الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

«حداية» الانتخابات و«كتاكيت» رجال الأعمال

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ بداية عصر الانفتاح وعلى مدى عقود، تمكن رجال الأعمال من النفاذ والسيطرة على مفاصل مجالس النواب، فأصابوا الحياة السياسية والنيابية بالتيبس، واختطفوا الدور التشريعى فكانت معظم القوانين لصالح مجتمع «البزنس» وعلى حساب البسطاء.
يظل رجل الأعمال نموذجًا للبر والتقوى وعمل الخير حتى ظهور نتيجة الانتخابات فيبدأ دون إبطاء في جمع ما أنفقه على دائرته أضعافًا مضاعفة، في واحدة من أبشع صور الاستغلال التى تنفرد بها مجتمعاتنا فيما يعرف بـ«ظاهرة المال السياسي»؛ تلك الجريمة الانتخابية التى تغير النتائج، وتأتى بما يخالف إرادة الشعب ومصالحه.
المفاهيم الفلسفية لـ«المال السياسي» كثيرة إلا أنها تتفق جميعها على أن تعريف المصطلح يُطلق بجلاء على الأموال التى يتم إنفاقها في أنشطة وواجهات سياسية، لعل أكثرها وضوحًا الانتخابات النيابية، بهدف التأثير في السياسات العامة، وجعل أصحاب رءوس الأموال فاعلين في الواقع الديمقراطى بما لا يتناسب ووزنهم الحقيقى في المجتمع السياسى أو مقدرتهم على تمثيل المواطنين.
هذا ما يدققه عالم النفس الدكتور أكرم زيدان في كتابه الصادر عام 2008، تحت عنوان «سيكولوجية المال.. هوس الثراء وأمراض الثروة»، ويؤكد أن المال ليس فقط مجرد ظاهرة اقتصادية بل هو أيضًا ظاهرة نفسية تؤثر في شخصية الإنسان، فهو مصدر من مصادر القوة والهيمنة، والسيطرة والشعور بالسعادة أو القلق والألم والخوف، وهو أحد أهم العوامل التى تتأثر بحركة التاريخ وتؤثر في مجريات أحداثه بالسلب والإيجاب.
«سيكولوجية المال» كان أول كتاب في علم النفس باللغة العربية يقدم فيه المؤلف زاوية جديدة للنظر إلى تكوين الشخصية في سويتها ومرضها من خلال المال، فيوضح لنا كيف أن المال ليس مجرد ظاهرة اقتصادية فقط، بل هو أيضا ظاهرة نفسية تؤثر على المستويين الفردى والمجتمعى في الوجدان والإدراك والنزوع وتشكل الشخصية بالكامل، ويبدو ذلك في الاتجاهات النفسية للناس نحو حب المال باعتباره مصدرًا من مصادر القوة والهيبة والمكانة وتقدير الذات.
خلاصة نظرية «زيدان» أن المال صوت من لا صوت له، وسلاح من لا سلاح له، وسلطة من لا سلطة له، بل ومقعد من لا مقعد له داخل المجالس النيابية في بعض المجتمعات.
وبالتالى فإن كل الذين يلهثون وراء المقاعد النيابية على ظهر حصان «المال السياسي» لوضع أسمائهم في قوائم نواب الشعب إنما يعانون عقد النقص والحرمان، بحسب نظرية «سيكولوجية المال»، حتى مع تضخم ثرواتهم.
إذا سيطر رجال الأعمال يومًا بعد يوم ودورة بعد أخرى على حياتنا النيابية، فإن الأمر يستحق وقفة لمناقشة الظاهرة والتحذير منها.
فقد أفرزت تجربة «برلمانات البزنس» من قبل «نواب القروض» و«نواب الكيف» وحتى «نواب سميحة»، هذه الفئات وغيرها المثير ممن فسدوا وأفسدوا جسد الحياة السياسية المصرية، وتحولوا بأموالهم المشبوهة إلى ما يشبه آفة «الهالوك» المتسلق الذى يزاحم الزراعات الأصيلة ويتطفل على بيئتها وغذائها.
«الحداية ما بترميش كتاكيت».. هذا هو ملخص حكاية رجال الأعمال مع المجالس النيابية، فقضية الانتخابات لدى أصحاب رءوس الأموال ليست مجرد شراء حصانة برلمانية وواجهة اجتماعية بمقعد تحت قبة البرلمان، وإنما مشروع تجارى يتم من خلاله ضخ أموال في صورة تبرعات، ينتظر أن يجنى من ورائها الأرباح الوفيرة.
هذه الأرباح في مجملها أضعاف هذا الدعم، وتلك التبرعات التى حصل عليها الفقراء في فترة الدعاية الانتخابية؛ تلك هى الحقيقة مجردة.. فاحذروا رجال الأعمال.