الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حروب الجيل الرابع.. وهم أم واقع؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حضرت نقاشا حادا بين قامتين كبيرتين فى السياسة، أحدهما ينكر وجود ما يطلق عليه "الجيل الرابع من الحروب"، والذى انتشر بشدة فى مصر فى السنوات الأخيرة، وفسر به كثير من الخبراء الاستراتيجيين والعسكريين ما حدث لمصر تمهيدا لأحداث 2011، وما أعقبها من تداعيات مؤسفة أضرت بالأمن القومى المصرى والعربى..وقد تهكم على المصطلح واعتبر تداوله فى مصر ترويجا "لنظرية المؤامرة"، والتى يرى ترديدها نوعا من الجهل والتبرير لفشلنا ونسبه لعدو وهمى!..وقد استند فى رأيه على ورقة رأى لأحد المفكرين العسكريين الأمريكيين، والذى نقد النظرية ورفضها بشدة، واعتبرها محاولة من المخابرات الأمريكية وبعض العسكريين لتبرير الفشل الأمريكى فى التصدى للجماعات الإرهابية منذ أواخر الثمانينيات..أما الرأى الآخر فى النقاش فكان يتبنى النظرية ويؤكدها، ويخون من يرفضها!..لأنها موجودة ويتم تدريسها فى الجامعات الكبرى فى العالم..ولأننى بحثت وتعمقت فى هذا الموضوع أثناء دراستى لزمالة كلية الدفاع الوطنى بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، ثم فى كتابى(القوى الناعمة:سموم فى أوانى الجاذبية) فقد تطرقت فى بحثى للآراء المؤيدة والرافضة للنظرية، وهى آراء كثيرة ومتفاوتة، ليس فى التأييد والرفض فقط، بل فى تصنيف الأجيال الأولى من الحروب أيضا..وكما يرى بعض العسكريين والسياسيين فى الغرب أن الحرب تطورت عبر قرون فى أجيال متعاقبة، يرى بعضهم أيضا أن طبيعة الحرب الحديثة لا تختلف عن أى حقبة سابقة، لأن الشكل الأساسى للحرب هو وجود قوة مضادة ومواجهتها، ففى الماضى كانت الجيوش تقاتل جيوش، وفى الحرب الحديثة جيوش تقاتل جماعات..كذلك هناك بعض الآراء التى رفضت هذا التصنيف لأن حروب الجيل الرابع (الحرب اللا متماثلة) ليست جديدة وإنما تواجدت منذ حرب يوليوس قيصر فى بلاد الغال، ولها أمثلة أخرى تاريخية..وبالتالى يرون أن كل أنواع الحروب كانت متواجدة منذ القدم، وإن اختلفت الوسائل التكنولوجية..وأرى أن أحد أهم تعريفات حروب الجيل الرابع وأخطرها، تعريف البروفيسور الأمريكى ماكس مانورينج (الباحث والمحلل الاستراتيجى بمعهد الدراسات الاستراتيجية التابع لكلية الحرب للجيش الأمريكى) والذى عرفها فى إحدى محاضراته -المتاحة على الإنترنت- بأنها:"الحرب بالإكراه لإفشال الدولة وزعزعة استقرارها ثم فرض واقع جديد يراعى المصالح الأمريكية...والهدف منها تفتيت مؤسسات الدولة والعمل على انهيارها أمنيا واقتصاديا وتفكيك وحدة شعبها..وتحقق نفس اهداف الحروب التقليدية فى الأجيال الأولى ولكن بتكلفة أقل بشريا وماديا مع تجنب مشكلات ما بعد الحرب من روح عدائية ضد الدولة المعتدية..وهى تستهدف الإنهاك والتآكل ببطء ولكن بثبات يؤدى إلى إرغام العدو على تنفيذ إرادتك..إذا فعلت هذا بطريقة جيدة ولمدة كافية وببطء مدروس، فسيستيقظ عدوك ميتا"..وقد شاهدنا تطبيقات عملية لما قاله مانورينج منذ 2011 وحتى الآن، وبالتالى فالتفسير السائد لدينا ليس وهما من إختراعنا، بل هو مما قرأناه وشاهدناه ولمسناه..والتصنيف لأجيال الحروب ما هو إلا ضمن محاولات الباحثين والساسة لوضع أطر وتعريفات ونظريات تفسر حدوث الظواهر، وليس معنى نقضها من آخرين إنكارها برمتها، فقد تتفق الآراء أو تختلف، ويتولد من الاختلاف تطوير لتلك النظريات، أو بلورتها بشكل أكثر دقة..فالنظريات العلمية قد تتغير وفقا للملاحظات والنقاشات والأدلة التى قد يسوقها آخرين، ويبق اختبار الزمن ليؤكد تلك النظريات أو ينفيها..ولكن في كل الأحوال يظل الاجتهاد أمرا ضروريا لا يجب السخرية منه، أو التعصب لرأى واعتبار ما سواه جهلا!.. فقد عرفنا كثير من النظريات العلمية السابقة التى ثبت خطأها بعد سنوات وتم هدمها بالكامل، وهو ما يعلمنا عدم التعصب بشكل عام، فقد يتغير الرأى أو تهدم النظرية بعد حين!..وبغض النظر عن الإتفاق أو الإختلاف حول تصنيف وتوصيف أجيال الحروب، لا شك أن المنطقة العربية تعرضت-وما زالت- لحرب شرسة استهدفت قوام المجتمعات، وزرع الفتن وتفكيك وحدة الشعوب، وإفشال الدول وتفتيتها..وللأسف نجح جزء كبير من المخططات فى العديد من الدول العربية، ودفعت مصر ثمنا غاليا من قوت شعبها ودماء شهدائها كى تظل صامدة، وما زلنا نتصدى ونحاول تخطى ما يحاك لنا.. ومع ذلك فإن هناك من أبناء الوطن العاقين من هم أكثر خطرا من أعدى أعدائنا، ويحققون لهم أكثر مما يخططون ويتمنون!..فمع حرصنا على التوعية بالمخططات والمؤامرات، علينا إدراك أنهم يجيدون إدارة نقاط ضعفنا واستغلالها، وأننا بفساد البعض وطمعهم وتفضيل المصالح الشخصية نتآمر على أنفسنا ونخطو نحو ما يأملون!