الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عيون عمر الشريف وإتيكيت النظرات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
استطاعت عينا الشاب العربي اليافع بسوادها الغامض أن تشارك الصحراء سحرًا غريبًا. حين ظهرتا تحت العقال الأبيض التكسر حول قوتهما الثاقبة. كانت تقول الكثير حين يصمت قبل كل جمل متنفسًا بهدوء يحمل أكثر من كلماته. حتى بيتر أوتول الذي استطاع أن يغزو العالم نافسته عيون عمر الشريف في فيلم "لورانس العرب". واستطاعت أن تخبر العالم عن عالم جديد له نكهة حارة وواثقة ومشاغبة وطموحة في ذات الوقت.
يعمد الكثيرون من خبراء البروتوكول والإتيكيت حول العالم إلى اعتماد نظرة عيون عمر الشريف حين يعملون على تدريس ما يسمى بـ "إتيكيت النظرات". ويمثل مجموعة القواعد التي يجب أن تلتزم بها وأنت تنظر إلى شخص ما حسب الرسائل التي تريد أن توجهها له، وحسب حفظ المقامات والأجواء المحيطة. دائمًا نجد طريقًا يربط إتيكيت النظرات بنظرات عمر الشريف المليئة بكل المعاني الدافئة المقبلة على الآخر في جرأة.
إن قواعد الإتيكيت حين ننظر لأحد أن نزن الشخص الذي أمامك قبل أن تقرر ما يجب عليك فعله. إن كان شخصًا لا تربطك به معرفة قوية. عليك أن تنظر له نظرة مبتسمة وأنت مقبل عليه، كأنك تخبره أنك مرحب به في مساحتك الخاصة بسعادة. يكون نظرك دائمًا إلى عيني من ينظر لك، وإياك أن تنظر لملابسه أو المحيط حوله‘ فيما نسميه "بسرقة النظرات" لأنها تعبر عن أمرين، إما أنك تتفحص جسد من تحدثه، أو تهرب منه خوفًا وانعدام ثقة بالنفس. لا تحملق ولا تسمح لذاتك بإطالة النظر أكثر من دقيقة تحاول فيه تكملة الحديث عن فكرة كاملة، عندها يمكنك أن تنظر للمكان حولك وتتحدث عن شيء من المحيط. لكن أثناء المصافحة لا يمكنك أبدًا أن تحول عينيك عمن تصافحه. وهي نظرة مرحابة مستقرة كتلك التي ترتسم على وجه عمر الشريف حين يبتسم. إلا أن اتساع حدقتيه كأنه يريد أكل العالم وهو ينظر من الأمور التي تزعجنا ونحن ندرس الإتيكيت لأننا نرى فيها نظرة وله لا يجب أن نقدمها لكل أحد.
يستغرب البعض ارتداء شخص ما لنظارات طبية حين يخرجون للعامة في حملات نشر أفكار عامة أو حملات دعاية للانتخابات. يرجع هذا إلى طبيعة ما يقدم الشخص له نفسه. لأن النظرات الثاقبة لشخص واسع العينين برموش كثيفة، كنظرة عمر الشريف، قد توهم الآخرين بأنه لعوب أو مقتحم لخصوصيات الآخرين، وقد تشغل الناس عما يقول. وارتداء النظارات الشمسية يضع حاجزًا بين الشخص ومن حوله ويوحي بالاستعلاء، لذا عليه أن يخلعها ويضعها في علبتها حين يتحدث لآخرين، إيصالًا لرسالة أنك تهتم بمن أمامك ولا تريد تفويت تفصيلة واحدة من تفاصيله، مما يجعل من وضع النظارات الشمسية حتى أثناء تحية أحدهم في الشارع نوعًا من تقليل الشأن خاصة لو كان هذا الشخص يتمتع بمكانة أعلى منك. مع ذلك كان خيار النظارات الطبية المزيفة مثاليًا، تقلل حدة النظرات لا سيما لو كانت من رجل إلى سيدات، أو من رجل لمجموعة من الأشخاص الجادين خاصة لو كانوا فوق سن الأربعين. لذا يجب أن تكون نظارات خفيفة بلا إطار أو بإطار خفيف حتى نتمكن من صناعة توجه النظرة الأصلية وقدر سحرها دون تغطيتها وإخفائها. فهي سلاح صناعة نجم هنا لا يجوز إخفاؤه مطلقًا.
كان عمر الشريف مخلصًا لنظرته على ما يبدو قدر أنها تأبى أن تغادرنا، بل ويذكرها كل من يحاول أن يراقب نظرته أو يقومها، أو يفعل ذلك للآخرين. فهذا الرجل يمارس سحرًا سينمائيًا دائمًا طالما هناك لقطة يراها أحدهم. رحم الله عمر الشريف.