الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

الروائى أدهم العبودى: «ما لم تروه ريحانة» تفضح ديكتاتورية واستبداد النظام الإيرانى

الروائى أدهم العبودى
الروائى أدهم العبودى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كاتب روائى ذو أصول جنوبية، عُرف ببصمته الخاصة وطابعه المميز فيما يُقدمه من أعمال روائية، حاز العديد من الأعمال التى قدمها على قبول جماهيرى ونقدى كبير، إنه الروائي أدهم العبودى.
تنوعت الموضوعات التى تناولها "العبودى" في رواياته، حيث قدم الرواية التى تتسم بالنزعة الصوفية، وقدم رواية الرعب والرواية الاجتماعية، وفى أخر أعماله تتناول قضية شائكة هزت العالم مؤخرًا، وهى قصة الشهيدة الإيرانية السنّية ريحانة جبارى التى قتلها نظام الملالى الإيرانى المستبد غيلة، ولم يكن مبررها للقتل أنه كان دفاعًا عن شرفها كافيًا لدى هيئة المحكمة، ومن هذا الخيط تلقف أدهم العبودى القضية وبدأ في روايته "ما لم تروه ريحانة" متقصيًا للحقائق، باحثًا عن المنطق والدوافع وراء هذه الجريمة إلا أنه لم يجد أمامه إلا الحقيقة، التى تتمثل في ديكتاتورية واستبداد النظام الإيراني وقمعه النساء وعدم إيمانه بأن شرفهن يستحق أن يقتلن لأجله، إلا أن النظام الإيرانى فاقد الشرف لم يؤمن بذلك.
بيدأ "العبودى" بالحديث عن قضيّة "ريحانة جبّارى" وهى في حقيقة الأمر قضيّة إيرانية شديدة الخصوصية وإن كانت تمس الضمير العالمى، ومن قضية ريحانة تطرّق إلى الواقع الشرقى الذى وصفه بأنه محفوف بالملابسات والتأويلات ووجهات النّظر المتضاربة، قائلًا: التّاريخ مثقوب، هذه الثّقوب لا يُمكن أن تمتلئ إلّا عبر الكتابة الأدبية التى يصبح فيها المُتخيل موازيًا للواقع، الكتابة التي تبحث عن الدّوافع لا عن النّتائج، الكتابة ترصد ولا تقرّر، وقضيّة "ريحانة جبّارى" تُطابق إلى حدٍّ مُدهش قضايا بعض النّساء في مجتمعاتِنا العربيّة، القهر نفسه، التهميش نفسه، القمع بإدخال الدّين طرفًا في المعادلة الإنسانية، إنّها معادلة لا بدّ أن يكون طرفاها "العدالة والنّزاهة"، لا أكثر ولا أقلّ، واستخدام الدّين بشكل سياسي دائم وتراكمى يُسقِط هذين الطّرفين، كلّما زُجّ بالدّين اختفى التجرّد.
وعن الصّعوبات التى تواجه كاتبًا في وصف وتقديم مشاعر أنثى للقارئ، خصوصًا أنّها على وشك الإعدام، أكد "العبودى" أن بحثه استغرق قرابة أربع سنوات، مؤكدًا: في البداية قرأت الأحداث جيّدًا، وقرّرت الكتابة في الموضوع متأثرًا بالقضية عاطفيًا ونفسيًا، القرار في حدّ ذاته استهلك وقتًا لا بأس به، نصحنى البعض أنّ تناول القضية بالكتابة الأدبية قد يثير أزمة بإمكانها أن تسبّب لي إزعاجًا كبيرًا، وجدلًا أنا في غنى عنه، لكنّ الأمر استهوانى، وأدركت أنّ كتابتى عن "ريحانة" إنّما هى كتابة عن المرأة المقهورة في كل المجتمعات، وإن كان المجتمع الإيرانى أشدها قسوة وعداءً للمرأة. كنت أقوم بتجميع البيانات والمقالات التى تناولت قضيّة "ريحانة جبّارى" وفحصها وترجمتها على نفقتى الشّخصية، وأثناء بحثى عن الوقائع، حدث تماهٍ بشكل ما بينى وبين الشخصية الرّئيسيّة؛ "ريحانة جبّارى"، في الغالب تسلّل إليّ منها ومن حكايتها فيض من المشاعر لا يُمكن وصفه بالتّقريب، إضافة إلى هذا، فإنّ محاولة رصد المجتمع الإيرانى الرّاهن، ووصف تفاصيل الحياة بتشابكاتها المحيّرة في "طهران"، مع الأخذ في الاعتبار جميع المسائل التى تربط طرفي النّزاع الدّينى السنّى/ الشّيعى ببعضهما البعض، وما حول ذلك من تداخلات اجتماعية وإنسانية؛ كانت أمرًا مُرهقًا، حيث ينبغى عليك –كروائى- ألّا تُسقِط الطّبيعة الجغرافية للمكان، ولا الطّبيعة العقدية التي تشتعل معظم الوقت، بأقلياتها وأكثريتها، وتترك آثارًا يستحيل أن يغفلها تاريخ هذه المنطقة، تنشب الصّراعات بسبب العقيدة، يُعدَم النّاس في الشّوارع بسبب العقيدة، تجتاح "إيران" نوبات دموية لا يُمكن تصديقها، كلّه يرجع للتطرّف، الأصل هو التطرّف، وهو في شموليته يأتى على هوى النّظام الذي يحكم بالتطرّف ويحاكم بالتطرّف، أجهدنى البحث وأجهدني الوصف وحاولت أن أعيش –أو أتعايش- بقدر الإمكان مع مشاعر "ريحانة جبّارى"، التي أُعدِمت بلا دليل ولا قرينة.
وعن وصول رواية "ما لم تروه ريحانة" إلى القائمة القصيرة لجائزة "راشد بن حمد الشّرقى" للإبداع، وما قدمته الجائزة للرواية قال: جائزة "حمد بن راشد" جائزة عالمية، وصول الرّواية إلى قائمة قصيرة من خمس روايات بعد منافسة مع أكثر من ثلاثة آلاف رواية هو أمر يُسعدنى بالطّبع، وهو في صالح الرّواية كعنصر تسويق شبه مضمون، تواصلت معى كثير من دور النّشر، لكن الأمر في النّهاية حُسم لصالح دار معينة بعد تجربة سابقة ناجحة في روايتى "قلبى ومفتاحه".
وعن التجارب الحية والمعايشات التي يقوم بها خلال كتابة أعماله الروائية، منها زيارته المتكررة للمقابر خلال كتابة روايته "متاهة الأولياء"، قال العبودى أنه عندما شرع في كتابة هذه الرواية كان قد عاد من "الإمارات" عقب فوزه بجائزة "الشّارقة" للإبداع العربي في الرّواية، وبدأت تخامره فكرة "متاهة الأولياء"، التى أعد شخوصها وأحداثها ورتّب البناء الذى يُفترض أن ينتهجه أثناء الكتابة، وقال: كانت المشكلة أنّ الرّواية بها سبع وثلاثون شخصية، من ضمن هذه الشّخصيات شخصية "حفّار الجبّانة"، من منّا لم يتعامل معه؟ من منّا لم يأتمنه على جثمان عزيز؟ لكن لم يكتب عنه أحد، لم يوثّقه ولم يحتفِ به أحد، من هنا كان لا بدّ أن أقترب من الشّخصية بشكل أكبر، بالطّبع كان يُمكن الاقتراب منها بشكل مجازى افتراضى، لكن إذا كان ثمّة وسيلة للتفاعل المباشر مع شخصية كهذه فما المانع؟! تحدّثت مع "فحّار" جبانة "الأقصر"، واستطعت أن أبرم معه اتفاقًا، دون ذكر اسمه في الرّواية، قضيت ثلاث ليال في الجبّانة متأملًا عالمه، فاحصًا مراقبًا، أسجّل في ذاكرتى أدقّ تفاصيل يومه، كان إذا دفن جثمانًا يؤدّى نفس طقوسه، تختلف الطّقوس ما بين امرأة ورجل، يذهب أحيانًا للرّاحة في منزله وأذهب إلى منزلى، لكن نلتقى بعد منتصف اللّيل حيث "يحرس" الجبّانة، أو إذا طرأت دفنة، وهكذا، استوحيت جميع تفاصيل الشّخصية من هذا الرّجل. وبسؤاله عن الطقوس الخاصة التى قام بها حينما شرع في كتابة "ما لم تروِه ريحانة"، أكد أنها الطّقوس نفسها عند كتابة كلّ رواية، التأمّل، التفرّغ، الاعتزال، وعدم النّوم المنتظم، والاحتفاء بكلّ شخصية أثناء الكتابة.
كانت قد سبقت روايته "ما لم تروِه ريحانة" رواية "معشر الجن- المدينة التى تخشى المغيب"، والتى صنّفها القرّاء على أنّها رواية رعب، والتى يقول بشأنها: أدب الرّعب أدب عالمى، المهم كيف يُمكن أن نكتب أدبًا من هذا النّوع ويستطيع أن يصمد أمام جميع الاتّهامات بأنّه أدب ناشئة وأدب مراهقين.. إلخ؟ كانت هذه أزمتى، لا أرى أدب الرّعب أدبًا خفيفًا، بالعكس، "نجيب محفوظ" كتب في هذا النّوع، "توفيق الحكيم" و"طه حسين" وغيرهم، كذلك لا أراه أدبًا يترك أثرّا مباشرًا على مشاعر المتلقّى، بل يترك أثرًا بعيدًا، وهذا في نهاية هو جوهر الأدب، عندما فكّرت في "معشر الجنّ" لم أجد أنسب من المكان الذى ترعرعت فيه، وهو "الأقصر"، الجنوب، وبالفعل، اتّكأت على أساطير الجنوب وحبكتها الملهمة واستعنت بالخيال كثيرًا وحاولت صنع أسطورة خاصة بالرّواية نفسها لم تُقرأ في كتابٍ آخر.
وعن مواصلة الكتابة في أدب الرعب بعد نجاح "معشر الجن" ووصولها قوائم الأكثر مبيعًا في معرض الكتاب 2020 قال: قبل طباعة الرّواية كنتُ قد حدّدت جدولًا زمنيًا لثلاثية في هذا النّوع، بدأتها برواية "معشر الجنّ"، يُمكن أن نعتبر أن الجدول الزّمنى هو عامان بين كلّ جزء وآخر، الثّلاثية في الغالب هى التجربة الكاملة في كتابة هذا النّوع، أدب الرّعب، إن افترضنا أنّ "معشر الجنّ" يُمكن أن تنتمى له، لكن لا أظنّ أنّ بعد الثلاثية ستكون هناك تجارب أخرى. وعن ملامح مشروعه الرّوائى المقبل أكد أنه لديه أكثر من مشروع، لكن ثمّة مشروع عن ثورة اكتشافات أثرية حدثت في "الأقصر" في بداية القرن الماضى: "غالبًا هو المشروع الذى سأعكف على العمل فيه".
وعن الجوائز الأدبية قال أنها تصنع حافزًا حقيقيًا للمبدعين كى يستمرّوا في الإنتاج والتحقّق، والأهم تمنحهم عائدًا ماديًا جيّدًا، لكن معظم ما يُثار حول الجوائز الأدبية العربية قريب من الحقيقة، جوائز كثيرة يتحكّم فيها أصحاب المنافع، والمصالح المتبادلة، بأى منطق يصبح أمناء مجالس الجوائز هم أصحاب دور النّشر التى تنافس على الحصول على الجائزة؟ كما تحدث "العبودى" عن فوضى سوق النشر التى قال أنها بسبب "الفردية" في تحويل سياق الوعي إلى حيث خدمة كلّ اتجاه وفق مخطّطات لا علاقة لها بالنّشر، من ضمن هذه المخطّطات "التجارة والرّبح" فقط، مؤكدًا: لم تعُد دور النشر تبحث عن "المحتوى" أو "القيمة" أو "الإضافة"، ستجد دور نشر ترفض كتابات بسبب ما تحتوي عليه من مشاهد "حرام" و"خارجة" حسب رفضهم! دور أخرى لا تنشر إلّا لذوي المتابعين على السوشيال ميديا، ودور نشر لا تنشر إلّا إذا تقاضت أموالًا، وهو مشروع طبعًا، لكن لا توجد سياسة عامة، بمعنى أصحّ، لا توجد أهداف واضحة وبعض أصحاب دور النشر لا علاقة لهم بالثقافة من الأساس. وعن مركزية النشر والطباعة في القاهرة قال: انتهت المركزية على ما أظن، الآن أصبح متاحًا لمن يقيم في أبعد مكان أن ينافس داخل العاصمة بكتابته، لم يعُد محل الإقامة عائقًا، لا يُمكن افتراض أنّ القاهرة أقلامها ضعيفة، لكن يُمكن افتراض أنّ القُرب من القاهرة أو الإقامة فيها يسهّل كثيرًا التفاعل المشترك والتواجد وجهًا لوجه أمام كل المكتسبات، هذا طبيعي، تهميش من هو أبعد، تظلّ الكتابة باقية في نهاية الأمر.
وحينما تحولنا بالحديث عن الرواية التى تُعد الأقرب إليه ولها موضع خاص في قلبه قال: رواية "متاهة الأولياء"، لأنّها أجهدتنى كثيرًا أثناء عملية كتابتها، كذلك قدّمتنى للجميع باعتبارى كاتبًا "مختلفًا" له عالمه الخاص، الرّواية نفسها حظيت باهتمام قطاعات كبيرة في كل الوطن العربى، النقّاد والقراء والأكاديميين، تُرجمت، وباعت آلاف النسخ، وتُدرّس في جامعات الوطن العربي، وأقيمت لها جلسات بحثية، وتمّ تسجيل رسائل ماجستير ودكتوراة أنا أحبّ "متاهة الأولياء" لأنّها منحتنى الكثير، وما زالت. واختتم العبودى حديثه بجملة واحدة عن الأديب الكبير بهاء طاهر، حينما تطرقنا إلى العلاقة التى جمعته به فقال: تعلمت منه التواضع وتقنين المساحات بينك وبين الجميع.