الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

هل لنا من أبنودى جديد..؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عندما تولت عازفة الفلوت الأشهر دكتورة إيناس عبد الدايم منصب وزير الثقافة كان الأمل كبيرًا في أنها ستحسن استخدام أدوات وزارتها في البحث والتنقيب عن وجوه شابة جديدة في الشعر والأدب والفن تثرى الثقافة المصرية لاسيما وأنها تربت فنيًا وثقافيًا داخل كواليس ودهاليز هذه الوزارة وتعرف مفاتيحها.
كل تغيير كبير يمر به المجتمع يصاحبه دائمًا أدباء وفنانين وشعراء يعبرون عنه ويتغنون به؛ فما بالك إذا كان هذا التغيير ثورة شعبية عارمة بحجم الثلاثين من يونيو ضد وهم كبير أسس على مدى تسع عقود كاملة أسمه جماعة الإخوان، وكل ما دار في فلكها من أفكار زائفة حول عودة دولة الخلافة المزعومة وأن الجماعة تسعى إلى إحياء الدين والمحافظة على ثوابته.
الأهم في هذه الثورة أنها لم تكن ضد حكم استبدادى عادى أسس على منظومة فكرية بشرية لكنها كانت ثورة وعى حقيقية ضد أفكار وأوهام دينية طالما استبدت بعقل المصريين حتى النخبة منهم تحت شعارات دينية ترهب كل من فكر فقط في نقدها أو معارضتها.
عندما نعود بالذاكرة إلى ما قبل ستة عقود نجد أن ثورة يوليو وما أحدثتها من تغييرات اجتماعية واقتصادية قد صاحبتها حركة ثقافية وفنية عبرت عنها واحتفت بها، والأهم تفاعلت مع ما طرحته من تحديات اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية، كان الأدب والشعر والغناء والمسرح والسينما أدوات معاونة لعملية التغيير بما يتناسب مع القيم الجديدة للثورة.
حدث ذلك والثورة كانت ضد مستبد لا يحتاج الوعى بفساده إلى جهد يذكر، وضد عدو واضح وضوح الشمس ألا وهو الاحتلال الأجنبى للبلاد؛ فما بالك بثورة قامت ضد محتل للوعى ومستبد للعقل قبل أن يصل إلى قصر الرئاسة بالاتحادية يونيو 2012، ألا تستحق فنًا وشعرًا وأدبًا ويعبر بوصفها الثورة الأعظم لأنها أعادت للمصريين هويتهم وفهمهم الصحيح لعقيدتهم.
في خمسينيات وستينيات القرن الماضى لم تكن قنوات التواصل مع الأدباء والفنانين والشعراء المتواجدين في القرى والنجوع البعيدة متاحة ومع ذلك كانت البيئة الثقافية في القاهرة مستعدة لاستقبال واحتضان الموهوبين منهم الذين يستطيعون الوصول إليها.
أوجدت دولة يوليو قنوات الاتصال المباشر عبر قصور الثقافة الجماهيرية ونوادى الأدب وأدوات أخرى متعددة، لكن هذه القنوات عانت كأى شىء في مصر من عفن البيروقراطية لتصاب بانسداد شبه تام.
ليس على وزير الثقافة سوى العمل على تنقية وتنظيف هذه القنوات من شوائب البيروقراطية ليقدم لنا أجيالًا جديدة من الشعراء والأدباء والفنانين في كل مجال حتى لا نشعر بأن المحروسة وكأنها قد أصيبت بالعقم.
عطفًا على مقال الأسبوع الماضى والذى كان تحت عنوان "خاص جدًا إلى محمود الليثى" لو استثمر وزير الثقافة إمكانات وزارته وفق رؤية متكاملة لاكتشفنا أبنودى جديد وسيد حجاب معاصر وأمل دنقل حديث ولما أضطر مطربًا موهوبًا مثل الليثى لغناء كلمات "بير سلم".
لو كانت هناك تلك الرؤية لعاصرنا حركة مسرحية شابة جادة يخرج منها نجوم الحاضر والمستقبل، هذا المناخ كان سيسمح بولادة سيد مكاوى ومحمد فوزى وبليغ حمدى مرة أخرى.
واحدة من أهم إنجازات دولة الثلاثين من يونيو الاشتباك مع ملف العشوائيات واقتحامها في كل مكان وهو الملف الذى لم يكن يظن أحدًا أن يستطيع أى نظام الاقتراب منه، فإذا دولة الثلاثين من يونيو تفعلها وتنجح باقتدار.
أغانى المهرجانات وأفلام المقاولات عشوائيات لا تقل خطورة وكارثية عن عشوائيات المقطم واسطبل عنتر وغيط العنب (سابقًا) بل انها استشرت كالسرطان حتى بدت معها الثقافة غائبة عن مصر المحروسة، ولو حضرت في منتدى هنا أو هناك بدت غريبة ومطاردة.
كما تبنت رئاسة الجمهورية مشروع العدالة الاجتماعية الأهم (القضاء على العشوائيات) وليس وزارة الإسكان؛ فإن الرئاسة مدعوة لتبنى مشروع جديد للقضاء على عشوائيات الثقافة والفن.
الآليات والأدوات متوافرة والأمر لن يتطلب ميزانيات جديدة، فقط رؤية مستنيرة وواعية لاستثمار ما لدينا من إمكانات.
اكتشاف الموهوبين والمبدعين الحقيقيين ليس مهمة صعبة، وكما أنه لا يليق بالمصرى العيش في عشة صفيح؛ لا يليق بدولة الثلاثين من يونيو أن تترك وعيه ووجدانه بين يدي حمو بيكا ومجدى شطة.
ليس مقبولًا ألا تسجل الذاكرة المصرية أغنية وطنية واحدة تتغنى بثورة الثلاثين من يونيو وإنجازاتها، وأن تظل في حالة استدعاء مستمرة لأغانى الستينيات وحتى ثمانينيات القرن الماضى.
نحتاج إلى رؤية ثقافية واعية تسند لمجموعة من كبار مثقفينا وفنانينا وأدبائنا مدعومة بمبادرة رئاسية حتى نفسح المجال لولادة أبنودى جديد.