الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

في البدء كان الطريق

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لعلنا ما زلنا نذكر المقولة الشهيرة "كل الطرق تؤدي إلى روما"، والتي تقفز إلى الذهن عندما نبحث عن أقصر الطرق أو أكثرها أمانًا وسيولة، للوصول إلى مكان ما، بينما تكشف عن واحدة من أهم عوامل نجاح الإمبراطورية الرومانية، وبسط سيطرتها على العالم آنذاك، فقد حرصت على إقامة شبكة طرق تربط العاصمة روما بكل الممالك والبلدان الواقعة تحت سيطرتها، وكانت الدوافع اقتصادية وعسكرية، بالأساس، وقد أدى ذلك إلى أن أصبحت الثقافة اليونانية ولغتها التي اعتمدتها روما هي السائدة في أرجاء العالم، تبحر في العلوم والفلسفة وتنقل خبرات كل الحضارات وتنقل إليها، ومن خلال شبكة الطرق العنكبوتية كان الرخاء وكانت الرفاهية.
وعلى صعيد محلي حين شرع البارون إمبان، المهندس ورجل الأعمال البلجيكي، في إقامة ضاحية مصر الجديدة قبل مئة عام ويزيد، وكانت منطقة صحراوية جرداء، بدأ بعد أن وضع تخطيطه العمراني، في إنشاء خط مترو قبل أن تظهر معالم المدينة، وكانت قضبان المترو تسبق العمران دائمًا، وصار الخط الواحد ثلاثة خطوط، الأمر الذي حفز سكان العاصمة القديمة ممن ينشدون الهدوء والفخامة للذهاب إلى الضاحية الجديدة بغير عناء، فكان الإعمار سريعًا وتوسعت تخوم مصر الجديدة لتصبح من أرقى ضواحي القاهرة.
ومن اللافت أن تعثّر المدن الجديدة التي تحاول أن تكرر تجربة إعمار الصحراء يرجع في جزء كبير منه لإغفال توفير طرق ووسائل مواصلات مناسبة، فإذا بها تتحول إلى مناطق نخبوية تفتقر للحيوية، ولا تسهم في تفكيك اختناقات العاصمة، وتزحف إليها أعراض الشيخوخة المبكرة، وتلجأ إلى حلول تكميلية مكلفة وقاصرة عن جذب ما دون شريحة بعينها.
وفي كل تجربة تنمية سواء في العالم المتقدم أو العالم الثالث تحتل الطرق، ومن ثم وسائل النقل والمواصلات المرتبة الأولى في الاهتمام، ولا يمكن تصور تنمية بغير طرق تربط بين ثلاثية السوق، مواقع الإنتاج ومناطق التوزيع ومناطق مستلزمات الإنتاج ومصادر المواد الخام الأولية، وتأمين انتقال الأفراد من وإلى أعمالهم ومحال سكنهم وأماكن قضاء مصالحهم واحتياجاتهم على اختلاف تصنيفاتها.
لذلك يأتي اهتمامنا بتتبع إنجازات القوات المسلحة التي أعلن عنها مؤخرًا وسط حالة الارتباك التي يغذيها ويؤججها أعداء الحياة والحضارة الماضويون، ورغم كلفة مرحلة التعافي والخروج إلى آفاق الدولة الوطنية كان المشترك في تلك الإنجازات أنها مرتبطة بالطرق ومحاورها في مناطق كانت تعاني من الاختناقات المرورية الشديدة والتي كانت تنتقل إلى كل الطرق الأخرى المرتبطة بها.
فقد تم إعادة تخطيط منظومة الطرق التي تربط منطقة مطار القاهرة الدولي بمحاور مصر الجديدة والنزهة الجديدة ومدينة السلام وجسر السويس وطريق الإسماعيلية، عبر عدد من الأنفاق والكباري، وجاء التنفيذ يجمع بين سرعة الأداء بغير وقف للمرور أو إعاقته، فضلًا عن الالتزام بالمعايير الفنية وفق المواصفات الدولية، وتم إنجاز هذه المهمة في غضون مئة يوم، وغير بعيد أن تتكرر نفس التجربة في الطريق الواصل بين الأوتوستراد وشارع الطيران ليُفتح محور مواز يخفف من اختناقات مرور مداخل مدينة نصر، وفي كل هذا لم تغفل الأبعاد الجمالية في تجميل الجزر الوسطى والأرصفة والتي صممت بمقايسات لا ترهق مستخدميها من المشاة، وتم تركيب الإشارات الضوئية والإرشادية وتخطيط المسارات وفق السرعات المقررة.
والأمر لا يمكن اعتباره مجرد إنشاء طرق وحسب بل هو يحمل إشارات إيجابية، أننا نملك القدرة على التخطيط والتنفيذ والإنجاز في توقيتات محددة، وفي ظروف معاكسة ومقاومة، ونملك أن نعيد الاعتبار للانضباط والالتزام، وقبلهما لقيمة التخطيط والعمل.
وعندما نتناول قضية الطرق فنحن نتناول مجموعة من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية، فثمة توفير للوقت المهدر الذي يصب في توفير تكلفة المنتج الذي يتم نقله بين مصادره ومستهلكيه، وكذلك نقل الخامات ومستلزمات الإنتاج من منابعها إلى المصانع والورش، فضلا عن نقل العمالة والإدارة إلى أماكن عملهم، وأيضا توفير تكاليف إصلاح المركبات جراء الطرق غير الممهدة.
والطرق المعدة وفق المواصفات الصحيحة تحقق انسيابية المرور وتحقق عدة أهداف، منها السرعة، الأمان، الاقتصاد استهلاك الوقود، ورفع الضغط النفسي الناتج عن ثقافة الزحام والتكدس.
ربما تكون هاتان التجربتان حافزًا لرسم خريطة شاملة لطرق العاصمة ثم باقي المحافظات توطئة لاعتماد التخطيط والانضباط في التنفيذ والمتابعة في كل المشاريع، سواء على المستوى العام أو الخاص، وفتح أبواب التعاون والعمل المشترك بين القوات المسلحة وأجهزة الإدارة المحلية لاستثمار طاقاتها اللوجستية والعلمية، والإمكانات المتوفرة لديها لمواجهة الازمات المزمنة، الطرق، النظافة، إسكان محدودي الدخل، وغيرها من الأزمات التي يئن منها المواطن.
ويبقى أنه من الواجب أن نقول تسلم يا جيش بلادي.