه يضم بين أركانه صفوة تمثل مختلف الطوائف والتيارات والأيدولوجيات السياسية والفكرية والثقافية والاقتصادية والتي تمثلت في التعددية الحزبية، حيث يضم المجلس سبعة عشر حزبا سياسيا كل له فكره واتجاهه السياسي على نحو يكفل المناقشات وإبداء الرأي والرأي الآخر تحت قبة البرلمان المصري، كما يُحسب له كذلك الطريقة التي أفرزت هذا التعدد عن طريق الجمع بين نظام القائمة والنظام الفردي مناصفة، الأمر الذي أتاح لجموع الشعب المشاركة - خاصة المرأة والشباب والكيانات الحزبية بكافة اتجاهاتها الفكرية والسياسية - في هذا العرس الديموقراطي الحقيقي رفيع المستوى بنزاهة وشفافية، وبإشراف قضائي كامل من الهيئة الوطنية للانتخابات من بدايتها، وحتى إعلان النتيجة النهائية، مما يؤكد أن صوت المواطن في الصندوق هو ما أفرزته النتيجة النهائية بالفعل.
ومن المميزات التي امتاز بها تشكيل هذا المجلس أيضا هي مشاركة الشباب بقوة وبأعداد كبيرة، فبعد أن كانت مشاركة الشباب لمجرد استيفاء النسبة التي أقرها القانون لتمثيلهم تحت قبة المجلس فقط، أصبحوا منافسين حقيقيين لهم دور فعال على الساحة السياسية عن طريق قنوات شرعية ووطنية بعد أن كفلت لهم الدولة حرية العمل السياسي وشجعتهم عليه، فكانت تنسيقية شباب الأحزاب التي حققت نجاحًا منقطع النظير، وأفرزت جيلا من الشباب مدربًا على أعلى مستوى علمي وسياسي، فبات ذا خبرة كافية يستطيع من خلالها ممارسة العمل السياسي على نحو علمي ممنهج، وأفسح لهم الطريق لتنمية هذه الخبرات إعدادا لهم ليكونوا قادة المستقبل، وأصبحت تنسيقية شباب الأحزاب قبلة يتجه شطرها كل شاب محب للعمل السياسي طموح لمستقبل أفضل، وذلك بعد أن كان يتم استقطابهم من قبل التنظيمات المشبوهة والمتطرفة والتي كانت تستنزف طاقاتهم من أجل تحقيق مكاسب شخصية وزعزعة استقرار وترابط الدولة المصرية.
وتعد مشاركة الشباب بهذه الطريقة المبهرة مكسبا من مكاسب الثورة المصرية، وما أشبه الليلة بالبارحة فهي تذكرنا بثورة 1919 التي خرج من رحمها شبابا أصبحوا فيما بعد هم قادة الشعب.
ومن المميزات المضيئة في هذا البرلمان أيضا نسبة مشاركة المرأة المصرية فيه، فعلى الرغم من التعديل الدستوري الذي حدث في عام 2019 والذي منحها حقًا غير مسبوق في أن يكون نسبة تمثيلها في مجلس النواب لا يقل عن 25% من عدد أعضائه، فقد جاءت النتيجة النهائية بأن فازت المرأة بعدد 163 مقعدًا في برلمان 2021 وهو ما يربو على ثلث أعضاء المجلس مما سيعزز، ويعظم دور المرأة النيابي في الفترة المقبلة، وهو ما يعد انتصارا جديدا يضاف لقائمة انتصارات المرأة المصرية، ويضاف أيضًا لانتصار هذا المجلس للشباب.
وبعد ذلك يأتي دور نسبة الـ5% المعينين عن طريق السيد رئيس الجمهورية لتكتمل الملحمة وليتزين المجلس بهم بعد أن تم اختيارهم من الكفاءات والقامات في جميع المجالات بشروط صارمة، وواضحة دون ميل أو محاباة لأحد فقد شملت رياضيين وقانونيين وسياسيين واقتصاديين ومفكرين ورجال دين، ويأتي ذلك متماشيا مع الغرض الأساسي الذي نشأت من أجلها فكرة التعيين وهي تدعيم المجلس بخبرات في جميع المجالات - ممن لم تتح لهم الفرصة لخوض الانتخاب البرلمانية - وذلك لمساندة أعضاء المجلس المعينين والاستفادة من خبراتهم أثناء القيام بمهامهم التشريعية والرقابية كل في مجال تخصصه، وذلك إيمانا من القيادة السياسية المصرية بأهمية الدور الذي سيلعبه البرلمان وثقل الحمل الذي سيلقى على كاهله في الفترة القادم وما ينتظره من تحديات تشريعية وقرارات مصيرية معلقة لا مفر من اتخاذها في الفترة المقبلة.
ومن جميع ما سبق فإننا نستطيع ان نجد الإجابة عن التساؤل الذي نحن بصدد الإجابة عليه، حيث إن تشكيل المجلس عن طريق انتخابات نزيهة مع وجود وعي سياسي للشارع المصري الذي يتزايد يوما بعد يوم، ومع ادخال نظام القائمة بجانب النظام الفردي لإفساح المجال للأحزاب الصغيرة ودعم الشباب وتشجيعهم على خوض هذه التجربة بما يملكون من طاقات وطموحات وأفكار عصرية ومستقبلية، ومساندة وتدعيم دور المرأة، واختيار وانتقاء المعينون من قبل السيد رئيس الجمهورية على الوجه السابق بيانه نستطيع ان نجزم بانه لا نية لتقويض دور البرلمان المصري بل على العكس من ذلك تسعى القيادة السياسية لتفعيل دور البرلمان ليصل لأقصى حد يمكن الوصول اليه، وتعظيم هذا الدور، وهي فرصة يجب ان يستغلها ولا يضيعها كل من نال شرف الانتساب لهذا المجلس الموقر في هذا التوقيت الذهبي، فقد تم تمهيد الطريق له وتذليل العقبات امامه حتى يصبح مؤهلا لخوض مرحلة قد تكون هي الأصعب في تاريخ مصر الحديث، وليكون شوطا كبيرا مقطوعا في طريق الديموقراطية وإنجازا يضاف إلى قائمة إنجازات الدولة المصرية متماشيا مع عجلة التطور التي تدور في جميع المجالات دون توقف، وليصبح نموذجا يحتذى به في باق الدول العربية بل وفي العالم، فمصر كانت وستظل هي السباقة والمصباح الذي ينير الطريق للجميع، وقد يكون البرلمان المصري القادم هو – بحق - العصر الذهبي للديموقراطية في مصر.