الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المبيدات المغشوشة (3 - 3)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أنواع المبيدات المغشوشة وغير الشرعية
توجد ثلاثة أنواع للمبيدات المغشوشة، النوع الأول ويطلق عليه مبيدات مزيفة (Fakes): هذه النوعية من المبيدات تحتوي على أي شيء بداية من الماء الملون أو العسل الأسود أو بودرة التلك إلى نوعية من المبيدات المخففة أو الراكدة أو منتهية الصلاحية والتي قد تكون قد تم إلغاؤها أو المقيدة في استخدامها. وبعض أنواع المبيدات المزيفة قد تحدث بعض التأثير بيولوجي. النوع الثاني ويسمى المبيدات المغشوشة (Counterfeits) وهى عبارة عن نسخة مقلدة من المبيدات الأصلية وذات العلامة التجارية. والمبيدات المغشوشة عادة ما تكون لديها بطاقة استدلالية ومعبأة بشكل عالي الجودة. وغالبية المبيدات المغشوشة تحتوي على نسخة من المادة الفعالة الأصلية. وعلى أية حال، فإن الفعالية البيولوجية للمبيدات المغشوشة غالباً ما تكون منخفضة وضئيلة بسبب المستويات المرتفعة من الشوائب الناتجة من عمليات التصنيع. وفي بعض الأحيان يكون من الصعوبة التمييز بين المبيدات المغشوشة وبين المبيدات الشرعية إلا من خلال الخبراء وبعد عمليات التحليل أو من خلال التأثيرات الضارة التي تحدث بعد تطبيقها. أما النوع الثالث فيطلق عليه واردات موازية غير شرعية (Illegal parallel imports) وهى عبارة عن منتجات غير شرعية في صورة نسخ عامة من المركب الأصلي ولكن يتم الإتجار بها بشكل موازي للمبيدات الشرعية. وهذه المنتجات العامة يعاد تعبئتها وتباع تحت العلامة التجارية الأصلية الموثقة.
بعض الحقائق العلمية المريرة عن المبيدات المغشوشة
توجد بعض الحقائق المؤلمة التي يجب الاعتراف بها فيما يتعلق بالمبيدات المغشوشة. مثلاً المبيدات المغشوشة وغير الشرعية تعتبر مشكلة عالمية واسعة الانتشار، تعتبر رابع أكبر تجارة في المجال الصناعي، صناعة المبيدات المغشوشة تعتمد على استخدام تكنولوجيا متطورة (ربما تكون أكثر تطوراً من التكنولوجيا المتبعة في انتاج المبيدات الأصلية)، المبيدات المغشوشة وغير الشرعية في أوروبا تشكل 14% من السوق الأوروبي للمبيدات (إحصائية صادرة عن الجمعية الأوروبية لحماية المحاصيل) (وصلت كميتها إلى 670 طنا أثناء الفترة 2015-2017)، الإيرادات العالمية المرتبطة بتجارة المبيدات المغشوشة تقدر بأكثر من 4,4 بليون يورو سنوياً، محاربة المبيدات المغشوشة تعتبر مهمة معقدة، تعتبر كل من الصين والهند من أكثر دول العالم تصنيعاً و إتجاراً للمبيدات المغشوشة وذلك طبقاً لما نشره بعض العلماء مثل (Carter and Durrant 2015, Fishel 2015 ). بمعنى آخر، فإنه في كل من الصين والهند، يعتقد أن المبيدات غير الشرعية تشكل حوالي 20-30% من إجمالي سوق المبيدات في هذين البلدين، على التوالي. يوجد أكثر من 2000 شركة صينية تعمل في مجال تجهيز مستحضرات المبيدات وأكثر من 400 شركة صينية تقوم بتصنيع المواد الفعالة للمبيدات. المبيدات المصدرة من الصين إلى الاتحاد الأوروبي تبين إنها تزايدت ثمانية أضعاف بشكل أسرع من متوسط حجم التصدير الدولي إلى الاتحاد الأوروبي. في أفريقيا، فإن المناطق الساخنة للمبيدات المغشوشة هي مصر، غرب أفريقيا، أوغندا وتنزانيا. معظم المبيدات المغشوشة تحتوي على شوائب غير معروفة. بعض المواد الفعالة تحتوي على مستويات مرتفعة (30 جزءا في المليون) من شائبة (ميثان سلفونات Methane Sulfonate EMS) والتي لها تأثيرات طفرية وتشوهية واحتمال أن تكون مسرطنة. وبالنسبة لهذه المادة، فإن الحدود المسموح بها تقدر بحوالي (0,1 جزء في المليون). بعض المبيدات المغشوشة قد تحتوي على شائبة نونيل فينول إيثوكسيلات (nonylphenol ethoxylates NPEs ) بتركيز يصل إلى (0,433%). هذه المادة تشابه في تركيبها هرمون الإستروجين ومن ثم تعتبر من المعطلات المهرمونية نتيجة إحداثها خلل لغدد الصماء. وقد اتضح أن الحد الأقصى المسموح به من هذه المادة يصل إلى 0,1%. في حالات أخرى أمكن الكشف عن وجود مبيد كارباريل (كمادة ملوثة) في مستحضر المبيد الفطري أوكسي كلوريد النحاس. وجود شائبة تسمى (مشابه المالاثيون isomalathion) وذلك في المادة الفعالة لمبيد المالاثيون. هذه الشائبة تسببت في وفاة خمسة أفراد. وجود الملوث الكيميائي المعروف باسم (ديوكسين Dioxin) في بعض مبيدات الحشائش وهو ما نتج عنه تأثيرات جانبية خطيرة على الصحة، كما أمكن الكشف عن وجود مركب (ددت DDT) كناتج ثانوي في تخليق مبيد (كابتوفول Captofol).
التأثيرات الضارة نتيجة تجارة المبيدات المغشوشة
في الحقيقة أشارت الدراسات البحثية التطبيقية إلى أن هناك العديد من الأضرار الناجمة عن الإتجار في المبيدات المغشوشة والتي تتمثل في تأثيرات صحية سلبية لكل من المستهلك (فشل كبدي، فشل كلوي، أضرار هرمونية، أخطار على السيدات الحوامل، سرطانات مختلفة وغير ذلك من أضرار صحية عديدة) والمزارع والمحاصيل الزراعية التي يتم معاملتها بهذه المبيدات، أضرار بيئية (تلوث للتربة الزراعية والماء الأرضي) وتلوث جميع عناصر ومكونات السلسلة الغذائية، أضرار على الكائنات النافعة، أضرار اقتصادية وضرر للسمعة المهنية، ضرر اقتصادي للحكومات، ضرر اقتصادي وأضرار لسمعة قيمة الغذاء وسمعة صناعة وقاية النبات.
مكافحة (محاربة) المبيدات المغشوشة
لقد تبين أن مكافحة المبيدات المغشوشة من العمليات والإجراءات التي تتميز بصعوبتها للعديد من الأسباب مثل عدم اعتراف بعض السياسيين وصانعي القرار بالمشكلة، ضعف تطبيق القوانين، تعدد الأقسام ذات الصلة ومن ثم تشتت المسئوليات، انقسام السلطات ما بين الإقليمية والمحلية، حلول متعددة الأوجه، عدم وجود قيادة موحدة في مكافحة غش المبيدات، عدم كفاية الأطر والجزاءات القضائية، تحديات قياس الحجم الحقيقي للمشكلة، تزايد التسهيل في العمل عبر الحدود (سهولة مرور المبيدات المغشوشة في بعض البلدان). بناءً على ما سبق، فهناك العديد من طرق مكافحة (مجابهة) الإتجار في المبيدات المغشوشة والتي تتمثل في الرصد المنتظم للشوائب في مستحضرات مبيدات الآفات باســــــــتخدام تقنية الكروماتوجرافي السائل عالي الأداء المزود بجهاز مطياف الكتلة (LC-MS)، سياسة المنع من المنبع من خلال التفتيش المفاجئ لأوكار تصنيع هذه المبيدات، ضرورة تسجيل المبيدات، ضرورة التخليص الجمركي للمبيدات المستوردة، ضرورة التخلص من النفايات والعبوات الفارغة لمبيدات الآفات، رفع مستوى الوعي لدى المستهلكين والمزارعين والتجار، التعاون مع رواد الأعمال، التفتيش المفاجئ، توفير العدد الكافي من مخازن الحجر الزراعي، التعاون الدولي، إنفاذ القانون وتغليظ العقوبات لتكون واسعة النطاق. وفي مصر فقد قامت لجنة مبيدات الآفات ورئيسها أ.د. محمد إبراهيم عبد المجيد بوضع العديد من الضوابط والقواعد التي يجب اتباعها كإحدى وسائل مكافحة ظاهرة المبيدات المغشوشة والتي تتمثل في توعية المزارعين بخطورة استخدام المبيدات المغشوشة بكافة وسائل الإعلام والندوات التثقيفية، الغلق الفوري للمحال التي تبيع المبيدات المغشوشة، وتحويل المخالف إلى النيابة، تكثيف الحملات الرقابية على جميع أسواق مستلزمات الإنتاج الزراعي، تشكيل لجان لحصر جميع محال تجارة المبيدات المرخصة وغير المرخصة، تنسيق الرقابة بين لجنة مبيدات الآفات الزراعية، والإدارة المركزية لمكافحة الآفات، وشرطة البيئة والمسطحات المائية، ومفتشي التموين، وضع لوحات على واجهات المحال المرخصة بها، ورقم ترخيص المحل، وكود المحافظة، حتى يتعرف العميل على المرخص وغير المرخص، وضع أسماء المحال المرخصة بمديريات الزراعة لتعريف المزارعين على شراء المنتج السليم من مكانه للحد من مخالفات الغش.
إضافة لما سبق، فهناك مجهود كبير ومتواصل تقوم به لجنة مبيدات الآفات الزراعية بوزارة الزراعة من خلال تعاونها مع وزارة الداخلية ممثلة في شرطة المسطحات المائية وما تقوم به من حملات مكثفة لضبط كميات كبيرة من المبيدات المغشوشة في المحال الخاصة بتجارة وبيع المبيدات وضبط المخالف منها. تلك الكميات قد وصلت إلى آلاف العبوات مختلفة الأحجام وفي بعض المحافظات قد تم ظبط ما يقرب من 7 آلاف طن من المبيدات المغشوشة والتي تم وما زال يتم ضبطها على فترات زمنية متفاوتة مما يشير إلى استمرار الصراع بين القائمين على صناعة هذه النوعية من المبيدات (المعروفة بمصانع بير السلم) وبين الحكومة المصرية. وفي هذا الإطار، فإن هناك جهدا متواصلا متمثلا في تنفيذ الحملات لإغلاق أماكن إنتاج هذه النوعية من المبيدات وتكثيف لجان الرقابة على الموانئ ومنافذ الاستيراد للمبيدات. وفي الحقيقة ، فإن أحد المقترحات التي قام بتقديمها أحد أعضاء مجلس النواب (البدري ضيف) بقانون لتغليظ عقوبة تداول المبيدات المغشوشة بغرامة مالية تتراوح من 100 ألف حنيه إلى 250 ألف جنيه وحبس من سنة إلى خمسة سنوات أو بإحدى هاتين العقوبتين والإغلاق الفوري للمحال المخالفة والسجن المشدد لأصحاب مصانع بير السلم وغرامة مالية لا تقل عن 500 ألف جنيه ولا تزيد عن 5 مليون جنيه. وفي النهاية تجدر الإشارة إلى ضرورة الاستمرار في إجراءات مكافحة المبيدات المغشوشة بكافة الوسائل لضمان الحفاظ على صحة المواطن المصري وغذائه وبيئته.
أستاذ كيمياء المبيدات والسموم
كلية الزراعة – جامعة عين شمس
عضو اللجنة الوطنية للسميات