السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

توقعات العام الجديد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كل سنة وحضراتكم جميعا بخير، ويا رب يكون العام الجديد ٢٠٢١، أفضل من العام السابق. 
من خلال متابعة بعض البرامج التليفزيونية فى الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر، شاهدت العديد من البرامج، وكان الموضوع المطروح للمناقشة هو «توقعات العام الجديد» مع استضافة لأحد «خبراء» علم التنجيم والفلك وقراءة الفنجان وضرب الودع وأشياء أخرى!
وتذكرت وأنا أشاهد هذه البرامج المتكررة، وعلى كل القنوات، الكاتب الكبير أنيس منصور رحمه الله، وكان له أسلوبه الشيق فى سرد حكايات عن التنجيم وما وراء الطبيعة Metaphysics «على سبيل التسلية»، وكيف أن العَرّاف كان قد تنبأ له ولمصطفى أمين وعلى أمين بأشياء حدثت لهم، وكيف أن ساسة وفنانين كبارا، على المستويين الإقليمى والدولى، كانوا لا يتخذون قراراتهم إلا بعد استشارة المنجمين.
ولقد حكى أنيس منصور بنفسه أنه فى إحدى زياراته الخارجية، أعتقد إلى أستراليا، أنه جلس فى أحد الميادين العامة وادعى أنه مُنجم وعالم فلك مصرى، يعرف الغيب ويتنبأ بالمستقبل ويقرأ الطالع، ويحكى بخفة دمه كيف تجاوب معه الزبائن، خاصة السيدات والفتيات وهو يخبرهن بقصص من خياله عن مستقبل علاقاتهن الأسرية ومستقبل العمل وأشياء أخرى. وكان مذهولا من تفاعل الناس معه وتصديقه والاعتقاد بأنه يعرف المستقبل وكأنه الماضى، وأنه يعرف الغيب وأسرار الكون وأنه «مخاوى» الجن والعفاريت.
تذكرت أيضا «الشيخ سالم»، أحد المنجمين الكبار، وصاحب الكرامات، كما كانت تسميه والدتى رحمها الله، وكان يسكن فى القرية المجاورة لقريتى فى مركز دكرنس دقهلية فى ستينيات وسبعينيات القرن الماضى. وكنت أتعجب وأنا أسمع من والدتى وصاحباتها وأهالى القرية، عن كرامات الشيخ سالم، وكيف أنه كان يعرف من قام بالسرقة، ومن قام بالوقيعة بين المرأة وزوجها، ومن قام بكتابة الأعمال السحرية، وأنه كان قادرا على فك السحر وتزويج العوانس، وعلاج تأخر الحمل والأمراض المستعصية، والتنبؤ بالمستقبل. وعرفت فيما بعد أنه كوّن ثروة طائلة من هذا الدجل وأن الكثير من الفنانات والمطربات ورجال الساسة والمشهورين كانوا من زبائنه.
وتذكرت أيضا فيلم البيضة والحجر للفنان الراحل أحمد زكى، إخراج على بدرخان، قصة وسيناريو محمود أبوزيد، وكيف صور بعبقرية، كيف دفعت الظروف مدرسًا مثقفًا إلى عالم الدجل ومصاحبة الجن والعفاريت. أتقن أحمد زكى تمثيل شخصية عالم الشعوذة والضحك على مختلف فئات الشعب «الجاهل والمتعلم، الفقير والغنى، الرجال والسيدات» بالإيحاء مرة، بالذكاء مرات، ومرات كثيرة بالفهلوة والحنكرة والزنكرة «وهى كلمات غير مفهومة وردت على لسان زميل البطل ممدوح وافى رحمه الله».
وعلى النقيض من ذلك شاهدت برامج فى المحطات الدولية تناقش نفس الموضوع «توقعات العام المقبل» ووجدت كلاما علميا يضع عدة سيناريوهات وبدائل لكل مشكلة، والخطط التى يمكن أن تسلكها الدول لتعظيم الاستفادة وتقليل الاضرار التى قد تحدث. جائحة كوفيد-١٩ وتداعياتها كان لها نصيب الأسد فى المناقشات، خاصة بعد استخدام التطعيمات وبعد ظهور سلالات جديدة من الفيروس. دراسات علمية تضع فى الاعتبار النواحى العلمية والاقتصادية والسلوك البشرى، وأصوات عاقلة تتطالب الدول الغنية بمراعاة ظروف الدول النامية، وعدم الاستئثار بالتطعيمات المتاحة وترك الفتات للدول النامية.
أعلم أن معظم هذه البرامج كان غرضه التسلية والترويح عن المشاهدين، ولكن كان من الممكن لإعلامنا أن يستضيف من يستطيع أن يتوقع أحداث العام المقبل، والذى يليه، بالدراسات الإحصائية التى يتم وضعها على أجهزة الكمبيوتر وتحليل البيانات الكبرى (Big data) باستخدام الذكاء الاصطناعى. وللعلم مصر مليئة بالعلماء والمتخصصين فى السياسة والاقتصاد والمياه والطاقة والصحة والوبائيات وغيرها فى مختلف مناحى الحياة، ويمكنهم التنبؤ بالأحداث، ووضع بدائل وحلول، بطريقة علمية، بدلا من التسلية وملء ساعات البث التليفزيونى فى فتح المندل، وقراءة الكف، وحساب الأبراج، واستشراف قدرة الجن والعفاريت فى التنبؤ بما سيحدث فى العام المقبل.