الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

سامح محجوب يكتب: أين في المحفل مي يا صحاب ؟

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"ولدتُ في بلد، وأبي من بلد، وأمي من بلد، وأشباح نفسي تتنقل من بلد إلى بلد، فلأي هذه البلدان أنتمي؟ وعن أي هذه البلدان أدافع؟"
هكذا وصفت نفسها من تقاسمت الجغرافيا تكوينها الأول بين عدة مدن لكل منها خصوصيته الاجتماعية والثقافية ، إلا أن هذا التشكُّل الأوَّلِي لم يتجاوز كونه إرهاصًا للمثول بين يدي العظيمة مصر التي كان يتخلق في رحمها آنذاك جيل مؤسس ولد أغلبه في الربع الأخير من القرن التاسع عشر نفس الأعوام المباركة التي شهدت ميلاد ماري إلياس زيادة وأم كلثوم وعبدالوهاب وسيد درويش وطه حسين والعقاد والمازني ولطفي السيد والزيات وحسين هيكل وآخرين ممن تحلقوا حول الفاتنة صوتًا ولغة وحضورا ماري أو مي زيادة كما اختارت لنفسها أن تُنادى بعد استقرارها وأسرتها في مصر منذ عام 1908 ، لتصبح في سنوات قليلة واحدة من ألمع نجمات المجتمع الثقافي المصري بعدما قرأت كلمة جبران خليل جبران نيابة عنه - حيث كان يقيم في أمريكا - في حفل تكريم الشاعر مطران خليل مطران بدار الأوبرا المصرية ، الحفل الذي أعلنت خلاله تدشين صالونها الأدبي الذي كان ملتقى لكبار مثقفي ومفكري مصر الذين تنافسوا على قلب الفاتنة اللبنانية الذي كان معلقًا بجبران خليل جبران الشاعر والرسام المهجري الشهير الذي لم يلتقيها أبدًا رغم ماكان بينهما من مشاعر أسطورية تجاوزت ماكان سائدًا من قصص العشاق، بين كل هذه الفواصل عاشت مي حياتها مزدحمة بعشاقها وطموحها في الكتابة وحضورها كمدافعة شرسة عن قضايا المرأة والحريات بعدة كتب ومقالات نشرت في كبرى صحف ودوريات الربع الأول من القرن العشرين كالهلال والمقتطف والمحروسة والسياسة الأسبوعية والهلال والأهرام وغيرهم ، إلا أن الوقت لم يمهلها طويلا كي تنضج كتابتها أو تقطع المسافة الطويلة نحو طموحاتها ، حيث رحل والدها وبعده بقليل رحلت والدتها وبعدهما بقليل فجعت في رحيل رجلها وملهمها ووقود روحها المعذب الأكبر جبران خليل جبران لتجد مي -المزدحمة بالحياة- نفسها وحيدة ومضطربة وفاقدة تماما لتوازنها النفسي ليستغل أقاربها ذلك الظرف ويضعوها في مستشفى للأمراض العقلية مكثت فيها الفاتنة المعذبة عامًا أو يزيد لتخرج منها عائدة إلى مصر بتجربة قاسية بعد صدور تقرير طبي يؤكد سلامة قواها العقلية،وفي مصر عاشت مي أيامها الأخيرة ذاهلة عن كل شيء متأملة لمجهول لا يعرفه أحد هائمة في ملكوت لا يراه غيرها ، إلى أن رحت في التاسع عشر من أكتوبر لعام 1941 تاركةً مجموعة من الدواوين الشعرية والكتب البحثية- بعدة لغات كانت تتقن معظمها- والكثير من الغبار حول شخصها ومواقفها وانحيازاتها ، ويرثيها العقاد أحد عشاقها الكبار بنصه الأهم 
أَيْنَ فِي المَحْفِلِ مَيٌّ يَا صِحَابْ ؟
عَوَّدَتْنَا هَا هـُنَا فـَصْـلَ الخِطابْ
عَرْشُـهَا المِنْبَرُ مَرْفـُوعُ الجَنَابْ
مُسْـتَجِيبٌ حِيْنَ يُدْعَى مُسْتَجَابْ
أَيْنَ فِي المَحْفِلِ مَيٌّ يَا صِحَابْ ؟