الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

خطايا العثماني الأخير

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إذا أردنا أن نفهم الحاضر علينا بلا شك الرجوع للتاريخ والغوص فيه لفهم أصل الصراعات من حولنا وإذا لم نفهم ما جرى في الماضي فلن نفهم الحاضر ولن نجد لأنفسنا مكانا في المستقبل. من هذا المبدأ انطلق الكاتب أحمد محروس في روايته الأولى "خطايا العثماني الأخير" الصادرة عن دار النخبة وهي تكشف عن مشروع روائي جديد يشق طريقه إلى فضاء الرواية الرحب. فقد اختار الروائي الطريق الصعب وهو مجال الرواية التاريخية بل وخاض مغامرة بتقديم روايته ببناء ممتع يراوح بين تقنية الراوي العليم والراوي المخاطب والراوي المتكلم والحوار فتجد الرواية كلحن موسيقى يراوح بين الصعود والهبوط في تناغم أخاذ. 
تبدأ الأحداث عام 1804 م في عهد الوالي خورشيد باشا في منطقة وردان (إمبابة حاليا) وتحديدا حارة درب الطليان حيث يرسم محروس عالما من شخوص متخيلة لكنها تروي مواقف وسجالات ذاك العصر على لسان الراوي حفيد القاضي الشرعي الشيخ رضوان الورداني الذي يروي تفاصيل الصراع بين جده والأمير قابيل كتبغا، الذي يحكم القاهرة، واستخدم لغة حوار سهلة تتراوح تارة ما بين العامية وتارة بالفصحى. 
تلعب شخصية الشيخ رضوان الورداني دورا محوريا ومحركا للأحداث في الرواية، فهو الشيخ الذي درس في السوربون ويكتب في جريدة " مرآة الوطن" على خطى جده الذي صادق كبار الكتاب الشوام ليعبر عن طبقة المشايخ والعلماء ومشايخ الأزهر الذين يحاربون الجمود والرجعية ويقودون تيار التنوير عبر الكتب والصحف وبالطبع قادوا الكفاح ضد نابليون بونابرت بقيادة عمر مكرم واستمروا في هذا الكفاح لمدة 4 سنوات تالية بعد طردهم وإلى أن قضوا على الوجود العثماني. 
وبذكاء روائي تظهر شخصية الأمير ياقوت الأخ غير الشقيق للسطان العثماني (سليم الثالث)، والذي يروي مسالب الحكم العثماني، ويكشف أسرار سراي طوب قابي للشيخ رضوان معلنا تحالفه معه. هنا تبدأ ذروة الأحداث حيث نجد في الرواية صراعات وانقسامات بين الشيوخ على خلفية انتماءاتهم المذهبية ما بين السُنة والشيعة، وهنا يرصد الروائي الخلاف عبر مواقف تحدث خلال ترحال الشيخ في الشام. وعبر سرد شيق بتقنية " الفلاش باك" لرحلة الشيخ الورداني جد الشيخ رضوان في فلسطين يكشف كيف كان العثمانيون يفرضون الضرائب الباهظة على أهلها. 
ويعود إلى ما فعله العثمانيون بأهالي المحروسة حينما علم الشيخ رضوان بتواطؤ الوالي العثماني مع الفرنسيين وتسليمهم مصر ثم فلسطين ساردا لتفاصيل مقاومة عكا ودور قبضايات الشام في مساندة أهالي عكا المحاصرين. 
ولكن نشعر بتماهي شخصية الشيخ رضوان المتخيلة مع شخصية الكواكبي حينما نجد أن الشيخ بالرواية عقد مؤتمرًا بمكة يناقش حقوق الدول الإسلامية أمام إحجاف وظلم العثمانيين، وهو ما طالب به الكواكبي أيضا. 
تستمر الأحداث بسرد على لسان الراوي "الحفيد" ومستعينا ببعض السرد الوثائقي بانتقاء مقاطع كتبها الجبرتي توثق لتلك الفترة ومنها خطابات نابليون التي حاول بها أن يخدع المصريين البسطاء محاولا إيهامهم بأنه يحب الدين الإسلامي ورسوله الكريم، فهو قد أيقن أن نقطة ضعف المصريين هي الحب الفطري للتدين والصلاح. 
ويتأجج الصراع في الرواية حينما يطالب الشيخ الورداني بتعطيل دفع ضريبة الالتزام التي يدفعها المصريون للعثمانيين بدعوى الجهاد في سبيل الله، وهنا يقول الشيخ لأهالي المحروسة إن الجهاد كان في عصور الفتح الإسلامي الأولى، وأنها فريضة سقطت. هنا يحرض الأمير قابيل الشيوخ والأهالي ضده بدعوى خروجه عن الدين ويطالب بمحاكمته وإهدار دمه، وبالفعل يقتله بسيفه في المسجد ويعلق جثمانه على سور الحي. وينهي أحمد محروس الرواية بتعليق حول قيمة الدور التاريخي الذي لعبه محمد على في تاريخ مصر وتخليصها من المماليك (انكشارية مصر) أو الجنود الجدد. تنتهي الرواية بعد 5 فصول لكن المؤلف يشير إلى دور "الانكشارية الجدد" في العالم العربي ومحاولات تقسيمه بشكل مباشر يخاطب فيه القارئ، بعد أن سرد كيفية قيام الدولة العثمانية على القتل ونهب خيرات الشعوب العربية واستغلال نخبتها من الفنانين والمهرة بمقاطع موثقة تاريخيا.
في الرواية فرصة لاكتشاف ماضي الدولة العثمانية والتاريخ المظلم لها، والذي نرى محاولات أردوغان الشاقة لاستكماله ولكن هيهات!.