الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

دموع في عيون صاحبة الجلالة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ورحل محمد علي إبراهيم أحد فرسان الكلمة في بلاط صاحبة الجلالة، رحل رفيق العمر بعد رحلة طويلة من العطاء والعمل والجهد، رافقته عن قرب منذ عام 2005 عندما عين رئيسًا لتحرير جريدة الجمهورية، وعينت رئيسًا لتحرير أخبار اليوم، واستمرت علاقتنا حتى أمس الأول، حيث كان وكنت أحرص على أن نتصل ببعض تليفونيا في أحاديث طويلة، كانت كلها تدور حول صاحبة الجلالة بكل الذكريات الحلوة التي عشناها واقتربنا فيها من الرئيس حسني مبارك طيب الله ثراه.
رحل الكاتب الكبير وهو يحمل غصة في قلبه؛ لأنه لم يعد يكتب في محبوبته الجمهورية منذ نكبة 25 يناير 2011 والتي دعته للكتابة في صحيفة المصري اليوم وبعض المواقع والصحف العربية بالإضافة لصفحته على فيس بوك.
في آخر اتصال بيننا منذ أسبوع اتفقنا على الذهاب لرفيق العمر الزميل كرم جبر للتهنئة بعد أن تم اختياره رئيسًا للمجلس الأعلى للإعلام، وشاءت الأقدار ألا يتم اللقاء.
محمد على إبراهيم كان خليطًا من دماثة الخلق والطيبة الشديدة والقدرة الكبيرة في التحول من لحظات الغضب والانفعال إلى السماحة التي لا يحيطها أي سياج.
في معظم زياراتنا للخارج مرافقين للرئيس مبارك رحمة الله عليه – كنا لا نتحرك إلا سويًا لتكون بيننا مئات الذكريات ونعيش عديدًا من الأحداث.
محمد على إبراهيم كان صحفيًا من الطراز الأول، وكان إتقانه للغة الإنجليزية سبيلًا للتفوق علينا في بعض الأحيان، وكان رحمة الله عليه رئيسًا لصحيفة الاجبشيان جازيت قبل رئاسته لتحرير صحيفة الجمهورية وخاض معنا معارك شرسة مع جماعة الإخوان الإرهابية، والتي كانت قد أوشكت أن تترك فترة بياتها الشتوي لتخرج علينا بأفكارها المسمومة والمضللة.
كان رحمة الله عليه مرحًا وكما نقول: ابن نكتة، وفي إحدى زياراتنا لإيطاليا وأثناء رحلة العودة مع الرئيس مبارك طيب الله ثراه تعرضت الطائرة لعاصفة رعدية شديدة جعلتنا جميعًا نقرأ التشهد على أرواحنا، وكان أقلنا انفعالًا وتأثرًا هو الرئيس مبارك، والذي أمسك جيدًا بالمنضدة التي توجد أمامه على حين سقط بعض الزملاء رؤساء التحرير الذين كانوا يقفون محاطين بمقعد الرئيس وهو يتحدث معنا.
كانت العاصفة شديدة، وبدأت الطائرة في الانحناء يمينًا ويسارًا إلى درجة فتح أبواب الشنط أعلى الطائرة وتطاير ما فيها، وبعد دقائق عصيبة بدأت الطائرة في الاستقرار لنعاود الحديث مع الرئيس والذي كان يضحك في ثبات ليشرح لنا ما حدث وقال احمدوا ربنا احنا كنا خلاص فقال له كاتبنا الراحل الكبير محمد على إبراهيم، ولا يهمك يا ريس وإيه يعني إحنا كنا هنموت موتة مشرفة حد يطول يموت ومعاه رئيس الجمهورية، فانفجر الرئيس ضاحكًا وقال له: الله يخرب بيتك روح موت بعيد عننا. وفي إحدى زياراتنا للولايات المتحدة الأمريكية وكانت المرة الأولى التي سيلتقي فيها الرئيس مبارك مع الرئيس أوباما وبدأت المباحثات داخل المكتب البيضاوي وقبل انتهاء المباحثات الثنائية بدأ المتحدث الرسمي لبيت الأبيض في توزيع بيان مكتوب عن المباحثات التي لم تنته، وبسرعة لاحظ الراحل الكبير محمد على إبراهيم أن هناك فقرة عن أن الرئيسين مبارك وأوباما بحثا موضوع حقوق الإنسان بمصر، وأن أوباما طالب الرئيس مبارك بالمزيد من هذه الحقوق.
قمنا بإبلاغ الوزير أحمد أبوالغيط وزير الخارجية وعقب انتهاء المباحثات الثنائية مباشرة دخلنا للمكتب البيضاوي ليسرع السفير أحمد أبوالغيط، ويهمس في أذن الرئيس مبارك حول الفقرة، وعندما بدأ المؤتمر الصحفي تحدث الرئيس مبارك وقال إن المباحثات لم تتطرق لموضوع حقوق الإنسان من قريب أو بعيد ونحن لا نسمح لأحد بالتدخل في شئون مصر الداخلية مؤكدًا سعي مصر للتوسع في الحريات.
وخلال حديث الرئيس همس وزير الخارجية الأمريكي في أذن أوباما والذي بدأت تعابير وجهه في الانقباض وقاموا بحذف الفقرة من البيان.
رحم الله فقيد الصحافة الكبير الذي لن يتكرر بخلقه وطيبته ووطنيته ليترك دموعًا لن تجف في عيون صاحبة الجلالة.