الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مؤسساتنا.. وعودة الروح

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى غمرة ما نعيشه اليوم أملاً فى إصلاح ما أفسده الدهر فى بر المحروسة ألحت على فكرة مستقاة مما نلمسه فى كثير مؤسساتنا الرسمية، حيث اللامبالاة بالتفاصيل الصغيرة و العطاء بأقل مجهود من منطلق ما يعرف بسياسة "وش القفص"؛ الصنو السلبى للمقولة الشهيرة "على قد فلوسهم". ولو أمعنا النظر فى هذا التوجه لوجدنا أن ثمة أسباب أدت لهذا المآل تكمن إجمالاً فى البعد الإنسانى أكثر من مقتضيات الإلتزام الوظيفى.. الأمر الذى أفضى لتراكمية جعلت من الإنتماء المؤسسى حالة باهتة إن لم تكن أحياناً بائسة، مما إنعكس بالسلب على الأداء بعامة وعلى طبيعة العلاقات بين القوة البشرية على وجه الخصوص.
ولعل أولى خطوات المعالجة تتمثل فيما يعرف بالعدالة الوظيفية، وهى تختلف كلية عن المثار سلفاً و المعروف بإصلاح الرسوب الوظيفى. ذلك أن مفهوم العدالة هنا أشمل وأدوم حيث مسألة توزيع العمل والمكافآت وتقارير الترقيات وغيرها من الأمور ذات الإتصال المباشر بدولاب العمل، والتى يثير الخلل فيها حالات من اللغط و التحزب أو الإنعزالية والانسحاب. ولعل من أخطر الآفات المؤسسية أسلوب التعامل القيادى مع الشكاوى سواء كانت كيدية أو حقيقية، وأعنى به رفعها للمشكو فى حقة للإفادة والرد. ليدفع الشاكى حال التوقيع باسمه ثمناً باهظاً يجعله عبرة لمن تسول له نفسه الإقدام على الشكوى، ليصبح مبدأ " مفيش فايدة" وتداعياته الإحباطية سيداً للموقف بل لكل المواقف. 
أما ما ينسحب على التصرفات الإنسانية فمن عجب أنها تتم فى معظم مؤسساتنا بأسلوب الإجتزاء والإنتقاء، وأعنى بها مظاهر التكريم وملتقيات التأبين وغيرها من مفردات تعزيز الجماعية ونبذ الفردية. بيد أن المشكلة الرئيسية فى هذه الإجتماعيات أنها تتم إما بمبادرات شخصية أو وفقاً لطبيعة المسئول الأول، وهنا تصبح كافة مفرداتها الإيجابية ذات وجه آخر قد يأتى بنتائج مغايرة للمأمول منها. ومرجع ذلك هو التفاوت فى أسلوب التكريم أو حتى التأبين وتجاوز البعض والإحتفاء بالبعض الآخر، أو دعوة مجموعة دون أخرى من ذات المؤسسة.. مما قد يعزز من مفهوم الشللية و أهل الثقة وغيرها من السلوكيات التى عانت منها معظم مؤسساتنا، التى كان يكفيها ما فيها من بيروقرطية عقيمة أو فساد مقنن أو مناخ لا إنسانى من حيث طبيعة المكان وقدراته اللوجستية. 
ومما لا شك فيه أنه إذا كان للعدالة الوظيفية قواعدها المنصوص عليها لائحياً أو قانونياً، فينبغى أن ندرك أن البعد النفسى لتلك العدالة والكفيل بنجاحها إنما يكمن فى تلك الإجراءات المعنوية وأسلوب تناولها. ولنا أن نتخيل العائد المعنوى من إستمرار التواصل مع من بلغوا السن القانونية، أو الإحتفاء بنجاح أبناء العاملين المتفوقين دراسياً من الإبتدائية للدكتوراه. فضلاً عن المشاركات الجماعية فى المناسبات المختلفة، وكذا خلق الروح التنافسية الحقة بين الإدارات والموظفين والعمال بتزكية المثالى منها وفق معايير محددة لا تحتمل التأويل. أما عن ذاكرة المؤسسة من خلال أرشيف متحفى أو لوحات جدارية فذلك أمر من شأنه إزكاء قيمة العمل والإنتماء للمكان بما يحقق الإستقرار، ولا يحمل إلا عدداً محدوداً على طلب النقل أو الإستقالة لأنه سيصبح نسياً منسياً بحكم عبوره دون البقاء فى محيطه المؤسسى الذى بدأ فيه.
وختاماً فما زلت ممن يؤمنون بأن مواثيق الشرف الوظيفى تمثل واحدة من أنجع الوسائل المعنوية لنجاح العمل المؤسسى، لا سيما إذا كان ذا طبيعة جماعية. و أن التنظيم الإدارى فى حد ذاته يحتاج بتلك المواثيق للمسة إنسانية تكفل له صلاحية مستدامة و حالة من الرضا القائم على العدل، أو بالأحرى إحياء لروح المكان... وإنه لمكسب لو تعلمون عظيم.