الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ديليسبس.. و(متحف العار)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بدأت تعلو في الآونة الأخيرة صيحات مفادها ضرورة إعادة تمثال ديليسبس في مدخل القناة على قاعدته الخالية منذ إنزاله بعد العدوان الثلاثى وتشوينه في مخازن هيئة القناة. ولقد جاءت حجة هؤلاء المنادين من منطلقات رسمية وغير رسمية. حيث أكد على الجانب الرسمى محافظ بورسعيد باعتبار الأمر قرارًا سياديًا، في حين تكفل ما دونه بطرح مفهوم المصالحة مع التاريخ فضلًا عن أهمية الأمر في تشجيع السياحة. وبعيدًا عن كل هذا الصخب نقول بهدوء إن مفهوم القرارات السيادية قد تم الترويج له بهدف غير الذى أريد منه، إذ طالما أن السيادة للشعب فإن ما يتطلبه المجموع ولا يكون مخالفًا للدستور والقانون هو القرار السيادى الحقيقى الذى يستوجب على الجهة التنفيذية صياغته في صورته التنفيذية ذات الطابع الرسمى. أما أن يتم الترويج للسيادية بتجاهل الرغبة أو الحس الشعبى من منطلق أن صاحب القرار يعرف ما لايعرفه الشعب، وأنه يدرك مصلحته أكثر منه، فذاك يمثل حالة من الوصاية والانفراد بالقرار الذى لا يقبله شعب بورسعيد بما قدم من تضحيات ولكونه صاحب قرار الإزاحة منذ ما يربو على الستين عامًا. أما عن مسألة تشجيع السياحة فلست أدرى ما العلاقة الوثيقة بين التمثال والسياحة في بورسعيد، ذلك أن المقومات السياحية للمدينة الباسلة لا يندرج فيها بل ولن ينعشها وضع التمثال كسابق عهده، حتى ولو حظى بالتسجيل الأثرى من قِبل اللجنة الدائمة للآثار.

وتبقى قضية المصالحة مع التاريخ، وهو تعبير يحتاج إلى وقفة متأنية مفادها أن المصالحة المزعومة إنما تأتى باعتذارات من الجانب المعتدِى لأصحاب الحق المعتدَى عليهم. وهو حق لا يسقط بالتقادم لا سيما إذا ارتبطت به بعض الالتزامات الأدبية والمادية. وعلى الذين يتوارون خلف درع التاريخ أن يراجعوا مفهوم المصالحة التاريخية أو أن يطالعوا مقالنا المنشور بجريدة الدستور في يونيو منذ عشر سنوات خلت بعنوان " العرب.. وأوهام الاعتذار السياسى". وأحسب أن الاعتذار المستحق عليه أن يتجه إلى الفلاح المصرى الذى ذاق الأمرين من أجل مشروع لا يزال هو حاميه حتى اليوم، في إرث مشروع للحس القومى المروى بدماء زكية لا يزال عبيرها يعطر سماء الوطن كلما تعرضت القناة لسوء عبر تاريخها الطويل.

والواقع فإذا كانت القضية مرتبطة بالتمثال ذاته فقد ناديت من قبل بضرورة إنشاء "متحف للإرهاب"، وهو اقتراح يمكن التوسع فيه بإنشاء متحف لكل النماذج التى أساءت في حق هذا الوطن من خيانة وإرهاب واستغلال غير مشروع باستعباد هذا الشعب الأبى على غرار ما فعله ديليسبس. ولنطلق عليه "متحف العار"، حيث تصبح النماذج المعروضة فيه تجسيدًا حيًا لكل من سولت له نفسه مساس الكنانة بسوء. ولتتعرف الأجيال بوسائل العرض المتحفية على نماذج للعداوة التقليدية للوطن. ولدينا أمثلة في مختلف متاحف العالم لذات الفكرة، مثلما الحال في بريطانيا حيث أسلحة النازى بمتحف درم الإقليمى أو نموذج لمانسون زعيم الهيبيز وأتباعه بمتحف مدام توسو بلندن مثالًا لا حصرًا.

أما إذا كان هناك بد مما ليس منه بد كما يقولون بتمسك البعض بشامبليون على القاعدة التاريخية بمدخل القناة، فلدى اقتراح يماثل تمثال شامبليون الذى يجثم فيه بحذائه على رأس تحوتمس الثالث والمعروض بفناء "كوليج دى فرانس". وهو تمثال تم صنعه بعد افتتاح القناة بقرابة العقد من الزمان في مصادفة لا ينقصها الاستغراب!. والاقتراح هو قطع رقبة ديليسبس من تمثاله وإعادة صياغتها فنيًا تحت قدم الفلاح المصرى في تمثال يعيد الاعتبار لما يربو على ١٢٠ ألف شهيد من أجدادنا، ليكون خير رد على أدعياء المصالحة التاريخية في الداخل أو أرباب "الاستعلاء الحضارى" في الخارج. مع الاحتفاظ ببقية التمثال في متحف العار ليحكى بوجوده قصة الأمس القريب، المحفورة في الوجدان المصرى بقدر ما حفرته القناة في أرضها. عسانا نحقق لأدعياء الحكمة مكتسبات التشجيع المزعوم للسياحة المرتقبة.!!.