الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

رئيس قطاع مكتب وزير الثقافة.. «التاريخ السري للرجل الحديدي»

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
صدمة حقيقة تلقاها الوسط الثقافي ظهر أمس، بعد أن تم القبض على أحمد صلاح بهجت، رئيس قطاع مكتب وزير الثقافة، لسبب لم يتم الإعلان عنه بشكل رسمي حتى الآن، في انتظار ما ستسفر عنه نتائج التحقيق الذي يجري معه منذ تم القبض عليه.
وذلك بعد نحو عامين من جلوس "بهجت" على كرسي الرجل الحديدي في وزارة الثقافة، كما جرى العرف أن يكون عليه صاحب هذا المنصب، وفي وقت حرج قبيل أيام من انطلاق أعمال مجلس النواب المقبل، وما يستتبعه من تغيير وزاري مرتقب.
وبعيدا عن تفاصيل القضية الغامضة حتى الآن، والتي يتوقع أن يتم الكشف عن تفاصيلها، خلال الساعات القليلة القادمة، فإننا نستعرض خلال السطور التالية عددا من الكواليس المجهولة في طبيعة عمل رئيس قطاع مكتب وزير الثقافة، وهو الرجل الثاني في الوزارة بحكم طبيعة منصبه.
ارتبط منصب رئيس قطاع مكتب وزير الثقافة، لفترة طويلة تجاوزت العقدين باسم "فاروق عبدالسلام"، الرجل الحديدي في الوزارة، الذي حكم الوزارة بالحديد والنار، طيلة فترة وجود الفنان فاروق حسني بالوزارة، وخرج منها فور اندلاع ثورة يناير، دون أن يستطيع أحد أن يمسك عليه خطأ واحد طوال فترة وجوده.
وخلال فترة وجود "عبدالسلام" ذاع صيته بين المثقفين والمهتمين بالشأن الثقافي، فضلا عن موظفي الوزارة، وحتى بعد رحيله ظل شبحه يطارد كل من تولى هذا المنصب من بعده، نظرًا لقدرته الفائقة في احتواء جميع المشكلات التي مرت على هذه الوزارة في فترة كبيرة من حكم الرئيس حسني مبارك، وكان يجيد العمل الإداري والمالي ببراعة منقطعة النظير، وهو ما مكنه من القبض على مفاصل الوزارة بإحكام تجاوز حدود اختصاصاته الوظيفية، وكان له دور كبير في اختيار غالبية قيادات الوزارة أو الإطاحة بهم، على حسب قدرتهم وكفاءتهم من وجهة نظره، فضلا عن براعته في قراءة المشهد السياسي آنذاك، ما مكنه من التنقل بين أطياف العمل السياسي بسهولة، منحته مزيد من الصلاحيات دفعته إلى أن يتخلص من بعض خصومه، وفق ما تردد خلال هذه الفترة، ما أكسبه هالة تشبه الأساطير.
وفي عصر فاروق حسني، كان يدرك المتابعون أن الوزارة لها جناحين، فاروق حسني الفنان الشغوف بالفن والخيال والأحلام التي يسعى لتحقيقها، وفاروق عبدالسلام، الإداري الماهر الذي يتولى تنفيذ أحلام فاروق حسني على أرض الواقع وفق رؤيته الثاقبة لآليات عمل الوزارة في هذه الفترة، وقدرته في السيطرة موظفي الوزارة، والرعب النفسي الذي يسيطر على العاملين تجاهه، حتى أن البعض كان يقول "إذا كسر كوب في أحد القطاعات فإن صوته يصل لفاروق عبدالسلام في مكتبه".
هذه الإدارة الشمولية للملف الإداري في الوزارة كانت مثار انتقاد دائم من المثقفين والعاملين في الوزارة الذين كانوا يتذمرون طوال الوقت من هذه الطريقة، ولم يكن أمامهم إلا الانصياع لها، وفي هذا الإطار كان "عبدالسلام" يستمتع بوجوده خارج الأضواء، ولم يظهر إلا في وقائع تعد على أصابع اليد الواحدة، لعل أبرزها كان في أزمة سرقة لوحة زهرة الخشخاش، التي حبس فيها الفنان الراحل محسن شعلان رئيس قطاع الفنون التشكيلية آنذاك، وواقعة حريق مسرح بني سويف التي راح ضحيتها أكثر من 50 مسرحي، وفي الحالتين نجح في أن يجنب نفسه وفاروق حسني الاتهام الجنائي في القضيتين وأن يخرجا منها أقوى من ذي قبل.
قوة فاروق عبد السلام، ونفوذه، دفعا العاملين في مكتب الوزير إلى أن ينتقموا منه في الأيام الأولى لثورة يناير بطرده من أروقة الوزارة ليتقدم باستقالته للدكتور عماد أبو غازي وزير الثقافة الأسبق، لتنتهي بعد ذلك أسطورة الرجل الحديدي في الوزارة، وتبدأ مرحلة جديدة تباين خلالها أداء من تولوا خلالها مسئولية هذا المنصب الكبير الذي يمسك الوزارة من مفاصلها باعتباره حلقة الوصل بين الوزارات المختلفة والوزير، وكذلك بين رؤساء القطاعات والوزير.
شبح "فاروق عبدالسلام" سيطر على أغلب من تولوا المسئولية بعده، وحاول بعضهم أن يرتدي عباءته إلا أن الوقت لم يكن مواتيا لذلك، ولم تمكنهم سيولة الجهاز الإداري للدولة سنوات الثورة من هذا الأمر، وهو ما فجر صراعات كثيرة بين رجال الحرس القديم والجديد.
من أبرز رؤساء قطاع مكتب الوزير بعد الثورة كان اللواء حسن خلاف، الذي أحكم قبضته أيضا على الكثير من قطاعات الوزارة وقراراتها، إلا أن بعض المشكلات التي وقع فيها في بعض القطاعات أثارت صفحات التواصل الاجتماعي ضده، ولعبت صفحة التراس وزارة الثقافة، دور البطولة في تهييج العاملين ضده، فترة طويلة، قبل أن يتمكن من إغلاقها واحتواء آثارها، وكانت الحرب بينه وبين بعض رجال الوزارة سجالا.
كما جاء اللواء أسامة عمران، على فترات متقطعة رئيسًا للقطاع، وتم إنهاء ندبه إلا أنه عاد بناء على حكم قضائي استطاع أن يكسبه، إلا أنه لم يكن له تأثير يذكر في مسيرة المنصب.
المهندس محمد أبو سعدة، أحد أقوى رجال الوزارة بعد الثورة، تولى هذا المنصب فترة طويلة فترة وجود الدكتور محمد صابر عرب، وهو أحد تلاميذ مدرسة فاروق عبدالسلام، وعمل معه فترة كبيرة في بداية حياته العملية، وانتهج نفس نهجه تقريبا، وهو ما مكنه من الجمع بين منصبه ومنصب رئيس صندوق التنمية الثقافية، الذي نجح في تحويله إلى من إدارة مركزية إلى قطاع.
وفي فترة الدكتورة إيناس عبد الدايم، وزيرة الثقافة الحالية، التي استعانت بفريق عملها من دار الأوبرا، وعلى رأسهم أحمد صلاح بهجت رئيس القطاع الذي ألقي القبض عليه، تغير الأمر بشكل جذري ليتحول هذا المنصب الكبير إلى ما يشبه السكرتير للوزيرة بعد أن خطفت الوزيرة الأنظار وتصدرت المشهد كاملا، وعاد رئيس القطاع إلى الظل مرة أخرى، واحتل مكانه لاعب جديد على الساحة، وهو عصام رفعت المستشار القانوني للوزارة، الذي بات أكثر حركة وديناميكية وتأثيرا في صنع قرار الوزارة، وبات صلاح بهجت مثل الوصيف لرفعت، واكتسبت بهجت ما يشبه النفوذ الناعم في الوزارة من علاقاته الجيدة بأطراف العمل في الوزارة، وبدا للجميع متحليا بحسن الخلق، قبل أن يتهم اتهامه في هذه القضية التي مازالت في حكم المجهول، والتي ستكشف الأيام القليلة المقبلة عن تفاصيلها، وهل سيتم إدانته فيها أم سيخرج منها براءة، كما ستكشف الأيام المقبلة عن مستقبل المنصب الكبير وهل سيتم تعيين رئيس قطاع جديد أم لا، وما هي صلاحياته ودوره ونفوذه.
ولا يبقى إلا أن نطرح سؤالا لا يزال بلا إجابة، ألا وهو ما سر عدم تعيين نواب لوزير الثقافة رغم أنه أمر موجود في كثير من الوزارات، ولم يكن مطروحًا في عهد فاروق حسني، إلا أن الأمر اختلف هذه الحقبة، خاصة أن وجود نواب للوزير سيفك الاشتباك بين الجانبين الفني والإداري لمنصب رئيس القطاع لأن صاحب المنصب عادة لا يجيد الأمور الفنية، إلا أنه بحكم صلاحياته التي تحدثنا عنها يتدخل بشكل كبير لتكون له الكلمة العليا على رؤساء القطاعات وهم المسئولون عن الجانب الفني في الأساس، فضلا عن أن وجود نواب للوزير سيؤدي إلى تفتيت السلطة المطلقة لصاحب هذا المنصب الكبير في الوزارة.. فهل سنرى نوابا لوزير الثقافة قريبا؟؟