الأربعاء 29 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

كيف يمكننا أن نقضى على الإرهاب ؟ ( ١ - ٤ )

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
البداية : تغيير استراتيجية المواجهة
الآن، وبعد مضى ما يقرب من ثمانية شهور على المعركة التى تخوضها مصر ضد الإرهاب، أصبح من الواضح الآن لكل ذى عينين أن هذه المعركة ، رغم كل ما حُشد فيها من طاقات وإمكانات ، لم تحقق الأهداف المرجوة منها حيث لا يزال المواطن يفتقد الحد الادنى من الأمن ، ولا يزال الضحايا ، من المواطنين الأبرياء العُزل ، ومن رجال الشرطة والجيش ، يتساقطون ضحايا للعمليات الإرهابية فى أكثر من محافظة، وهو الأمر الذى يثير التساؤل حول الأسباب التى تقف وراء عدم نجاح الدولة وأجهزة الامن فى القضاء على الإرهاب وتوفير الأمن.
الذين يتبنون استراتيجية المواجهة الحالية يعتمدون على المواجهة الأمنية أساساً، ويؤكدون ، على الدوام ، أن أى أساليب أخرى للمواجهة هى أساليب غير مستبعدة ، ولكنهم يرون بصفة عامة أن هذه الاساليب " الاخرى " أساليب لا تؤتى ثمارها إلا على المدى البعيد والمتوسط ، وهم يؤكدون أن الإرهاب ، وما يشكله الان من خطر ملح و ضاغط ، يقتضى التركيز على المواجهة الأمنية ، على الأقل الآن ، وتأجيل أى حديث عن أى مواجهات تعتمد على الثقافة والتنمية والتعليم ... الخ، على اعتبار أن الكلام عن مثل هذه المواجهات فى ظل الخطر المُلح والجاسم على صدورنا يُعتبر لغو ومضيعة للوقت ويبتعد بنا عن المواجهة الحادة والجادة المطلوبة الآن وبإلحاح، وهى المواجهة الأمنية أولاً، وثانياً، وثالثاً، وأخيرًا.
وفقا لهذا المنطق ، منطق المواجهة الامنية ، فإن أى قصورات ، أو نتائج غير مُرضية ، جراء هذه المواجهة الأمنية ينبغى حلها فى إطار نفس استراتيجية المواجهة الأمنية ، أى ينبغى حلها في اطار تصعيد المواجهة الأمنية درجة تلو الأخرى، ذلك أن المطلوب على حد تعبير بعض أنصار هذه الاستراتيجية المعمول بها الآن هو أن تخرس الألسنة ويصمت الجميع تاركين أجهزة الدولة وبالتحديد الأجهزة الأمنية تعمل بدلاً من اللغو والكلام الذى لا طائل من ورائه، و إذا كان العمل لا يحقق النتائج المرجوة فالحل هو مزيد من العمل في نفس الاتجاه ، فمثلا إذا كان إلقاء القبض على أشقاء المطلوبين غير كافي فمن الممكن ان يكون الحل هو القبض على أبائهم او حتى زوجاتهم او امهاتهم لكي يسلموا انفسهم .
يربط أنصار استراتيجية المواجهة الامنية للإرهاب بينها وبين الدولة القوية برباط وثيق ، ويعتبرون أن القضاء على الإرهاب يرتبط بوجود دولة قوية تعتمد استراتيجية المواجهة الأمنية على الأقل فى هذه المرحلة الأولى من مراحل المواجهة، ويعتبر انصار هذه الاستراتيجية ، ومنفذيها أن الدولة القوية هى الدولة الباطشة أو القاسية ، و بتعبير آخر هي الدولة القادرة على إرهاب خصومها والتنكيل بهم، و كلما بدا أن أساليب البطش والتنكيل لم تؤتى ثمارها المرجوة في إرهاب الخصوم و توفير الأمن والأمان ، كلما دعاهم ذلك إلى المطالبة بالمزيد من البطش والتنكيل، حيث يُضاف إلى قائمة الإعداء في هذه الحالة ما يعتبرونه طابور خامس، ويقصدون بذلك هؤلاء الذين لا يطالبون بحرارة وحماس بتصعيد المواجهة الأمنية والمزيد من البطش والتنكيل كلما وجه الإرهاب ضربة هنا أو هناك، أو بصياغة أخرى كلما بدا واضحاً أن الأمن عاجز عن توفير الأمن.
هذه الاستراتيجية الأمنية التى يفترض أن تتبناها دولة قوية قادرة على التنكيل بخصومها، هى الاستراتيجية المعتمدة منذ 30/6 وحتى الآن بدرجات متفاوتة، أو لنقل بوضوح بدرجات متصاعدة، وقد حاولت القوى الديمقراطية طرح استراتيجية بديلة أكثر من مرة لكن القائمين على الملف الأمنى لم يلتفتوا إلى ذلك ولم يُعيروه انتباهاً، وهذه الاستراتيجية البديلة الممكنة من وجهة نظرنا يمكن تلخيصها في انها تعتمد منطق المواجهة الشاملة بدلا من منطق المواجهة الأمنية ، وقبل ان نتطرق بشئ من التفصيل ، في مقال قادم بإذن الله ، لمبررات اعتماد هذه الاستراتيجية ، ومكوناتها ، ونوع الدولة التي يمكن ان تتبنى هذه الاستراتيجية ، دعونا نكرر مرة اخرى ان اشد أنصار الاستراتيجية الأمنية يؤكدون على الدوام ان اعتماد هذه الاستراتيجية هو امر مؤقت تفرضه الضرورات الملحة ، والخطر الداهم ، و اننا بمجرد تجاوز ذلك ، و بعد فترة جد وجيزة سنبدأ في المواجهة الشاملة ، لكن هذه المرحلة الوجيزة لا تنتهي أبدا !! ولعلنا جميعا نذكر ان بعض قيادات المعارضة ، التي حبسها السادات قبيل اغتياله ، وأفرج عنها مبارك بعد توليه الرئاسة بأيام ، والتقاها في القصر الجمهوري ، كانت قد أشارت عليه بتبني استراتيجية المواجهة الشاملة بدلا من استراتيجية المواجهة الأمنية لكن مبارك اكد لهم ان كلامهم صحيح تماماً و " زي الفل " لكنه لا يمكن ان يبدأ الا بعد التخلص اولا من الخطر القائم في هذه اللحظة بالتحديد التي يستفحل فيها خطر الإرهاب و يحتاج الى مواجهة أمنية اساسا في هذه المرحلة على ان تبدأ المواجهة الشاملة بعد ان نتجاوز الخطر مباشرة ، و هي بالتأكيد فترة جد وجيزة ، و لعلنا جميعا نذكر ان مبارك رحل عن سدة الحكم ، و بعد ما يزيد عن ثلاثون عاما ، و هذه الفترة الوجيزة لم يعلن عن انتهاءها بعد !! و الخطاب الرسمي يؤكد ان الخطر قائم و لا محيص عن انتهاج استراتيجية المواجهة الأمنية ، و هكذا ورثنا مبارك الفساد و الترهل الاداري و الأزمة الاقتصادية و إخوان أقوياء بصورة لم يسبق لها مثيل كنتيجة مباشرة و حتمية لأنتهاج استراتيجية المواجهة الأمنية ، ذلك ان المواجهة الأمنية تجعل رحى المعركة تدور اساسا بين الأمن و الإرهاب و تحيل الناس الى متفرجين و مراقبين احيانا ، و ضحايا للعنف الدائر بين الطرفين ، اللذين يندفعا تحت وطاءة الفعل و رد الفعل ، في كثير من الاحيان ، و تؤدي دوامة العنف المتبادل الى ممارسات انتقامية بين الطرفين و يفقد الناس مع الوقت تعاطفهم مع الدولة و يتمنوا ان يتحقق الأمن و يتوقف العنف أيا كان الطرف المنتصر او الطرف المهزوم .