الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

رئيس الوزارة نزل المغارة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يوما بعد يوم تثبت مصر أنها أرض الحضارة والتراث وعبق التاريخ، وأن باطن أرضها أشبه ما يكون بمغارة على بابا الممتلئة بالذهب والياقوت والمرجان. ومنذ أيام قليلة، عادت الحضارة المصرية القديمة لإبهار العالم باكتشاف مقبرة جديدة يعود تاريخها إلى قرابة ٢٥٠٠ سنة. وفى خطوة غير مسبوقة قام رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى بالنزول إلى المقبرة الجديدة فى منطقة سقارة باستخدام الحبال. هذه الصورة الفريدة لرئيس الوزراء والتى بثها معظم وسائل الإعلام الدولية، ربما تكون الصورة الأشهر فى تاريخ د. مدبولى.
ولقد أعادت صورة د مدبولى إلى الأذهان صورة هوارد كارتر مكتشف مقبرة توت عنخ آمون فى وادى الملوك بالأقصر سنة ١٩٢٢. الفارق هذه المرة أن الصورة كانت مصرية خالصة، رئيس مجلس الوزراء، ووزير السياحة والآثار، والأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، وأعضاء البعثة الأثرية المصرية العاملة بمنطقة سقارة، هى التى أعلنت عن الاكتشافات الجديدة.
الكشف هذه المرة ليس لمقبرة ملكية مليئة بالتوابيت الذهبية، ولكن لعدة آبار مدفون بها عدد كبير من الكهنة وكبار رجال الدولة. الخبيئة الجديدة فى سقارة وُجدت فى حالة ممتازة، وبها عدد كبير من التوابيت الآدمية المزينة بألوان خلابة والمغلقة منذ قرابة ٢٥٠٠ سنة، بالإضافة إلى تماثيل خشبية ملونة ومذهبة. واللافت للنظر أن التأثير العالمى الواسع الأثر هذه المرة لا يقل عن تأثير اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون منذ قرن من الزمان، وكأن حضارة الفراعنة تأبى إلا أن تُذَكِر العالم بمفاتنها وروعتها وإعجازها جيلًا بعد جيل.
ولقد أعادت الاكتشافات الاثرية الجديدة ذكريات عزيزة علىَّ، فعندما سافرت إلى مانشستر سنة ١٩٩٧، وفى أول أيامى هناك، كان من المقرر أن أذهب للتسجيل فى كلية الطب، ولكنى وجدت متحف مانشستر مقابلا لمبنى كلية الطب، وشاهدت عليه إعلانات بالحجم الكبير عن آثار وتوابيت فرعونية. فى هذه اللحظة وجدتنى أقترب من المدخل إلى المتحف وأصعد السلم إلى البهو الفرعونى، ووجدت نفسى بين العشرات من تلاميذ المدارس والزوار ونحن جميعا ننظر بانبهار إلى عشرات التوابيت والأجسام المحنطة والمعروضات الفرعونية والأفلام التسجيلية عن الآثار المصرية، هذه الجولة السريعة داخل المتحف كان لها تأثير السحر عندى، فقد أذهبت عنى الرهبة، وأعادت إلى نفسى السكينة، واكسبتنى الثقة فى النفس. ولا أبالغ إذا قلت إن زياراتى المتعددة للآثار المصرية فى المتاحف كانت تعيدنى إلى جذورى، وكانت معينا لى على استمرار دراستى وعملى فى إنجلترا لعدة سنوات.
ومع زيارتى إلى المدن الإنجليزية، وجدت حرصا من كل المتاحف على عرض بعض الآثار الفرعونية مع أفلام وخرائط ومعلومات عن الحضارة المصرية القديمة. وفى المتحف البريطانى فى لندن، وقفت أنا وأسرتى بين المئات من السياح، مأخوذين بروعة وعظمة وبهاء الآثار المصرية. ووقفنا فى طوابير طويلة ودفعنا عدة جنيهات لمشاهدة حجر رشيد فى غرفته الزجاجية والفيلم التسجيلى عن اكتشاف الحجر ودوره فى اكتشاف اللغة الهيروغليفية لقدماء المصريين. ولا أنسى سؤال ابنى عندما شاهد مئات التماثيل الشاهقة الصخمة التى تملأ جنبات المتحف: «بابا كيف تم نقل هذه التماثيل الصخمة من مصر إلى إنجلترا؟ وعند زيارة فرنسا، وقفت أنظر إلى المسلة المصرية التى تقف شامخة فى مدخل الكونكورد. أما المتعة الحقيقة فتجدها فى القسم الفرعونى فى متحف اللوفر فى باريس، العرض المبهر لهذا البهو الطويل من المعروضات الفرعونية، يعطيك الشعور بأنك داخل متحف الكرنك فى الأقصر. ومع شعور بالفخر والعزة بمصريتى، وقفت أنظر ليس فقط إلى روعة الآثار، ولكن أيضا إلى عظيم الاحترام والتقدير الذى يبديه آلاف السياح للآثار المصرية. بحق لقد ترك لنا أجدادنا الفراعنة تراثا عظيما نباهى به كل حضارات الدنيا. نفس الإحساس تشعر به وأنت تزور المتاحف فى كل قارات العالم، خاصة فى برلين ونيويورك وغيرها من المتاحف الكبرى حول العالم.
ومع سعادتى بانتشار تراثنا الإنسانى وحضارتنا العريقة حول العالم، وما يصاحبها من تأثير وجدانى وقوة ناعمة لمصر، لكننى لا أنسى تعليق ابنى ونحن فى نغادر متحف اللوفر فى باريس: «إذا كانت كل هذه الآثار المصرية التى شاهدناها هنا وفى إنجلترا قد غادرت مصر، فهل هناك آثار باقية نعرضها للسياح الذين يزورون بلادنا؟ 
أعتقد أن آثارنا فى كل ربوع مصر، والاكتشافات الحديثة، وما تملكه متاحفنا، خاصة المتحف المصرى الكبير سوف تجيب عن هذا السؤال.