الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

التربية الجنسية والامتحان الصعب!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كتبت الأسبوع الماضي في هذه المساحة عن خطورة الموبايل والكمبيوتر والألعاب الإلكترونية على أطفالنا ووصلتني رسالة من أب يحذر مما يراه أكثر خطورة على الأطفال نتيجة التعامل مع الموبايل والكمبيوتر من الألعاب التي تحدثت عنها في مقالي السابق. 
يقول وجدت ابني البالغ من العمر 14 عامًا في غرفته يشاهد شيئًا غير مناسب على جهاز الكمبيوتر الخاص به.. إنها أفلام جنسية!! فماذا أفعل؟
وأخصص مقالي للرد على حيرة هذا الأب و أي آباء أو أمهات قد يواجهون امتحانا صعبا مع صغارهم حول التربية الجنسية.
لا شيء على الإطلاق مطلوب منكم في هذه الحالة، باستثناء التحدث مع الابن/ة. لا تعاقبوه ولا تصرخوا في وجهه ولا تأخذوا حاسوبه أو تليفونه المحمول.
ولابد أن تكون أيها الأب ممتنا وراضيا لأن ابنك كان في المنزل ولم يكن في مكان آخر يفعل ذلك. إنه فضولي وهذا طبيعي، وهو ما يدفعه للبحث عن أي وسيلة متاحة لديه من أجل التعرف على هذا العالم الذي يحقق فضوله. 
نعلم أن الجنس في المراهقة "تسونامي" لا يمكن أن يتباطأ دائمًا للدرجة التي يمكن إدارتها من قبل الأسرة؛ وقد تكون مغامرة "ساحقة" تمامًا لطفولة ابنك في هذا العمر. أفضل ما يمكنك أن تتمناه هو أنه يرى الخير جميلا والشر قبيحا ويظهر اختيارات معتدلة لأنك ربيته جيداً حتى الآن.. ولا تبدأ حديثك معه بأن تؤنبه لأنه سينفر منك ويعطل عقله حتى لا يستوعب ما تذكره. لو اعتبرته شرا فهو شر لابد منه. ولو اعتبرته خيرا فهو خير متمثل في الفرصة المتاحة بين يديك لتوجيه ابنك للطريق السليم والآمن الذي يجب أن يسلكه للوصول إلى المعرفة بموضوع شائك في مجتمعنا مثل الجنس. وما أعنيه بهذا هو أنك لا تريد أن يفتقر ابنك إلى المعرفة السليمة كما أنك لا تعرف نوع المحادثة التي تدور حول الجنس مع أقرانه الآخرين ومدى صحتها أو زيفها؛ لذلك فهذه فرصتك لتوصيل المعلومات الصحيحة وتكوين الإطار المرجعي السليم الذي سيستند عليه ابنك ليس في هذه المرحلة من عمره فحسب ولكن لبقية حياته. 
أما إذا أعطيته معلومات خاطئة فسوف تعرضه إلى عاصفة من السخرية من أقرانه والتي قد تصيبه بالصدمة مدى الحياة بسبب الإحراج و التنمر المستمر والشائعات التي ستدور حوله من أقرانه. لذلك أفضل رهان هو الجلوس معه والقول إن الأمر لم يكن بهذه الصعوبة عندما كنت في عمره. سُمح لك بأن تكون "طفلاً" فقط لفترة أطول . 
وإذا لم تكن لديك أي خبرة في النظر إلى كل هذا المحتوى الجنسي بشكل علمي وصحيح، فيجب أن تسرع بنفسك للإحاطة به أولا لأنه عليك أن تشرح لابنك ما يجب أن يقال بشكل علمي مبسط وبكل جدية عن الجسم والعلاقات الجنسية والسن المناسبة التي يكون فيها ناضجا مكتمل الرجولة. ولا يجب أن يظن أن عليه أن يكون كارهًا للنساء والعلاقات من هذا النوع إنما لم يحن وقتها بعدُ. أما إذا أردت تجنيب ابنك المعرفة بالثقافة الجنسية خوفا عليه في هذه السن الصغيرة فسيكون ضعيفًا هشا للغاية في وسط أقرانه وستكون أسوأ كوابيسك بمثابة حلم يقظة مقارنة بما قد يتعرض له في الواقع من سخرية.. لا بأس أن تخبره أنك قلق بشأن تحمله كل هذا العبء جراء الإلمام بكل هذه المعلومات حاليا؛ لكنك على ثقة بأنه سيحسن فهمها.
هل لاحظت المحتوى الجنسي المنتشر في شبكة المعلومات خلال السنوات العشر الماضية؟! 
إنه محتوى يُشعر بعض الأطفال بالارتباك الشديد والترهيب بسبب ما يرونه وما يعتقدون أنهم من المفترض أن يفعلوه وهم يشاهدون مقاطع الفيديو للرجال ذوي الأعضاء التناسلية الضخمة والبنية الجسدية الخارقة للعادة. وحتى تتمكن من إجراء محادثة مستنيرة مع ابنك دون إحراجه عليك إخباره فقط أن هذه مجرد أفلام لا تمت للحقيقة بصلة وأنه يستخدم في الأفلام تقنيات حديثة للمبالغة للترويج لهذه التجارة الممنوعة في كافة القوانين والأديان! من المهم أن تعيد تذكيره بأنه تربى على احترام الناس وأن تلك التجارة تحتقرهم لأنها تتاجر بأجسادهم وأعضائهم ومشاعرهم وليس عليه أن يتماشى مع الحشد حتى لو كانوا أصحابه لأنه قد يكتشف أن أصدقاءه يكذبون جميعًا بشأن معلوماتهم أو تجاربهم وأنهم يبالغون في سرد أساطير لا تمت للواقع بصلة. 
أخبره عن كيفية احترام النساء و الرجال من منطلق إنساني وأخلاقي وديني وأي منطلقات قيمية أخرى في ثقافتك تربي ابنك عليها.. وأخبره كيف أن ما يشاهده في هذه الأفلام أمر مهين للنساء والرجال. ثم دعه يتخذ قراره ، سواء كان يشاهدها أم لا ؛ ولا تكن متسرعا من أجل رؤية نتائج لحديثك معه. أخبره بغض النظر عما يختاره. ومن المهم للغاية التعبير عن حبك له وأنك ستظل دائمًا في مكانه متفهما وداعما له.
وإذا لم تكن أنت أو زوجتك قد خضت بالفعل تجربة الحديث مع ابنكما من قبل فهذا هو الوقت المناسب بالتأكيد. إنه في المرحلة العمرية التي أصبح فيها على دراية بجسده وبالرغبات التي داخله. ولا ننسى أن الأجيال الحالية كبرت قبل سابقتها بسبب طوفان المعلومات التي يختلط فيها الحابل بالنابل. ويفضل خبراء التربية الجنسية أن يتحدث الأب مع الابن، والأم مع الابنة، وبشكل مريح وثقة تامة عن جسم الرجل والمرأة بشكل علمي وكيف أنه ينمو وفقا لمراحل معينة وأن لكل مرحلة ملامحها ورغباتها وكيفية التعامل معها والتفاعل معها، وأنه مازال مبكرا أن يمارس الجنس وأن الجنس لابد أن يكون عند الزواج حماية له ولصحته وسلامته ودينه، كما أن إفراغ رغباته بالتسلية مع المواد الإباحية هي عملية مزيفة في جوهرها وستدمر صحته مبكرا. 
وذكّره أيضًا أن المشتغلين بالجنس مقابل المال هي تجارة في البشر، وأن المرأة الجذابة ليست بضاعة جنسية ولا ينتهي بها الأمر على أنها "غزوة جنسية" لرجل ما، كما أن أجساد الآخرين ليست هي القيمة النهائية لهم كما لا ينبغي النظر إلى الآخرين في ضوء الفرص الجنسية!
ومن الواضح أن الابن العزيز وأمثاله ليسوا في السن المناسبة لعرض هذه المواد لكن الشبكة الملعونة جعلت كل شيء في المتناول، مع ذلك يمكنك الاستفسار عن مشاعره تجاه النساء، وفتح الباب لإقناعه بأنها مشاعر طبيعية وأنك متفهم لها وأنه يمكنه الاحتفاظ بمشاعره الرومانسية والعاطفيةً لأنها قيمة كبيرة. وعليك أيها الأب أن تواصل الإحاطة به في مراحل تالية وأن تكون موجودًا من أجله عندما يحتاج إلى دعم للانتقال إلى مراحل متقدمة من صباه وشبابه. ولعل مجرد منعه من أي ارتباطات رومانسية خوفًا عليه من الخطأ لن يؤدي إلا إلى المزيد من الرغبة في خوض المغامرة.. فالمنع يؤدي إلى الابتكار. ومن الواضح أنك تهتم به وتريد أن تكون في حياته دعما وسندا له، وهذا سيساعده على بلوغ سن الرشد بشكل أفضل.
يمكننا أن نفترض أن ابنك قد استوعب بالفعل علم التشريح البشري من مناهج العلوم في المدرسة، لكن لا مانع أن تكرر أهم ما ينفع ابنك في تلك المرحلة. والنصيحة هي أن تتدرب على نطق بعض الكلمات غير المريحة بالنسبة لك بصوت عالٍ وجدية مع تفادي الهزل نهائيا حتى توصل معلوماتك و رسالتك بشكل احترافي متزن. 
لعل الغالبية يشعرون بأنها محادثة محرجة بالنسبة لهم ولا غرابة في ذلك فالأجيال السابقة تعاملت مع الثقافة الجنسية كممنوعات ومحرمات ولم يحظ معظمها بفرصة دراستها في الفصل الدراسي حيث كان المدرسون يتفادون شرح هذا الجزء من المنهج. لكن الأجيال الجديدة أفضل حظا من الأجيال السابقة وتتاح لها هذه المعرفة من عدة مصادر سواء في المدرسة أو شبكة المعلومات. ولكن دور الآباء هو التأكد من أن تلك المعرفة تتم على أسس علمية وقيمية سليمة خاصة في ضوء التلاعب والتزييف والتجارة الممنوعة الموجود في المواقع المسمومة. 
ولا أبالغ إذا قلت لهذا الأب الذي يطلب النصيحة أنه كان لابد له أن يقلق أكثر إذا وجد ابنه لا يشاهد بتاتا مثل هذه المواد الإباحية على جهاز الكمبيوتر لأن "الجنس" هو أكثر الموضوعات التي تدور حوله المراهقة- وحتى قبل عصر الكمبيوتر والشبكة العنكبوتية- حيث يفكر المراهق ويتحدث في الجنس عشرات المرات في اليوم بل حتى في أحلامه خلال الليل.
ولعل وظيفة الأب المربي الصالح المعتني بأبنائه هي فهم الحالة الإنسانية والمرحلة العمرية ومنح الطفل الاحترام اللائق بفضوله الذي لا يشبع في مجالات كثيرة، خاصة ذلك الفضول عن المحرمات والممنوعات والجنس من بينها.
وإذا ما أدركت أيها الأب هذا الإطار الذي يتحرك داخله الابن فإنك بالتأكيد ستكون قد اجتزت الامتحان الصعب عند التعامل مع ابنك لأنه يفعل ما يفترض به أن يفعله في الوقت الذي يفترض فيه أن يفعل ذلك سعيا للحصول على إجابات لجميع الأسئلة التي يولدها فضوله وأن تقوم من جهتك بدور الشارح والداعم معا باعتدال. 
olfa@aucegypt.edu