الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

90 عامًا من الإبداع.. وداعًا محمود رضا الأسطورة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ليس مجرد مصمم رقصات أو راقص أو صاحب فرقة أو ممثل أو مخرج أو حتى باحث، فهو مزيج استثنائي من كل هؤلاء الفنانين، إنه أسطورة الرقص محمود رضا، والذي غيبه الموت عن عالمنا صباح أمس الأول الجمعة.



محمود رضا محارب في معبد الرقص استطاع بموهبته الاستثنائية أن يحيي التراث الشعبي والرقصات الشعبية ووصل به إلى العالمية، تهافت عليه الملوك والأمراء ليكونوا رواده، جاب المدن والمحافظات في بحث مستمر لم ينقطع عمَّا هو مصري وأصيل، صاحبته مفكرته التي دون خلالها الموروث ليستلهم منه أعظم وأروع الرقصات، التي ما زلنا نحفظ حركاتها عن ظهر قلب، وما زالت حتى الآن، لم يستطع الكثيرون الوصول إلى ما وصل إليه محمود رضا من مكانة فهو عاشق أعطى معشوقته كل ما لديه.

محمود رضا أكاديمية فنية شاملة لم يتوقف عند مرحلة البحث وفقط، وإنما سار في خطي العظماء، وأصبحت لديه حركات راقصة تحمل توقيع "محمود رضا".

بدأ الفنان محمود رضا شغفه بالفنون في سن مبكرة، حيث تعلم رقص الباليه، وبدأ يهتم بالرقص الاستعراضي، وكان حريصًا على متابعة الأفلام الاستعراضية، لا سيما الأمريكية منها، وكان لاشتراكه بنادى «هليوليدو»، والذى كان يضم العديد من الجنسيات الأجنبية، أو من المصريين من أصل أجنبى في تكوين أول فرقة استعراضية، التى تكونت من خمس فتيات وخمسة فتيان من أعضاء النادي، وقدم من خلال تلك الفرقة الصغيرة الحفلات الشهرية بالنادي، والغريب أن الفنان أسامة عباس كان من بين أعضاء تلك الفرقة.

وفى عام ١٩٥٤، انضم رضا إلى فرقة «ألاريا» الأرجنتينية، وشارك معها في عروضها التى قدمتها في القاهرة والإسكندرية وروما وباريس، ما أسهم في إعطائه ثقة في نفسه وبقدراته الاستعراضية، كما أكسبته خبرة في تصميم الرقصات من خلال تجاربه العملية مع الفرقة وسفره معهم.



ووجد رضا بداخله دافعًا قويًّا في إنشاء فرقة للفنون الشعبية المصرية، وجاء ذلك بعدما حقق نجاحًا كبيرًا في أوبريت «يا ليل يا عين» من إخراج الفنان زكى طليمات، فكان لديه وعى كبير بالفرق بين الرقص الاستعراضى، الذى يقوم على استلهام الرقص الشعبى وبين رقص الباليه، ومن هنا وجد رضا الفرصة مواتية لكى يعرض على «فتحى رضوان» وزير الإرشاد وقتها «الثقافة حاليًّا» فكرة تكوين فرقة للفنون الشعبية تكون تابعة للوزارة، وذلك في عام ١٩٥٧ بعد انتهاء الميزانية التى تم تخصيصها لأوبريت «يا ليل يا عين»، وتفرق كل أعضائها، وعاد كل فنان إلى عمله الأصلي.

وقرر محمود رضا بالتعاون مع أخيه على رضا وعائلة حسين فهمى إنشاء فرقة خاصة، لتظهر لنا فرقة رضا، والتى بدأت بعدما حررت استمارة المشاركة في مسابقة الرقص الشعبى في مهرجان الشباب بموسكو عام ١٩٥٧، وكانت أولى رقصات الفرقة رقصة بعنوان «أبين زين»، وكان استقبال الجمهور الروسى والمتفرجين من جميع أنحاء العالم غير متوقع، فكان التصفيق مع الموسيقى على الواحدة، لدرجة أن المسئولين عن المسابقة طالبوا الفرقة بتقديم رقصة أخرى لكن محمود رضا رفض، وفازت الفرقة بالمركز الثالث وحازت على الميدالية وشهادات تقدير.

وبدأت الفرقة بتقديم أول برنامج لها يوم ٦ أغسطس عام ١٩٥٩ على مسرح ٢٦ يوليو المكشوف «حديقة الأزبكية»، بعد اكتمال عناصر الفرقة من راقصين وموسيقيين وأغانٍ وملابس وديكور، وكان أول برنامج عبارة عن فقرات فنية متنوعة استخدم فيها رضا مهاراته في فن الباليه واستلهامه من حياته العادية بحى السيدة زينب، وما رآه من عادات وتقاليد في الموالد الشعبية، وهو الشيء الذى لاقى استحسانًا وتشجيعًا كبيرين من الجمهور.

وكان رضا دائم الحرص على أعضاء فرقته وتكوينها، وكان يبذل جهدًا كبيرًا في تدريب الشباب لشهور وسنين دون كلل أو ملل، وكان يخشى أن يترك أحد الفرقة لأي سبب، فكان يسعى دائمًا إلى التقريب بين أفراد الفرقة ونشر الحب بينهم وتعميق روح المحبة والإخاء، كما أنه كان يحرص أن يكون كل أعضاء فرقته من طلبة الجامعة، حتى يمحي الوصمة التي يوصم به الراقص، بأنه يمتهن مهنة غير ذات أهمية، فاستطاع أن يغير النظرة الدونية للراقصين، وأعطي الفن الشعبي مكانته التي يستحقها.



أولاد على بمبة وعبقرية محمود رضا

الجميع يتذكر التابلوه الاستعراضي "أولاد على بمبة" الذي قدمه الفنان الراحل حسن عفيفي والذي لعب فيه دور «الشاويش المشاكس»، ويُعد من أجمل تابلوهات فرقة رضا، فقد استلهمه محمود رضا من بائع العرائس الخشبية المتجول، فكان البيع في وسط الشارع ممنوعا في ذلك الوقت، وكان بائع العرائس قد ابتكر حيلة لبيعها دون أن يتعرض للإيذاء من قبل رجال الشرطة، فكان يربط العرائس الخشبية بحبل رفيع ويضعها على حائط مبني في الشارع، ومع طول الحبل تصبح العروسة عائقًا أمام المارة، ومنهم من يقف ليشاهدها ويتفرج عليها، فإذا جذبت العروسة الخشبية انتباه أحد المارة يسحب بائع العرائس الحبل بأصابع يديه فتبدو وكأن العروسة تقوم بالرقص وكأنها عروسة حقيقية، ووقتها يقف الجماهير ليشاهدوا الرقصة والتمتع بها، ومنهم من يقوم بشرائها، ومنهم من يعطي للبائع مبلغًا من المال كتحية على أدائه.



قالوا عنه:-

«البيت الفنى وحشنى».. آخر كلماته في تكريمه بمنزله

"الفنان الكبير تساءل خلال أخر لقاء بيننا عن الحركة الفنية الاستعراضية قائلا: "أخبار البيت الفني إيه" فأجبته: نحاول أن نمشي بخطوات جديدة"، فقال له "رضا": "وحشني البيت الفني للفنون الشعبية جدا، وعلى الرغم من الظروف الصحية التي كان يمر بها الفنان الكبير إلا أنه كان سعيدا بزيارة فناني الفنون الشعبية والاستعراضية له، واحتفالية "ستون عاما على تأسيس فرقة رضا" التي نظمها البيت الفني للفنون الشعبية، كانت بمثابة الاحتفال بأيقونة الفنون الشعبية والأب الروحي لها الفنان القدير".



عادل عبده - رئيس الفنون الشعبية

امتلك ذاكرة فوتوغرافية عبقرية

"محمود رضا كانت لديه ذاكرة فوتوغرافية عبقرية، وكان يستعيدها بمجرد بدئه في عمل أي استعراض خاص بالفن الشعبي المصري، وكان راقص باليه شاطر، وكان عبقريًا، وأعماله جاءت من عصارة خبراته كراقص، وتميزت بخطوات قريبة من البيئة والواقع المصري، فاستلهم منها وقدمها بشكل مُمسرح، أي يصلح للتقديم على خشبة المسرح". وأضاف: "أن محمود رضا اخترع منهجية للتدريب على هذا النوع من الرقص المُستلهم، كما أنه وضع منهجًا خاصًا بفرقة رضا للتدريب ولتعليم الراقصين الجدد، ومن لا يتدرب على هذا المنهج هناك استحالة بأن يقوم بالرقص بفرقة رضا، حيث إنه يمكن أن يؤدي نفس الحركات، ولكنه لن يملك الروح الخاصة بفرقة رضا، والتي تتميز بخطوات وأفكار خاصة بها، حيث إن البيئة المحيطة بالفرقة كانت بيئة فنية، فالراقصون الذين معه كانوا بارعين في ترجمة ما يريده محمود رضا.

زكريا عبد الشافي - رئيس قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية الأسبق



سابق عصره.. كنت أرسم معه وأنا أرقص

"كان يعطي وقتًا كبيرًا لكل شيء حتى يتم إنجازه على أكمل وجه ممكن، فهو قامة كبيرة وأستاذ، ويجب تكريمه باعتباره رائد الفن الشعبي في مصر، فكان يعتبر أن حركة الراقصين هي البطل في العرض، ولا يريد أن شيء آخر أن يشد اجتذاب الجمهور سوى الرقصات، وهو ما جعله يقوم بإلغاء بعض المشاهد الخاصة بالديكور في ليلة "الجنيرال" قبل العرض بيوم، فمحمود رضا شخص استثنائي والعمل معه ممتع للغاية، فقد أعطاني وقتًا كبيرًا للمعايشة خاصة البيئة التي يتم الاستلهام منها، كما ساهمت دراساتي السابقة بشكل كبير في رسم المناظر الخاصة بالديكورات، لاسيما المتعلقة بالمأثور الشعبي، والحفاظ على الهوية المصرية، فشعرت أنني وأنا أرسم لوحات ومناظر المشاهد بأنني أحد الراقصين بالفرقة، فكنت أرسم وأنا أرقص، وأشعر بانسياب في الحركة".

حسين العزبي - مهندس الديكور



دوره لا يقل عن سيد درويش في الموسيقى

ومن هنا وجد محمود رضا أن هذه اللعبة لافتة للنظر حيث إن الجماهير في الشارع تقف وتشاهدها وقام بتحويل تلك اللعبة إلى تابلوه في عروض الفرقة، وزود عليها فكرة الشاويش الفلاح الذي يطارد على بمبة "بائع العرائس" بلهجته الفلاحي، ويدور بينهما حوار يدخل البهجة على الجمهور"، حيث تظهر إحدى راقصات الفرقة لتؤدي دور العروس لخشب وتنفذ في حركات فكاهية راقصة "مثل البانتومايم" حسب حركات أصابع البائع على الحبل الوهمي، وكأنها مربوطة فعلًا بحب معه، حتى تصل الأمور حين ينجح البائع في النهاية بجعل الشاويش يرقص مع العروسة متتبعًا أيضًا أوامر البائع وكـأنه هو أيضًا مربوط بحركات البائع وينتهي عرض هذا التابلوه على هذا النحو. وهنا نجد أن محمود رضا كان يستلهم من حركة الشارع والبائعة الجائلين أفكارًا لتابلوهات استعراضية تعبر عن الثقافة المجتمعية.



دوره لا يقل عن سيد درويش في الموسيقى

"دور محمود رضا في الفن الشعبي لا يقل أهمية عن دور سيد درويش في الموسيقى المصرية، وللأسف فإن الدولة بعد ذلك لم تقدر هذا الدور الريادي لمحمود رضا وتحمي تراثه، ولم يوفوه حقه، على الرغم من ترشحه لجائزة مبارك وجائزة النيل مرتين من قبل نقابة المهن التمثيلية وهي الصوت الشرعي للفنانين المصريين"

على الجندي - رئيس ومؤسس فرقة الإسكندرية للفنون الشعبية



كان صادقا ودائم القلق على الفرقة.. والموهبة والالتزام والاحترام أول شروطه

"محمود رضا كان دائم القلق على الفرقة، وكان يرى أن العمل بها متعب ومجهد وجاد جدًا، كما أنه يحتاج لتركيز قوي وصبر، هذا إلى جانب الموهبة والاستعداد، وقال لي محمود رضا عند بداية دخولي الفرقة «أنا تعبت جدًا علشان أكون الفرقة دي وأجمع المجموعة دي معايا جميعهم شباب صغير من معظم أندية مصر، ومن أكفأ الشباب الرياضي لياقة بدنيا وخلقًا وعلمًا ومعظمهم جامعيون، مش مهم يا فاروق عندنا العضو ابن مين؟ أو أخو مين؟ جاءني من قبل ابن وزير حالي للانضمام للفرقة بتوصية من والده الوزير ورفضته، لأنه لا يصلح للفرقة وجدية الفرقة.. المهم عندنا الموهبة أولًا، ثم الالتزام والاحترام، والاستعداد للتعلم والباقي علينا إحنا.. أنا باقولك كده علشان تفكر مائة مرة قبل ما تقرر الانضمام لينا.. وبعد اختبارك موافقتى عليك ساعته حاتلاقي الفرقة بترحب بيك".

فاروق سالم - مؤلف كتاب "أيام وليال مع فرقة رضا"