الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عودة حضرة العمدة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عرفت القرى المصرية نظام العمد منذ مئات السنین، كونه منصبا تطوعيا من أجل خدمة أهالى القرى والمحافظة على أرواحهم وممتلكاتهم وتحقيق الأمن الاجتماعي.
وكانت الهیئة المعاونة التي تتكون في العادة من شیخ البلد والخفر، تمثل الید الطولى للعمدة في القرية للحفاظ على الأمن والسيطرة على الجريمة والقبض على اللصوص وتأمین المنشآت العامة والممتلكات الخاصة.
وبعيدًا عن الصورة التي رسمتها السينما المصرية للعمدة ورجاله بوصفهم يدا باطشة بصغار الفلاحین للاستيلاء على أراضيهم وممتلكاتهم، كان للعمد دور سياسي ووطني واجتماعي بارز خصوصا إبان وزارة صدقي باشا التي فرضها الإنجليز على البلاد، فقدم العدید منهم استقالاتهم احتجاجا على تدخل الاحتلال البريطاني وأعلنوا تمسكهم بحكومة الوفد الوطنية، كما كان لهم دور في مقاومة الاحتلال الإنجليزي.
كان العمدة ممثل الحكومة في قريته يراقب استتباب الأمن وتأمين الطرق وحماية الأنفس والأموال، يعمل على احتواء الشباب بالنصح والوعظ والإرشاد، يتدخل بالطرق الودية لحسم كافة النزاعات بين الأفراد والأسر، فلم تكن تتخطي حدود قريته إلى أقسام الشرطة والمحاكم سوي القضايا الجنائية التي تقتضي حقًا قانونيًا لا يجدي معه صلحًا ولا أسفًا.
كل هذه الأدوار تبددت مع تغير البيئة التشريعية والقانونية والثقافية والاقتصادية، فقد أصبح العمدة مجرد موظف إداري تقتصر مهمته على إحالة البلاغات التي ترد إليه إلى قسم الشرطة وهو ما أثقل كاهل وزارة الداخلية وكذلك المحاكم بمئات الآلاف من القضايا التي كانت تُحل في الماضي داخل "دوار العمدة"، بالتصالح.
اليوم نحن في أمس الحاجة لعودة "حضرة العمدة" إلى دوره القديم عبر دورات تأهيل لقيادة القرية على النظم الحديثة.
يحتاج العمد لدورات تدريبية لنشر الوعي وتوصيل رسائل الدولة المختلفة بوصفهم ممثلي السلطة والوسيط بينها وبين مجتمع القرية، فالعمدة هو الأدرى بأحوال وطباع الناس.
يحتاج العمدة إلى آليات جديدة لمراقبة أحوال الأمن العام وتوطيدها في القرية، ومراقبة كافة الشئون العامة والنهوض بمصالح الناس والخدمات وإصلاح ذات البین بین المتخاصمین، للتخفيف من نسب تكدس المحاكم بالمتقاضين.
العمدة أكثر الناس قدرة على التعامل مع الفلاحین الذين يمثلون معظم سكان القري.
عودة دور العمدة للمجتمع القروي في إطار دولة القانون، هو استعادة لقيم بدأت في الاندثار، نحن أحوج ما نكون إليها في هذه الحقبة الزمنية التي تشهد تراجعا مريعا في منظومة القيم.
لقد شهدت المنظومة القيمية في المجتمع المصري تغيرات فادحة، فأصبحت قيمًا مادِية، وباتت المشكلة الحقيقية هي أزمة الثقة بين الناس.
العمد هم الأكثر قدرة على قيادة الإصلاح ومواجهة السلبيات، شريطة إعادة تأهيلهم وتقديم تجاربهم الناجحة في الإدارة وإلقاء الضوء على نماذج رائدة من بينهم تسعي للعمل التطوعي؛ نماذِج واقعية لإنكار الذات والتفاني في خدمة الوطن.