السبت 01 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ظهور وأفول التوافق

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في اليوم التالي لنجاح الثورة في خلع رموز النظام القديم وبدء انهياره، ظهرت في الأفق السياسي مقولة “,”التوافق“,” بين القوى السياسية والشبابية، التي فجرت الثورة، وساهمت في استمرارها واقترابها من تحقيق أهدافها.
وكان لهذا التوافق ما يبرره غداة نجاح الثورة؛ حيث كانت التحديات والمهام المطروحة كثيرة ومتنوعة ومتشابكة تنوء بحملها الجبال والعصبة أولو القوة. من بين هذه المهام وضع الأسس والمبادئ للنظام الجديد، نظام ما بعد الثورة، الذي يفترض أنه سيستظل بشعارات الثورة في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية؛ تلك الشعارات التي عنت في الترجمة العملية في الواقع، إقامة نظام ديموقراطي يؤمن بتداول السلطة وحرية الانتخابات وعدم تزييف إرادة الناخبين، وكذلك تأكيد حقوق المواطنة والمساواة بين كافة المواطنين، وتحقيق العدالة الاجتماعية؛ عبر انتشال قطاع كبير من المصريين من مهاوي الفقر والفاقة والعوز والحرمان، بمختلف الوسائل والأدوات السلمية والقانونية.
وكان إدراك القوى الثورية والمدنية لضخامة الميراث السلبي للنظام السابق من الفساد والاستبداد وتفريغ المؤسسات والقوانين من مضمونها ومحتواها سببًا آخر لتأكيد التوافق؛ ذلك أن هذا الميراث والتخلص منه يقتضي تضافرًا لكل القوى الثورية والوطنية؛ لوضع الآليات والمبادئ والتصورات التي بمقدورها الإجهاز على هذا الميراث، ووضع أسس جديدة ومبادئ جديدة للحيلولة دون إعادة إنتاجه، أو استنساخه مرة أخرى.
وفضلاً عن ضخامة المهمات التي تتعلق ببناء نظام ديموقراطي جديد، والتخلص من ميراث الفساد والاستبداد، وإعادة بناء الدولة المصرية ومؤسساتها، كانت أيضًا مهمة وضع دستور جديد للبلاد، دستور ما بعد الثورة، يؤمن الانتقال الآمن، ويحدد القواعد والمبادئ التي ينبغي أن تنظم العلاقة بين المواطن والدولة، والعلاقة بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وبين القوى السياسية المختلفة.
وربما استدعى هذا الأمر –أي الدستور- التوافق بقوة أكبر من غيره من المهمات والتحديات، وذلك بحكم ضرورة التوافق بين كافة الفئات والطبقات والتيارات لوضع مثل هذا الدستور؛ لأن الدستور يحدد القواعد والأسس التي ترتكز عليها الممارسة السياسية في مرحلة ما بعد الثورة.
بيد أن هذا التوافق، ورغم أهميته في المرحلة الانتقالية، وصحة التصور الذي يقف وراءه، والطابع المسئول للقائلين به وطنيًّا وسياسيًّا؛ قد اصطدم في الواقع المتعين بفريق وشريك في الثورة -وإن كان بدرجة أقل أو متأخرًا في اللحاق بها- لم يكن التوافق على أجندته أو من بين أولوياته؛ لأنه كان يرى نفسه منظمًا ومستعدًّا ماليًّا وثقافيًّا وإعلاميًّا للفوز في معركة وراثة النظام القديم، ومن ثم فقد سلك هذا الفريق مسلكًا مغايرًا لبقية القوى السياسية والثورية، حيث دفع بثقله وراء إجراء الانتخابات قبل وضع الدستور، والاستفتاء على التعديلات الدستورية التي أجرتها اللجنة التي كلفها المجلس العسكري بذلك، وترك الثوار يخوضون معاركهم منفردين في مواجهة المجلس العسكري، وانخرط هذا الفريق لترتيب أوضاعه مع المجلس العسكري، وإعداد العدة للانتخابات والسيطرة على المؤسسات.
كان التوافق بالنسبة لتيارات الإسلام السياسي مجرد ورقة إضافية تضاف إلى أوراقه ورصيده، ولم يكن مسلكًا حقيقيًّا وبرغبة صادقة، بل على العكس كان في أعماقه يرى أن التوافق المعني حجة الضعفاء، الذين يفتقدون إلى القواعد الشعبية والالتحام بالمواطنين، ولا يملكون القدرة التنظيمية التي تؤهلهم لذلك.
ففي حين انخرطت القوى المدنية والثوار في عملية الحشد للتوافق والتنظير له، عكفت القوى الإسلامية على الحشد للسيطرة على المؤسسات عبر الانتخابات في أجواء الانقسام والاحتقان، والحال أن مفهوم التوافق فقد جدواه ومعناه، حيث كان مهمًّا في وضع الدستور باعتباره الوثيقة الأهم، في نظام ما بعد الثورة والمستقبل.
والآن، وبعد إقرار الدستور بالطريقة والتوقيت التي انفرد بها الرئيس وحزبه والقوى الإسلامية التي تؤيده، ينبغي للقوى المدنية والثورية ألا تجري وراء هذا التوافق المستحيل، وأن تتجه إلى بناء قواعدها الشعبية والتنظيمية في طول البلاد وعرضها؛ تمهيدًا للانتخابات المقبلة لتشكيل مجلس النواب الجديد، وأن تحرص على ألا يضيع وقتها وتتبدد طاقتها في السعي “,”للتوافق“,”، وأن تؤكد على اختلاف رؤيتها وأساليبها وإستراتيجتها في المعارضة، وأن تقنع الناخبين والمواطنين بالبديل الذي تقترحه عبر الوسائل القانونية والسلمية.