السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مى زيادة بين العشق والأدب والجنون

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الشاعرة والأديبة اللامعة مى زيادة «١٩٤١:١٨٨٦».. باتت أسطورة في زمن كانت المرأة فيه خارج الحياة العصرية، عندما انحصر دورها داخل إطار مؤسسة الأسرة والزواج والإنجاب وحسب.
فيما كان التعليم والخروج للحياة العامة في زمانها حلمًا، أما حرية المرأة فكانت هاجسا يكاد
 يقترب من المستحيل، في تلك الأجواء المغلقة نشأت مى زيادة اللبنانية التى سيطرت على قلوب وعقول مريديها لصفاتها النادرة.
امرأة تحدت كل الأعراف السائدة وقتئذ، وتميزت زيادة منذ صباها واجتهدت حتى باتت شاعرة ومترجمة وكاتبة وناقدة وصحفية، كما أجادت العديد من اللغات ودرست القرآن والشريعة رغم ديانتها المسيحية. 
أبدعت مى زيادة في العديد من المجالات من بينها الصحافة، وكانت تنشر مقالاتها في الصحف المصرية، وتمضى بأسماء مُستعارة، ومن بين تلك الأسماء: شجية، إيزيس، عائدة، كنار، السندبادة وغيرها من الأسماء. 
كان لمى أيضا دور بارز في الدفاع عن حقوق المرأة، وطالبت بالمساواة بين الجنسين، ونادت بنهضة المرأة العربية، وشجعت كل امرأة على الحصول على حقوقها المشروعة فاستحقت عن جدارة أن تكون رائدة من رائدات النهضة النسائية. 
كما أقامت أشهر صالون ثقافى جمع صفوة الأدباء والشعراء، وهو الصالون الوحيد في مصر الذى أدارته امرأة، وتستقبل فيه ضيوفًا من الجنسين، تميز هذا الصالون بالحريّة والتبادل الفكرى والتنوع الثقافى وشكّل منبعًا للإنتاج الأدبى.
وفيه استطاعت مى توطيد العلاقات مع الأدباء بالنقد المتبادل خاصةً مع محمود عباس العقاد، وطه حسين الذى وصف صالون مى بأنه «ديمقراطي» على عكس صالون الأميرة نازلى فاضل «الأرستقراطى» وهو أيضا أول صالون قد تأسس في الوطن العربى.
‏عشقت الشاعرة مى زيادة الأديب اللبنانى جبران خليل جبران، وهو الحب الذى استمر لأكثر من عشرين عاما، ظلا يتبادلان الرسائل دون أن يلتقيا، هو في نيويورك وهى في القاهرة، وفى إحدى الرسائل طلب «جبران» منها صورة، فقالت له تخيلنى كيف أنا؟ قال أتخيل شعرك قصيرا يلف وجهك، فقصت مى زيادة ‏شعرها الطويل وأرسلت صورتها له، فرد عليها أرأيت كان تخيلى صادقا، فقالت له الحب كان صادقا.
وفى رسالة أخرى طلب جبران من مى نقد كتابه، فكتب إليها قائلًا «إنى باعث إليك بأول نسخة من كتاب «يدى المواكب»، وهو كما تجدينه حلما لم يزل نصفه ضبابًا والنصف الآخر يكاد أن يكون جسمًا محسوسًا، فإن استحسنت فيه شيئًا تحول إلى حقيقة حسنة، وإن لم تستحسنى شيئًا عاد إلى الضباب بجملته».
أما رسالته التى كتبها بعدما استيقظ على حلم فيقول لها «لا أذكر أننى حلمت حلما في ماضىَّ أوضح من هذا الحلم، لذا أرانى مضطربا ومشغول البال.. ماذا تعنى رنة التوجع في كلماتك الجميلة؟ وما معنى الجرح في جبهتك؟ وأى بشرى يستطيع لأن يخبرنى مفاد انقباضاتى وكآباتى؟ سوف أصرف نهارى مصليًا في قلبى.. سوف أصلى في سكينة قلبى.. وسوف أصلى لأجلنا».
ومن أجمل رسائل جبران لمى تلك التى رَدّ فيها على اعتراف مى بحبها له: «تقولين لى أنك تخافين الحب، لماذا تخافين يا صغيرتى، أتخافين نورَ الشمس، أتخافين مدَّ البحر، أتخافين مجىء الربيع، لماذا يا ترى تخافين الحب. أنا أعلم أن القليل من الحب لا يرضيكِ، كما أعلم أن القليل في الحب لا يرضينى. أنت وأنا لا ولن نرضى بالقليل، نحن نريد الكثير، نحن نريد كل شىء، نحن نريد الكمال، لا تخافى الحب يا مى لا تخافى الحب يا رفيقة قلبى. علينا أن نستسلم إليه رغم ما فيه من الألم والحنين والوحشة، ورغم ما فيه من الالتباس والحيرة».
من ناحية أخرى أولت مى زيادة الصداقة اهتماما بالغا، وكتبت عنها مقالا متميزا مُهدى إلى أحمد حسن الزيات والدكتور طه حسين قالت فيه: «الصداقة من الموضوعات التى نُقبِل عليها في اهتمام ولهفة، لو جاز لى أن أشير إلى خُلُقٍ خاص فىَّ، قلت إنى أشعر بشىء غير قليل من الأسف كلما انتهى إلىَّ أن صديقين كريمين تجافيا بعد التصافى.. أيها الذين ربطت الحياة بينهم بروابط المودة والإخاء والتآلف الفكرى والنبل الخلقى، حافظوا على صداقتكم تلك وقدِّروها قدرها! فالصداقة معين على الآلام ومثار للمسرات، وهى نور الحياة وخمرتها، وكم تكنُّ من خير ثقافى وعلمى للنابهين! وحسبكم أنتم أنكم بإيمانكم بالصداقة توجدون الصداقة، وبممارستكم أساليب الصداقة إنما تكوِّنون خميرة الصفاء والصلاح والوفاء»!
فيما تعرضت الشاعرة لعددٍ من الخسائر الشخصية تحديدا بوفاة والديها وصديقيها إضافةً إلى وفاة توأم الروح خليل جبران الذى جمعتها به علاقة حب جامحة.
رغم تلك المسيرة الحافلة بالإبداع والحب والعطاء أمضت مى زيادة سبعة أشهر من أواخر حياتها في مستشفى الأمراض العقلية تدعى «العصفورية» حيث اتهمها أقاربها بالجنون ليستولوا على أملاكها. إلا أنّها استطاعت فيما بعد إثبات صحتها العقلية، لتخرج بموجب تقرير طبى وحملة صحفية كبرى في المجلات اللبنانية الرائدة مثل «المقدسى»، ثم عادت للقاهرة، وكتبت بعد خروجها من العصفورية كتاب «ليالى العصفورية» سجلت فيه ما رأته وعانته في مستشفى الأمراض العقلية، وعاشت بالقاهرة حتى رحيلها.