الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

امسك مدرس!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم تكن مشاهد المطاردات ما بين الشرطة والمعلمين، خلال الأسابيع الماضية أمرا عابرا، بل كانت امتدادا لحالة فريدة من الفساد التعليمى، تختص بها مصر دون دول العالم عربا وعجما، فلا يوجد تعليم أهلى مواز، تحل فيه "السناتر" محل المدارس كما هو الحاصل في مصر منذ عقود.
هو تصرف وإن كان يسىء إلى المعلم الحقيقى لكنه تصرف كاشف عن مدى التردى الذى وصلت إليه منظومة التعليم -وما زالت- رغم كل الجهود الجبارة التى تخوضها الدولة لتحسين ما فسد منها، حتى أصبح مطلوبا إحلال وتجديد كل العاملين في هذا القطاع!.
ورغم اعتراضنا على تشويه صورة المدرس وإهانته في أقسام ومراكز الشرطة إلا أن الأمر بحاجة إلى آليات عدة، تحفظ كرامة المعلم "القدوة" الذى يمثل المثل الأعلى لتلاميذه وطلابه، ومجازاة من يفرط في كرامة مهنته ويعرض نفسه للمحاكمة القانونية بما تسببه من تشويه لصورة المعلم، الذى كان إلى وقت قريب له تقديره واحترامه في مجتمعهن وأنشد له الشعراء ما يمجده ويعززه.
لكن يجب أن نشير إلى أن كثيرا من أصحاب مراكز الدروس الخصوصية "السناتر" والعاملين فيها ليسوا من أبناء المهنة وليسوا من العاملين في وزارة التربية والتعليم فبعضهم يعمل أعمالا لا علاقة لها بالتربية ولا التعليم، وكثير منهم من خريجى كليات الهندسة والعلوم والزراعة والآداب، غير المؤهلين للتدريس ولامتخصصين فيه كخريجى كليات التربية.
بل إن أحد أولياء الأمور أخبرنى، أن معظمهم لا يحملون شهادات جامعية تؤهلهم للتدريس فكثير منهم لم يتمكن من استكمال دراسته الجامعية بسبب استنفاد مرات الرسوب أو الفصل لأسباب أخرى ومنهم من يحمل مؤهلا بعيدا تماما عن العلم الذى يدرسه، فتجد في هذه "السناتر" خريج حقوق أو تاريخ يقوم بتدريس مواد علمية مثل الفيزياء أو الكيمياء أو الأحياء، وبحسب تفسيرهم لهذا الأمر الشاذ يدعون أن لديهم الخبرة الكافية لتوصيل المعلومة للطالب بطريقة بسيطة بسبب احتكاكهم الطويل بهذه المهنة وعملهم كمديرين لمراكز الدروس الخصوصية!
ويتضح هنا أن معظم القائمين على هذه "السناتر" ليسوا بمعلمين متخصصين بل هم منتحلو صفة معلم وهى جريمة جوهرية ساهمت كثيرا في إفساد العملية التعليمية في مصر، وأرى أن مهنة التعليم لا يجب أن يمارسها إلا الخريج المتخصص مثلها مثل مهن الطب والمحاماة والهندسة، إلا إذا حصل هذا الخريج على ما يؤكد جدارته وقدرته على التدريس تربويا ونفسيا.
وهنا تتكشف ذريعة أن رواتب ودخول المعلمين السبب الرئيسى وراء لجوءهم للدروس الخصوصية، فمعظم أباطرة "السناتر" لا يعملون بوزارة التربية والتعليم، أو أن بعضهم كان يعمل مدرسا نظاميا لكنه استغنى بكنوز "السناتر" عن قروش المدارس، فانقطعت علاقتهم بمهنة الرسل وأصبحوا مجرد تجار جشعين يبيعون ما لديهم لمن يقدر على دفع الثمن.
لكن هذا لا يجب أن يجعلنا نصرف النظر عن ضرورة زيادة رواتب المعلمين لأنهم هم والأطباء وغيرهم بحاجة إلى مساواتهم بباقى المهن فلا أزال لا أجد مبررا لهذه الفروق الشاسعة بين شاغلى الوظائف العامة في كثير من المجالات والوزارات مثل البترول والخارجية والاتصالات والكهرباء وغيرها من الوظائف رغم تساوى الشهادة العلمية، وهو أمر يصعب تواجده في أى نظام يبتغى تحقيق العدالة والسلام الاجتماعي بين أبنائه.
إذا حققنا هذه المساواة في تكافؤ الفرص بين المواطنين العاملين بالدولة، سنتمكن من حل مشكلات كثيرة نحن في غنى عنها، نتجت في خلال العقود الأربعة الماضية حتى أحدثت فجوة ضخمة بين العاملين بالدولة، وأعتقد أن الوقت قد حان لجسر الهوة وتقليل الفجوة حتى نحقق الحد الأدنى من المساواة الاجتماعية التى تحرص عليها دساتير دول العالم المحترمة.