الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مصر وفرنسا والحوار البناء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أحدثت زيارة الدولة التى قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي لفرنسا، والحفاوة التى استقبله بها الرئيس الفرنسي ماكرون، صدى واسعًا ليس فقط على المستوى الإقليمى، ولكن أيضًا على المستوى الدولي. الزيارة جاءت في وقت يشهد فيه العالم ومنطقة حوض المتوسط العديد من التغيرات الكبرى بسبب قرب انتهاء فترة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وانتقال السلطة إلى إدارة الحزب الديمقراطى برئاسة جو بايدن، وخروج بريطانيا الوشيك من الاتحاد الأوروبى، ومشكلات فرنسا مع العالم الإسلامى بسبب الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، ومشكلات التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط. أما أهم وأخطر الملفات هو الوضع المتأزم في ليبيا وأهميتها للأمن القومى المصرى، فضلا عن التنسيق السياسى والعلاقات الثنائية بين مصر وفرنسا.
التنسيق المصري الفرنسي أصبح حجر الأساس في استقرار منطقة حوض المتوسط، رغم تشابك المصالح الدولية وتصاعد الأزمات التى تشهدها المنطقة. ويمكن وصف العلاقات المصرية الفرنسية منذ منتصف السبعينيات وحتى اليوم، بأنها الأكثر ثباتًا وعمقًا من بين كل علاقات مصر الخارجية. ولا غرابة في ذلك حيث تمثل فرنسا الدولة الأكبر في شمال البحر المتوسط، والمدخل إلى الاتحاد الأوروبى (خاصة بعد خروج بريطانيا) وتمثل مصر الدولة الأكبر في جنوب المتوسط، والمدخل إلى الوطن العربي. ربما تكون علاقات مصر الاقتصادية أكبر مع إنجلترا، وربما تكون علاقات مصر السياسية أكبر مع الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن العلاقات الثقافية مع فرنسا تظل هى الأكبر والأعمق والمحرك الأول للتنسيق بين الدولتين.
وأثناء المؤتمر الصحفى الذى عقده الرئيسان، تحدث كل رئيس بصراحة ووضوح عن وجهة نظره، ونظر بلاده في الموضوعات الأكثر إثارة وهى بالنسبة لنا كمسلمين وعرب قضية الرسوم المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام، والتى نراها نحن مهينة لعقيدتنا، بينما يراها الغرب حرية تعبير. الموضوع الآخر والذى لا يقل أهمية عن الأول هو موضوع حقوق الإنسان، وهو الملف الذى دأبت بعض المنظمات والدول في استغلاله للتدخل في الشئون الداخلية للدول الأخري.
ردود كل رئيس كانت واضحة وصريحة وتعكس ثقافته وثقافة بلاده، وهذا ما جعلها متقبلة ومفهومة بل مستحسنة من كل المتابعين. هذه هى الطريقة الوحيدة التى يتقبلها العالم المتحضر في فهم الآخر والتوصل إلى حلول مقبولة، رغم اختلاف وجهات النظر.
ولقد أعادت هذه المناظرة بين الرئيسين السيسي وماكرون ذكريات السنوات التى عشتها في إنجلترا بين عامى ١٩٩٧ و٢٠٠٣. حيث تبين لى أن هناك اختلافًا جوهريًا بين معتقدى الدينى وثقافة المجتمعات الغربية. بينما كنت كمسلم أؤمن بضرورة احترام كل الرسل وعدم الإساءة إليهم، كانت ثقافة المجتمع مختلفة تمامًا، حيث كان من المتقبل مناقشة أى موضوع بما في ذلك الحياة الشخصية للأنبياء والرسل. وبصفة عامة فنظرة الغرب إلى الأديان مختلفة عن نظرتنا نحن في الشرق، وأصبح من الثابت الفصل التام بين الدين والدولة. أتذكر أننى شاهدت في أنجلترا أفلاما تعرضها السينما تجسد السيد المسيح عليه السلام، وكان هناك لقطات خارجة لا يمكن تقبلها، ولكن كان المجتمع يعتبرها عادية. الغريب أن القانون هناك يسمح بحرية التعبير دون محظورات أو خطوط حمراء، ودون مراعاة للشعور الدينى للآخرين.
وفى موضوع حقوق الإنسان، أتذكر أنه كان هناك هجوم ممنهج على مصر في هذا الملف خلال حقبة التسعينيات، خاصة فيما يخص حقوق الأخوة الأقباط والاعتداءات المتكررة عليهم في صعيد مصر. وأتذكر زيارة البابا شنودة رحمه الله إلى إنجلترا ومواقفة الوطنية العظيمة في الدفاع عن مصر في الخارج. وعند سؤاله عن المشكلات التى يتعرض لها الأقباط في مصر، قال: "مشكلات الأقباط في مصر هى جزء من مشكلات كل المصريين، ونحن نناقش مشاكلنا في مصر بمنتهى الحرية ولا نريد أن نناقش مشاكلنا الداخلية خارج الوطن"، قارن بين هذا الموقف الوطنى العظيم لرجل دين مستنير، ومواقف البعض من المصريين الذين يستعدون الوطن ويحاولون تأليب الرأى العام العالمى ضد مصر.
الخلاصة من هذه الزيارة الناجحة هى أنه مهما كان هناك اختلاف في وجهات النظر، وحتى الخلافات الدينية والعقائدية والثقافية، فإنه يمكن حل كل المشكلات بالحوار الهادئ والنقاش المتزن وتقبل الرأى الآخر في جو من المحبة والصداقة والاحترام المتبادل.